خبر : من دوائر الرحمة في الاسلام / بقلم: للشيخ عبد العزيز عوده

الأحد 22 نوفمبر 2009 02:31 م / بتوقيت القدس +2GMT
من دوائر الرحمة في الاسلام / بقلم: للشيخ عبد العزيز عوده



إن الرحمة عندما تسود في أي مجتمع من المجتمعات بين أفراده, تكون علامة شرف وآية نبل, وعندما تسود أخلاق الرحمة يكون المجتمع شريفاً ونبيلاً.  ليس صعباً أن تكون شريراً ,الصعوبة والتحدي الحقيقي كيف تكون إنساناً خيراً, كيف تكون إنساناً نبيلاً ورحيماً.... ً أمّا أن تكون شريراً وقاسياً وظالماً, فهذا أمر ميسور لا سيما إذا توافرت لديك إغراءات القوة وأسبابها، ربما قلت وأنت ضعيف { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }. ربما عفوت وأنت ضعيف لكن هذا لا قيمة له، لان العفو يكون عفوا مقتدراً، ولكن عندما تكون قوياً, وعندما تحيط بك إغراءات القوة والسلطان والمال ثم تعفو فهذا الذي يقصده الإسلام, ولذلك سمى الله نفسه عفواً قديراً، وكان الله عفواً قديراً. ولقد سخر الشاعر المتنبي من أولئك الذين يدعون العفو وهم ضعفاء، فإذا ما أصبحوا أقوياء مارسوا القسوة والعنف فيقول:                    كل حلم أتى من غير اقتدار                 حجة لاجئ إليها اللئام    إن من أخلاق الفروسية أن تعف عن خصمك عندما يكون ضعيفاً وأنت قوي, أمّا إذا استجديت رحمته وأنت ضعيف وسحقته وأنت قوي, فهذه أخلاق ليست جديرة بالاحترام. ولذلك عندما تروج أخلاق الرحمة والعفو بين المسلمين من القمة إلى القاعدة, يكون ذلك علامة شرف وآية نبل, وما أجمل ما يقوله أمير الشعراء وهو يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم , ويقول له :                  وإذا رحمت فأنت أم وأب           هذان في الدنيا هما الرحماء وهناك دوائر يجب أن  تخص بمزيد من الرحمة، وهناك أصناف من البشر في مجتمعنا لابد أن ينعموا برحمة خاصة، فمثلاً دائرة الزوجية، العلاقة بين الزوجين على إي نحو يجب أن تكون؟ هل تكون تسلطاً من الرجل على المرأة ؟ هل تكون تمرداً من المرأة على الرجل؟ كلا! إن الله سبحانه وتعالى يقول { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} فالعلاقة بين الزوجين أيضاً لا بد أن تكون كما حدد ملامحها القران على المودة والرحمة، لأنّ الأسرة إذا نزعت على هذا المعنى فلابد أن ينعكس هذا كله على ذلك المجتمع الذي ينبغي أن يكون متراحماً, والله يقول وعاشروهن بالمعروف, ومن ابلغ وجوه المعروف هي الرحمة.  ليست من شيم الكرام أو من شيم الرجال التسلط، ولا من شيم المرأة العاقلة التي تحرص على بيتها أيضاً أن تحركها مشاعر التمرد على قانون الأسرة, وما شرع الله  من أسس العلاقة بين الزوج والزوجة  {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ } والقوامة  هي الرعاية والحماية.  ولقد جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يقول له أريد أن أطلق زوجتي, فسأله عمر عن السبب، فقال الرجل إني لا أحبها... فنهره عمر وقال له  قم... أولم تبن البيوت إلا على الحب؟ فأين الرعاية؟ أين الرحمة ؟! وأيضاً أين الإحساس بالمسؤولية والمعاشرة الحسنة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله وعاشروهن بالمعروف. إن الأسرة في الإسلام آية من آيات الله و كما قال تعالى{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} سكن ومودة ورحمة, وهي نعمة كبرى ذكرها الله في موضع آخر عندما قال {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }.  