تقرير: هل يدفع الفلسطينيون ثمن صفقة شراء الهند لميناء حيفا؟

الإثنين 13 مارس 2023 04:35 م / بتوقيت القدس +2GMT
تقرير: هل يدفع الفلسطينيون ثمن صفقة شراء الهند لميناء حيفا؟



القدس المحتلة/سما/

في مؤشر على سعي الهند لمنافسة النفوذ الصيني بالشرق الأوسط، اشترت شركة هندية ميناء حيفا الإسرائيلي، لتكون الصفقة بديلاً لصفقة صينية مماثلة أوقفتها واشنطن، التي تسعى لجعل نيودلهي بديلاً لبكين، فهل تؤدي الصفقة لإضعاف نفوذ الصين بالمنطقة، وكيف ستؤثر على منطقة الشرق الأوسط وما علاقتها بالتطبيع العربي مع إسرائيل؟

واستحوذ كونسورتيوم من شركة أداني الهندية المملوكة للملياردير الهندي غوتام أداني الذي يوصف بأنه حليف لرئيس الوزراء ناريندا مودي ومجموعة Gadot الإسرائيلية على ميناء حيفا مقابل 1.2 مليار دولار تقريباً.

ويمتلك الشريك الإسرائيلي غادوت ثلث أسهم الكونسورتيوم، في حين أن الثلثين الآخرين مملوكان للشريك الهندي للكونسورتيوم، Adani Group.

وفي 11 يناير/كانون الثاني 2022، تم الانتهاء من عملية الشراء في الصفقة الهندية الإسرائيلية، ومنذ ذلك الحين، كانت أعمال ترقية الميناء جارية على قدم وساق. 

الصفقة جاءت بعد إجبار واشنطن لإسرائيل على إلغاء صفقة مماثلة مع الصين
وسوف تؤدي صفقة شراء الملياردير الهندي بمليارات الدولارات لميناء حيفا الإسرائيلي لتسريع اندماج إسرائيل في الشرق الأوسط مع توسيع وتعميق احتلالها لحياة الفلسطينيين وأرضهم، حسب تقرير لموقع Middle East Eye  البريطاني.

وتراجعت إسرائيل عن السماح للصين بتشغيل ميناء حيفا، والذي يستخدمه الأسطول السادس الأمريكي بشكل دوري، بسبب ضغوط من الولايات المتحدة، ويقع الميناء أيضاً على الجانب الآخر من قاعدة بحرية تضم أسطول الغواصات الإسرائيلي، والذي يُعتقد أنه يمتلك قدرة صاروخية نووية للضربة الثانية.

وخلال زيارته لإسرائيل في مايو/أيار 2020، دعا وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو إسرائيل إلى وقف مشاريع البنية التحتية مع الصينيين.

بالنسبة للهند فإن سيطرتها على ميناء حيفا "الاستراتيجي" الإسرائيلي جزء من استراتيجية إقليمية جديدة ناشئة لمطاردة النفوذ الصيني، حسب تقرير لموقع Eurasian times الهندي.

لماذا قد تكون أمريكا هي المحرك الفعلي لصفقة ميناء حيفا الإسرائيلي؟
هناك مؤشرات قوية على أن الصفقة تمت بموافقة، إن لم تكن مباركة ووساطة أمريكية في ظل سعي واشنطن لمحاصرة نفوذ الصين في كل مكان، والهند إحدى وسائلها لتحقيق ذلك، عبر تقديمها لبديل لبكين في مجالات عدة من بينها سلاسل التوريد والتعاون الاستراتيجي والعسكري عبر الاتفاق الرباعي "الكواد" الذي يرمي لمحاصرة الصين في منطقة المحيطين الهادئ والهندي ويضم بجانب واشنطن ونيودلهي أستراليا واليابان.

وها هي تسعى واشنطن على ما يبدو لاستخدام الهند كمنافس للصين في الشرق الأوسط التي تحتفظ فيها نيودلهي بعلاقات عسكرية واقتصادية وعمالية مع دول الخليج تحديداً، مما قد يفضي أيضاً لتعزيز التطبيع.

