نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا من إعداد باتريك كينغزلي وهبة يزبك، قالا فيه إن جماعات مسلحة جديدة ظهرت في الضفة الغربية.
وقال الكاتبان، إن أبو عبد الله الذي كان قياديا في الانتفاضة الفلسطينية الثانية قبل عقدين، خبّأ بندقيته مع تراجع وتيرة المقاومة، وأصبح موظفا مدنيا في السلطة الوطنية بنابلس. وعندما داهمت القوات الإسرائيلية المدينة الشهر الماضي، أقرض أبو عبد الله (42 عاما) بندقيته لمجموعة من المسلحين الفلسطينيين يصغرونه بعشرين عاما، والذين خاضوا معركة استمرت أربع ساعات مع الجنود الإسرائيليين في المدينة الفلسطينية. وكل هذا جعله جزءا من النزاع لأول مرة منذ عدة سنوات، وهو واحد من عدة مقاتلين سابقين عادوا للساحة بعد معركة ذلك اليوم. وقال أبو عبد الله: “لدينا واجب علينا القيام به”.
وعملت السلطة الفلسطينية في السنوات الماضية مع إسرائيل للحد من نشاطات الجماعات المسلحة، وآمنت أنه من خلال بناء ثقة مع القادة الإسرائيليين، تستطيع إقناعهم بدعم ولادة دولة فلسطينية. إلا أن سيطرة السلطة في مدن مثل نابلس تتراجع وسط انخفاض لشعبيتها، مع تبخر حلم الدولة. وبرز جيل جديد من الفلسطينيين في العام الماضي حيث قاموا بشن هجمات ضد الإسرائيليين واستخدموا السلاح بوتيرة أعلى أثناء الهجمات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي على مدنهم.
ومن أهم الجماعات الجديدة، حركة اسمها “عرين الأسود” والتي كانت هدف عملية إسرائيلية في الشهر الماضي، وتتزايد شعبيتها رغم تراجع أعداد المقاتلين في صفوفها نظرا لاستهداف إسرائيل لهم بالقتل والاعتقال. ويتحرك المقاتلون السابقون الذين توقفوا عن القتال مدفوعين بالجيل الشاب. وتعكس التطورات الدعم المتزايد للعمل العسكري والمقاومة المسلحة ضد احتلال مضى عليه 56 عاما، إلى جانب الإحباط المتنامي مع تمكن المستوطنين في الضفة وهجماتهم، وما ينظر إليها بالسلطة الوطنية العاجزة والفاسدة.
وفي مقابلات داخل البلدة القديمة في نابلس، قال ثلاثة من المقاتلين الشباب، إنهم قاموا بإطلاق تمرد مسلح واسع بعد 18 عاما على نهاية التمرد السابق.
ويشرح هذا الشعور في جزء منه، سبب تصاعد العنف في الضفة عام 2023 وما تظهره الاستطلاعات بين الفلسطينيين والإسرائيليين عن قرب اندلاع انتفاضة جديدة. وبدأت الأعمال المسلحة بين الفلسطينيين في ربيع العام الماضي، في ظل الحكومة الإسرائيلية السابقة، ولكن الحكومة الجديدة التي تولت الحكم، زادت من ردّها على الهجمات التي يقوم بها الفلسطينيون.
وفي نهاية الأسبوع، طالب وزير إسرائيلي بـ”محو” بلدة حوارة الفلسطينية.
وتقول الصحيفة إن “عرين الأسود” مسؤولة عن معظم الزيادة في المقاومة الفلسطينية. وفي 2022، نفذت المجموعة 60 عملية إطلاق النار إحداها كانت قاتلة ضد الجنود الإسرائيليين ومدنيين داخل وخارج المدينة، بزيادة كبيرة عن الأعوام السابقة. وقادت هذه الهجمات لرد فعل إسرائيلي قوي. وقُتل أكثر من 60 فلسطينيا منذ بداية العام الحالي في الضفة الغربية، وهي بداية دموية تختلف عن الأعوام السابقة كما يقول المسؤولون الفلسطينيون.