في عصر النبي صلى الله عليه وسلم صنع رجل طعاماً, ودعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم , فأبى النبي أن يلبي الدعوة إلا أن تكون معه زوجته عائشة, واخذ يحاور الرجل ويقول له في كل مرة يدعوه الرجل  فيقول له النبي وهذه - أي عائشة- إلى أن وافق الرجل, وهذه شيم النبي الرؤوف والبار الرحيم ( صلى الله عليه وسلم). ان الأسرة لابد أن تقوم على أساس الرحمة فلا ضرب, ولا إهانة , ولا شتم، إنّ بعض الأزواج يتصرف كما لو كان حاكماً بأمره, لكن هذا يأباه الإسلام، وتأباه الأخلاق الحسنة, ويأباه قانون الرحمة الذي هو أساس المجتمع الإسلامي, وعندما سئلت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم كيف يكون في بيته  قالت: يكون في بيته في مهنة أهله, كان يساعد أهله.  وكان يقول صلوات الله عليه "خيركم ، خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " وكان يوصي بالنساء فيقول استوصوا بالنساء خيراً . فلا ينبغي أن تكون المعاملة بالقسوة والجفاء و الضرب والشتيمة والاهانة, لأن الحياة الزوجية ليست حياة بوليسية, إنما هي حياة يحكمها الشعور بالسكن والشعور بالمودة والرحمة.   من الدوائر التي ينبغي أن تحظى  بالرحمة أيضاً الآباء، الوالدان ( الأب والأم) ولعلنا جميعا نحفظ القول الكريم {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } وقوله تعالى {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ كيف يمكن أن تقابل الجميل بالغدر؟ كيف تقابل الوفاء بالخيانة ؟ أن الوصية بالوالدين جاءت في سبع سور من القران الكريم أكثر مما جاء ذكر الصلاة والصيام والوضوء!! في سبع سور من كتاب الله يوصي القران الكريم ببر الوالدين, وذلك في سورة البقرة وفي سورة النساء والأنعام وفي سورة الإسراء و لقمان والعنكبوت وفي سورة الاحقاف. فهل عرفت أيها العاق قيمة هذا المعنى وهذا المبدأ الإسلامي؟ أنّ العاق لوالديه لا يقبل له عمل مع عقوقه لأبويه,  ولكن ما هو العقوق؟ , إن  العقوق صوره القران الكريم في غاية الدقة ( ولا تقل لهما أف) بمعنى التضجر في وجه الوالدين خاصة بعد أن يبلغان الكبر، ويتسلل المرض والوهن إلى جسديهما, فالعقوق هنا أن تقول لهما أف, التضجر في وجههما ,عدم الطاعة والكذب عليهما،  بل أن الواجب أن تبرهما حتى لو كانا كافرين،  وتأمل عندما يقول القران {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا}لا تطعهما في الشرك ثم قال{ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً }.   ردك إلى الأصل: ولا تقل لهما أف, فما بالك بمن تمتد يده الآثمة إلى أحد والديه! هذا خائن، هذا لا ينتفع منه وطن ولا شعب ولا إنسانية, ومن لا يكون وفياً لوالديه كيف يكون وفياً لامته؟؟  كيف يكون وفياً لوطنه؟  يا أيها الأبناء اتقوا الله في معاملة آبائكم, وقفوا طويلاً طويلاً طويلاً عند قوله تعالى {ولاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ}  والإسلام وهو يأمر بالرحمة في هذه الدوائر، إنّما يريد أن يربي المجتمع كله, الأسرة والمجتمع والحكومة، لأن هناك مهمة كبرى لهذه الأمة الإسلامية ولهذا المجتمع الإسلامي .   