الصفقة أعلنت عقب اجتماع تجمع دولي يضم الهند وإسرائيل والإمارات
وعلى غرار الكواد وإيكواس في آسيا والمحيط الهادئ، تم تأسيس مجموعة آي 2 يو 2 أو مجموعة I2U2، وهي مجموعة للتعاون الاقتصادي الحكومي الدولي، تضم كلاً من الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، رغم أن أبوظبي قد تكون متحفظة على تقديمه كمنافس للصين التي لدى الإمارات علاقات وثيقة بها.

ونص أول بيان مشترك للمجموعة التي توصف بأنها (رباعي الهند وغرب آسيا)، الذي صدر في 14 يوليو/تموز 2022، على أن دول المجموعة تهدف إلى "التعاون في الاستثمارات المشتركة والمبادرات الجديدة في المياه والطاقة والنقل والفضاء والصحة والأمن الغذائي".

وبعد قمة افتراضية لمجموعة I2-U2 خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، تم الإعلان عن عملية الاستحواذ الهندية على ميناء حيفا الإسرائيلي.

ويعتبر استحواذ الملياردير الهندي غوتام أداني على ميناء حيفا، وفقاً للدكتور جيمس دورسي، زميل أول في مدرسة S. Rajaratnam للدراسات الدولية، "نجاح I2-U2. 

لماذا تبيع إسرائيل موانئها الحيوية؟ فتش عن التطبيع وأشياء أخرى
ولتعزيز المنافسة وتحسين جودة الخدمات وخفض التكاليف، تقوم إسرائيل ببيع موانئها المملوكة للدولة وبناء أرصفة خاصة جديدة.

منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت المداولات حول خصخصة ميناء حيفا، في إطار سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي بدأها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي شجع مراراً على بيع الأصول العامة لتقليل الفساد وخفض التكاليف.

ومع تحسن العلاقات مع الدول العربية المجاورة  في ظل التطبيع المتسارع، تنفتح فرص تجارية جديدة لإسرائيل، وحيفا في وضع جيد للتطور إلى مركز إقليمي واستغلال موقعها الاستراتيجي المنافس لمصر وقناة السويس، بعد أن كانت محاصرة في ظل المقاطعة العربية لعقود، مما قد يؤدي لتشغيل موانئها كموانئ إقليمية ودولية مثلما كان الأمر في فلسطين قبل احتلالها.

واحتفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالصفقة واعتبر أن من وصفهم بالجنود الهنود الشجعان خلال الحرب العالمية الأولى كان لهم دور فعال في المساعدة في تحرير حيفا منذ أكثر من قرن، في إشارة لنزول قوات الحلفاء واحتلالها فلسطين التي كانت جزءاً من الدولة العثمانية.

وأضاف: "والآن، يدعم المستثمرون الهنود تحرير ميناء حيفا".

وفقاً لرئيس بلدية حيفا، إينات كاليش روتيم، فإن التطوير سيساعد المدينة على تحقيق أهدافها طويلة المدى وتحويلها إلى مدينة بحرية قوية ومثيرة وحقيقية في البحر الأبيض المتوسط.

 وقال نوار جيلون، سفير إسرائيل في نيودلهي، لوسائل الإعلام المحلية: "أداني قوي جداً في نظام الموانئ العالمي، هذا هو عمله الأساسي".

الصفقة الإسرائيلية الهندية بين الأهمية الاستراتيجية لميناء حيفا وشبكة علاقات أداني المثيرة للانتباه
وفقاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي، ستكون المنطقة بمثابة نقطة دخول وخروج لكمية كبيرة من البضائع التي ستنتقل مباشرة من المنطقة إلى البحر الأبيض المتوسط ​​وأوروبا، متجاوزة شبه الجزيرة العربية ونقاط الاختناق الثلاثة، حسب تعبيره.