ومن الدوائر التي ينبغي أن تخضع للرحمة ولا يتلفت الناس لها دوائر المخطئين العصاة الضالين, إنّ المؤمن السوي, والمؤمن المستقيم صاحب الضمير الحي يأسى لأخطاء الناس, يحزن لأنهم يخطئون, ويتمنى لو اهتدوا, أما المريض هو الذي يتمنى للناس أن يقعوا في الأخطاء, ليجعل من وقوعهم في الخطأ مناسبة للتشهير بهم وللشماتة بهم, هذه حالة مرضية. والموقف الإسلامي الصحيح أن ترحم المخطئ, وان تبذل جهدك لهدايته, ولنقله من الخطأ إلى الصواب, لنقله من الضلالة إلى الهدى لأنه كان بالإمكان أن تقع أنت في الخطأ نفسه , وهل أنت معصوم؟ كل بني ادم خطاء وخير الخطآئين التوابون, قبل أن ينزلق لسانك للتشهير بفلان للشماتة به،  سل نفسك أيمكن أن تقع  فيما وقع فيه الناس؟ فلا بد إذن أن تمتلئ قلوبنا رحمة تجاه المخطئين  ؟وحرصاً على هدايتهم  وذودهم عن المعركة ودفعهم إلى باب الله سبحانه وتعالى. في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان رجل يقال له عبد الله وكان يضاحك النبي ويمازحه, لكنه كان يشرب الخمر، وكان يجلده الرسول صلى الله عليه وسلم , ولقد جلده كثيراً  فأوتي به مرة وقد سكر، فجلده النبي, فقام رجل من القوم وقال: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به, فماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تلعنوه فو الله ما علمت إلا أنّه يحب الله ورسوله. ولك أن تسال كيف يحب الله ورسوله ثم يشرب الخمر؟  والحقيقة أن بعض الناس قد يصاب بالإدمان، والإدمان يعطل الإرادة ويصيب المخ بشيء من الشلل, كثير من المرضى الذين ينهاهم الأطباء عن التدخين, فيقول له التدخين فيه ضررك، فيه موتك، لكنه يتشبث بالطبيب ليسمح له بسيجارة أو سيجارتين لماذا؟  لأنّ الإدمان عطل إرادته. وهناك قصة عن رجل له صاحب يسكر, فقال له صاحبه :اترك السكر, فنظر إليه المسكين المبتلى وقال: ادعوا الله لي ثم بكى. وهذا عائد إلى أنّ البعض قد يصاب بالإدمان، ولذلك أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نكرر هذه الآية عشرات المرات في اليوم الواحد {إياك نعبد وإياك نستعين} لابد أن نستعين بالله على التخلص من آفاتنا . و من الدوائر التي ينبغي أن ترحم ويخصها الإسلام بمزيد من التوصية اليتامى, فأمّا اليتيم فلا تقهر... إنّ الإسلام جعل الدّين كأنه موقف مع اليتيم فقال: أرأيت الذي يكذب بالدين, فذلك الذي يدع اليتيم, ولا يحض على طعام المسكين. وقال لك  كان يمكن أن يكون هذا اليتيم ابنك {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً }.   أن هذه الأرملة كان يمكن أن تكون زوجتك! ولذلك حث الإسلام على الرحمة بهؤلاء والمجتمع الذي يقسو على اليتيم، يكون قد بلغ منتهى مشاعر القسوة. جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو قسوة قلبه, فقال له صلى الله عليه وسلم أتحب أن يلين قلبك وان تدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك.   أيها الإخوة الأعزاء أما آن لنا أن تروج الرحمة بيننا, وان تكون الرحمة أساسا في علاقاتنا! أما آن من قساة القلوب أن تلين قلوبهم!! أما آن للأقوياء أن يتحرروا من إغراءات القوة!! لابد أن تكون الرحمة هي الأساس، هي العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وهي العلاقة بين أفراد المجتمع، هذا هو قانون الإسلام: ( أشداء على الكفار رحماء بينهم) (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين)  والحمد لله رب العالمين.