وتدير الشركة المملوكة لشركة للملياردير الهندي أداني 13 محطة بحرية في الهند وتسيطر على 24% من التجارة البحرية في البلاد. واللافت أن نشاط شركات أداني الحليف لرئيس الوزراء الهندي ليس لها صلات تذكر بالغرب، علماً بأنه عانى من فضائح مؤخراً أدت لانهيار أسهم شركته. 

 لذلك، يشير وجود الشركة في إسرائيل إلى زيادة التجارة البحرية بين آسيا وأوروبا وسعي نيودلهي لأن يكون لها مركز في البحر الأبيض المتوسط.

ويتعامل ميناء حيفا مع حوالي 50% من جميع البضائع الإسرائيلية.

 وفيما يتعلق بنقل الحاويات، يعتبر ميناء حيفا ثاني أكبر موانئ إسرائيل، وأبرزها من حيث عدد السفن السياحية التي تنقل السياح.

 ويعتبر ميناء حيفا الإسرائيلي حاسماً من وجهة نظر استراتيجية لعدة أسباب، أبرزها لأنه يقع على  ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​كمفترق طرق مهم للتجارة والتبادل التجاري بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا.

 كما يوفر ميناء حيفا وصولاً سريعاً إلى المدن الرئيسية والمراكز الصناعية في إسرائيل، مما يسهل النقل الفعال للبضائع والموارد.

فيما يتعلق بالجيش الإسرائيلي، تعتبر حيفا قاعدة بحرية بالغة الأهمية توفر منطقة رسو آمنة للسفن الحربية وسفن الدعم.

كما تعد حيفا مركزاً مهماً لإنتاج وتوزيع المنتجات البترولية؛ لأنها موطن لمصفاة نفط كبيرة.

كيف ستستفيد الهند؟
قد تؤدي ملكية الهند لميناء حيفا إلى مزيد من تبادل السلع والخدمات والاستثمارات المالية بين الهند وإسرائيل ودول أخرى في المنطقة، مما يعزز الاقتصاد الهندي. 

ستكون الهند قادرة على تحسين اتصالها بأوروبا والشرق الأوسط وآسيا مع اكتسابها السيطرة على ميناء حيفا. سيؤدي ذلك إلى تسهيل التنقل بين هذه المناطق على الأشخاص والسلع والموارد.

 إن الاستحواذ على سيطرة ميناء حيفا من شأنه أن يمنح الهند إمكانية الوصول إلى المزيد من الأسواق لمنتجاتها وخدماتها، مما يعزز صادراتها وتوسعها الاقتصادي. قد تؤدي ملكية الهند لميناء حيفا إلى نقل التكنولوجيا والخبرة من إسرائيل إلى الهند، مما يساعد في تحديث وتحسين البنية التحتية لموانئ الهند.

وسوف تمنح السيطرة على ميناء حيفا الهند ميزة استراتيجية في المنطقة، مما يعزز أمنها البحري ويسمح لها بالوصول إلى ممرات الشحن الحيوية على غرار المساعي الصينية.

 قد تزداد المنافسة بسبب سيطرة الهند على ميناء حيفا؛ مما يؤثر على مصالح الصين التجارية والاستثمارية في الشرق الأوسط وأوروبا. 

في الوقت الذي تبدو فيه مبادرة الحزام والطريق (BRI) الصينية التي تعتمد على البنية التحتية والمتعددة الجوانب في حالة ركود، فإن استحواذ حليف وثيق لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في عرض مشترك مع شركة جادوت الإسرائيلية، يمثل نجاحاً في الجهود التي تدعمها الولايات المتحدة لمواجهة الصين.

واللافت أنه يدير ميناء مملوكاً للقطاع الخاص في خليج حيفا مجموعة Shanghai International Port الصينية، التي تدير ميناء المياه العميقة للعاصمة الصينية، أكبر ميناء لشحن الحاويات، بموجب اتفاقية إدارة مدتها 25 عاماً.

موقف الإمارات  
يشير الاستحواذ أيضاً إلى أن الإمارات العربية المتحدة، أحد أقرب حلفاء الصين في الوسط وعضو في I2-U2 جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة وإسرائيل والهند، تلعب على طرفي المثلث الاستراتيجي في الشرق الأوسط، حسب الموقع الهندي.

وتعد الإمارات القاطرة الرئيسية للتطبيع العربي في المنطقة، وهي تجري مفاوضات نشطة مع تل أبيب في مجال التعاون الاقتصادي خاصة في مجال النقل، ولديها علاقات وثيقة مع بكين في الوقت ذاته.

وتأتي صفقة شراء الهند لميناء حيفا الإسرائيلي، بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الهند والإمارات العام الماضي. اتفاقية مماثلة قيد التفاوض بين إسرائيل والهند.

لماذا لم تمنح إسرائيل الصفقة للإمارات؟
 عندما فتحت المناقصات لميناء حيفا، أبدت موانئ دبي العالمية وتركيا والصين اهتمامها في البداية، لكن الولايات المتحدة ضغطت بشدة ضد حصول بكين على الميناء الاستراتيجي وانسحبت موانئ دبي العالمية من السباق في ديسمبر/كانون الأول 2021.

وقال بلونسكي، من جامعة لندن: "أخبرني الجميع في الميناء أنهم متحمسون لمشاركة موانئ دبي العالمية. لست متأكداً من سبب انسحابهم".

ويعترف دان كاتاريفاس، المنسق الإسرائيلي لمنتدى الرؤساء التنفيذيين بين الهند وإسرائيل، أنه على الرغم من الإثارة حول إمكانية وجود شريك عربي في حيفا، إلا أنه يقر بأن هناك همسات لم يتم تنفيذ الصفقة لأنها ربما كانت أكثر من اللازم، حسبما نقل عنه موقع ميدل إيست البريطاني.

إذ رأى كثير من المعنيين بالأمن في إسرائيل خطراً أمنياً للشراكة مع دولة عربية حتى لو كانت قائدة التطبيع في المنطقة.

 كل هذا خلق سيناريو مثالياً للهنود للمشاركة.


 ومع ذلك، عندما قدم أدانى عرضه مع Gadot الإسرائيلية دمر المنافسين، حيث كان عرضه أعلى بنسبة 55% من ثاني أعلى عرض. لم يكن هذا مجرد عملية شراء، لقد كان بيان نوايا.

وحتى في ذلك الوقت، فاجأ حجم العطاء الضخم المراقبين.

ومجموعة أداني، وهي شركة ضخمة في الهند – تشارك في تصنيع الطاقة الشمسية لتوزيع الغاز، ومحطات معالجة المياه للمطارات، والخدمات المالية للعقارات – أعطت إسرائيل الثقة في أن لاعباً رئيسياً بدعم من الدولة الهندية سيساعد في تحقيق أهدافها للميناء. 

وقال نيكولاس بلاريل، الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية بجامعة ليدن في هولندا، لموقع Middle East Eye، إنه لم تكن أي شركة هندية أبداً مغامراً في مشترياتها في الخارج.

وقال بلاريل: "أعتقد أن هذه كانت أكبر صفقة (بين الهند وإسرائيل) رأيتها. كانت هناك صفقات كبيرة، لكن معظمها في قطاع الدفاع. لكن في القطاع الخاص، هذا جديد تماماً".

والعلاقات الهندية الإسرائيلية الإماراتية ازدهرت تحت إطار يسمى باتفاقات أبراهام التي تم تيسيرها في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والتي أدت إلى مزيد من الأهمية في دور نيودلهي في المنطقة، حسب الموقع البريطاني.

الصفقة تعويم أمريكي لمجموعة أداني 
وظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بجانب أداني في حفل التوقيع في أواخر يناير/كانون الثاني، نتنياهو مبتسماً وأشاد بالصفقة البالغة قيمتها 1.2 مليار دولار، وقال إنه يأمل أن تؤدي إلى مزيد من "التواصل بين بلدينا".

وتصدرت الصفقة عناوين الصحف في كل من إسرائيل والهند، وكان من المفترض أن تكون الصفقة لحظة تاريخية لقطب الفحم الذي كان ثالث أغنى شخص في العالم في بداية العام، وهي تأتي بمثابة تعويم للملياردير الهندي أداني.

 وتترنح مجموعة Adani، تحت وطأة اتهامات بسوء التصرف المالي، والمعاملات الاحتيالية، والتلاعب في أسعار الأسهم.

وانخفضت قيمة شركاته بشكل كبير على الرغم من استثمار 400 مليون دولار من صندوق استثمار في أبوظبي. في غضون شهر، سقط أداني، الذي نفى التهم الموجهة إليه، من قائمة أغنى عشرة أشخاص في العالم.

وبالنظر إلى قرب أداني من سماسرة السلطة في نيودلهي، قالت صحيفة الإيكونوميست البريطانية إن أزمة أداني كان "إحراجاً سياسياً، لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وأقسى اختبار للرأسمالية الهندية منذ سنوات".

مع ازدهار علاقات الهند مع إسرائيل منذ أن تولى مودي منصبه في عام 2014، وتشكل الهند جزءاً لا يتجزأ من الكتلة الأمريكية ضد الصين، بدا أن عملية الاستحواذ قد أسعدت واشنطن.

في مؤشر على دور أمريكي واضح في تعزيز دور الهند كبديل للصين في التعاون مع إسرائيل، والتواجد في منطقة الشرق الأوسط، تجدر ملاحظة أنه بعد أقل من شهر من حديث نتنياهو ومودي عبر الهاتف بعد أزمة أداني، أعلنت شركة GQG Partners Inc الأمريكية أنها ستستثمر 1.88 مليار دولار في أربع شركات تابعة للملياردير الهندي. وشمل ذلك حصة 4.1% في شركة موانئ أداني مقابل 640 مليون دولار.

 كان التأثير فورياً، حيث ارتفعت أسعار أسهم شركات "أداني" الأربع بنسبة خمسة و%10 خلال يوم واحد. تعززت الروبية الهندية أيضاً مقابل الدولار الأمريكي بسبب الاستثمار – وهو أعلى تغيير في شهر.

بالنسبة لإسرائيل، كان الاستحواذ نعمة. سيساعد في إعادة إنشاء الميناء كمحور رئيسي في الشرق الأوسط، وسيوفر لإسرائيل فرصة فريدة لإنشاء طريق تجاري يربط بين البحر الأبيض المتوسط ​​والخليج، متجاوزاً قناة السويس، حسب الموقع البريطاني.

الهند.. من إدانة الصهيونية إلى حليف مقرب لإسرائيل
كقائد لحركة عدم الانحياز منذ أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، كان يُنظر إلى الهند بعد الاستقلال دائماً على أنها صديقة حميمية للشعب الفلسطيني.

 في حين أصبحت إسرائيل دولة في عام 1948، لم تعترف بها نيودلهي إلا في عام 1950. صوتت الهند أيضاً في عام 1975 في الأمم المتحدة للقرار رقم 3379 الذي يصنف الصهيونية على أنها عنصرية.

ولكن بمجرد أن قامت الهند بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 1992، غيرت العلاقة اتجاهها بسرعة، رغم وجود مؤشرات على أن تعزيز العلاقة بدأ قبل ذلك خاصة في ظل التزام باكستان الواضح تجاه القضية الفلسطينية بما في ذلك مشاركتها في حرب 1973 بطيارين لدعم الدول العربية، والطابع الديني الذي لا يمكن تجاهله للصراع العربي الإسرائيلي والهندي الباكستاني.

وبعد مرور ثلاثين عاماً، أصبحت نيودلهي الآن أكبر مشترٍ للأسلحة الإسرائيلية، حيث تقترب مشترياتها شيئاً فشيئاً من ملياري دولار سنوياً.

 وقال ساي إنجليرت، المحاضر في دراسات المنطقة في جامعة ليدن: "يبدو لي أن دعم الهند السابق للفلسطينيين كجزء من دورها القيادي في عدم الانحياز وحركات العالم الثالث قد تم التخلي عنه".

 و"تحت قيادة مودي، تسارعت هذه العملية بالتأكيد، حيث سعى بنشاط لبناء علاقات مع أنظمة قمعية ومحافظة أخرى في جميع أنحاء العالم".


 وأضاف أنجليرت: "بهذا المعنى، فإن تقاربه مع إسرائيل هو جزء من اتجاه أوسع".

وشمل التعاون الدفاعي بين الجانبين، تصنيع طائرات الهند لطائرات هيرميس المسيرة التي تم اختبارها لأول مرة على الفلسطينيين خلال قصف غزة عام 2014.

ووصفت المؤثرة الإسرائيلية حنانيا نفتالي صفقة ميناء حيفا بأنه "اختراق في تحالفنا مع الهند".

وقال نفتالي: "أعتقد أن هذه الصفقة تظهر أن الإسرائيليين يثقون في الهند بما يكفي لخصخصة ميناء حيفا المملوك للدولة ومنحه لأيادي الهند".

وأشار المراقبون إلى أن هذه الخطوة قد تسهل اتفاقيات التجارة الحرة التي طال تأجيلها بين الهند والاتحاد الأوروبي وكذلك إسرائيل.

 لكنها ستساعد أيضاً في توسيع تفاعلات إسرائيل الاقتصادية مع جنوب آسيا وشرق آسيا، والأهم من ذلك، زيادة دمج الاقتصاد الإسرائيلي في الشرق الأوسط بعد سنوات من العزلة عن جيرانها.

وقال كاتاريفاس لموقع Middle East Eye: "إن دخول أداني إلى إسرائيل  أو في ميناء حيفا، هو  جزء من استراتيجية المجموعة، لجلب إسرائيل والهند إلى منطقة الشرق الأوسط".

وأضاف كاتاريفاس: "في التخطيط المتوسط ​​والطويل الأجل لشركة أدانى والحكومة الهندية، يعد هذا استحواذاً استراتيجياً وراءه تفكير جيو-سياسي".

مودي يحوّل الهند لإسرائيل الكبرى.. هل يدفع الفلسطينيون ثمن الصفقة؟
عندما سلم نتنياهو عداني مفتاح ميناء حيفا في 31 يناير/كانون الثاني، كان هذا الشهر بالفعل أكثر الشهور دموية بالنسبة للفلسطينيين منذ عام 2015.

 وقتلت القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 35 فلسطينياً في يناير/كانون الثاني وحده.

 جاء ذلك في أعقاب العام الأكثر دموية للفلسطينيين منذ نهاية الانتفاضة الثانية في عام 2005. قُتل حوالي 220 فلسطينياً، من بينهم 48 طفلاً، في عام 2022.

 في حفل التوقيع، ركز أداني على شيء واحد فقط هو الثناء على إسرائيل.

وقال: "لطالما حفزتني إسرائيل؛ لقد أعادت كتابة القواعد الخاصة بما يمكن أن يحققه عدد سكان أقل من 10 ملايين. لقد أعدت كتابة القواعد من خلال إثبات ما يمكن لدولة ذات موارد طبيعية ضئيلة للغاية أن تحققه".

 وفيما يشبه المدح الضمني لسياستها العدوانية ضد الفلسطينيين والعرب، قال أداني إن "إسرائيل" تقدم نموذجاً لقدرتها على التغلب على كل الصعاب مع القوة المطلقة للعلم والتكنولوجيا.

وأضاف: "إن وتيرة الابتكار عبر قطاعات في إسرائيل متعددة وتدهشني. إن دافعها للابتكارات يجعلني أتساءل كيف يمكننا التعلم منها".

 أثارت هذه التصريحات غضب منتقدي إسرائيل والهند على السواء الذين أشاروا إلى أن كلا البلدين يواصلان تضخيم أساطيرهما التأسيسية كدول ديمقراطية ومبدعة، على الرغم من أنهما يسعيان إلى مشاريع إقصائية وعرقية قومية، حسب الموقع البريطاني.

 في عهد مودي، شهدت الهند ارتفاعاً حاداً في الهجمات ضد المسلمين والمسيحيين والداليت. قال إنجليرت إن إلغاء وضع الحكم شبه الذاتي لكشمير يكرر مشروع إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة.

وقانون تعديل المواطنة الهندي، الذي أضفى الطابع المؤسسي على المسلمين باعتبارهم غرباء، يوجه أوجه تشابه مع قانون حق العودة الإسرائيلي، الذي يستولي على أراضي الفلسطينيين المطرودين.

في الواقع، كانت هناك عمليات نقل مباشرة للمعرفة والتكنولوجيا من إسرائيل إلى الهند لتسهيل عملية التطهير العرقي الهندي بكشمير بشكل أكبر، وإنكار حقوق شعب كشمير، حسب إنجليرت.

وقال بلونسكي: "إن التأثير الملموس لهذا التعاون يمحو قضية فلسطين".

في أكتوبر/تشرين الأول 2021، تم تشكيل تجمع غرب آسيا، أو I2U2 (إسرائيل، الهند، الولايات المتحدة، الإمارات العربية المتحدة) رسمياً.

 في الأيام التي سبقت القمة، قالت نيودلهي إن المجموعة ستشجع الاستثمارات المشتركة في مجالات مثل المياه والطاقة والنقل والفضاء والصحة والأمن الغذائي.

 وقال إنجليرت، من جامعة ليدن، إنه مثلما فعلت ما يسمى باتفاقات أبراهام، سرَّعت I2U2 عملية التطوير والتحديث، لتوسيع مشاريع التوريق والخصخصة في جميع أنحاء المنطقة.

 وقال إنجليرت: "الميناء هو أول إنجاز مهم لـ(I2U2)"، مضيفاً أن الاستحواذ يعني أيضاً مزيداً من تدويل الاحتلال الإسرائيلي.

ومع استثمار الهند بكثافة في إسرائيل، حذر مراقبون آخرون من احتمال حدوث تداعيات خطيرة.

يعتبر بيع ميناء حيفا، كما يصفه بلونسكي، جزءاً من مخطط لفك ارتباط إسرائيل بغزوها الاستعماري باسم إنشاء ما يسمى بمساحات خاصة وفعالة وملائمة للتجارة العالمية.

 وقال قال بلونسكي، من جامعة لندن البريطانية، لكي تجري عملية مثل هذه بالطريقة الرأسمالية المفرطة التي يتم تصورها، فإنها تتطلب المزيد من الاحتواء والوحشية للفلسطينيين.

 قال بلونسكي: "إن مشروع النقل إلى الخارج يدور حول فصل دوائر التجارة العالمية هذه مثل ميناء حيفا عن أي شيء وكل شيء – مثل القوانين المحلية أو السياسة – يمكن أن يعيق الحركة السريعة للسلع والخدمات".

 "لا شيء يتحرك عبر الفضاء بطريقة سحرية. الموانئ ليست مساحات فارغة. إنها مليئة بالهويات الوطنية، والربح، والهويات الإمبريالية وهم يحملون كل هذا مرة واحدة".

 تجدر الإشارة إلى أن الفصائل الفلسطينية سبق أن هددت باستهداف المنشآت الإسرائيلية العاملة في مجال الغاز بالبحر المتوسط.

ورغم سعادة الهنود بالصفقة الجديدة فقد يجدون أنفسهم متورطين في صراعات الشرق الأوسط.