وقُتل معظم الشهداء في مواجهات بين قوات الاحتلال والمسلحين الفلسطينيين، حيث داهمت القوات الإسرائيلية المدن لإلقاء القبض على المسلحين الذين تتهمهم بالتآمر لقتل الجنود والمدنيين الإسرائيليين.
والسؤال المطروح الآن هو حول قيام الفلسطينيين بانتفاضة جديدة. فقد بدأت الانتفاضة الأولى في ثمانينات القرن الماضي، وتميزت بالتظاهرات. وبدأت الثانية مطلع القرن الحالي بالتظاهرات، لكنها تحولت للعمل المسلح، وهجمات الجيش الإسرائيلي التي خلفت ألف قتيل إسرائيلي وثلاثة آلاف قتيل فلسطيني.
ومعظم وسط نابلس في حالة من الدمار. وبعد عقدين، هناك إشارات في المدينة على دعم الكفاح المسلح، وتحديدا عرين الأسود. حيث عُلقت صور لمقاتلي العرين في ساحات نابلس، وتنطلق الأغاني التي تتغنى ببطولاتهم من المقاهي، وشوهدت صورهم على واجهات المحلات ونوافذ السيارات وشاشات الهواتف النقالة. ويعكس الدعم، رؤية الكثير من المواطنين للمسلحين بأنهم يقومون بعمل لا تقوم به السلطة: محاربة إسرائيل.
وقال عميد المصري، المسؤول المحلي في نابلس من حركة فتح، إن الجيل الجديد من الفلسطينيين نشأ “بدون أفق سياسي”، وأضاف أن “جرائم إسرائيل، التوسع الاستيطاني، البطالة كلها دفعتهم للقيام بأمر مختلف، وأخذ الأمور بأنفسهم”. وفي استطلاع أجري في كانون الأول/ ديسمبر، وجد أن نسبة نصف السكان في الضفة وغزة يدعمون انتفاضة جديدة، وكل 7 من 10 أشخاص يدعمون عرين الأسود.
ويعتقد مسلح من العرين أن الانتفاضة قادمة. وقال الشاب البالغ من العمر 24 عاما: “نحن انتفاضة”. وعلق شاب آخر عمره 25 عاما: “انتفاضة بدون السلطة الوطنية”. ويعكس الموقف الثاني الوضع الراهن، وكيف أن العنف الحاصل لا يصل إلى حد الانتفاضة ويمكن أن يخفت.
فقد نسقت الانتفاضة الثانية الحركات الفلسطينية التي لها حضور في الضفة الغربية بما فيها فتح التي ينتمي إليها أبو عبدالله. ولم تدعُ القيادة في فتح إلى انتفاضة جديدة، ورفض المسؤولون الفلسطينيون البارزون دعوة عضو في حركة فتح، الشرطةَ الفلسطينية إلى مواجهة الجنود الإسرائيليين. وقال المصري: “حتى تكون هناك انتفاضة ثالثة، يجب أن يكون هناك قرار سياسي، والذي لم يتخذ بعد”، مضيفا أن “اللجنة المركزية لفتح هي من يتخذ هذا القرار”.
ويقول المسؤولون الفلسطينيون في الضفة، إنهم مترددون في تغيير السياسة لأن اندلاع العنف يضر بهم أكثر مما سينفعهم. إلا أن التردد هو ما دفع الجيل الشاب لتشكيل مجموعات مثل عرين الأسود. وقال ثلاثة مقاتلين إن عرين الأسود أنشئت في شباط/ فبراير 2022، مع أن الجيش الإسرائيلي لم يكتشفها سوى في شهر تموز/ يوليو، حسبما قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي.
وجاء معظم أفراد المجموعة من حركة فتح الذين شعروا بالإحباط من قيادتهم، بحسب مقاتلين ومسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين. وهذا لا يعني عدم وجود مقاتلين من حماس والجهاد الإسلامي. ويقول المسؤولون الإسرائيليين إن حماس والجهاد موّلتا عرين الأسود، لزرع الخلاف داخل السلطة وتقسيم فتح ولكن بعيدا عن العيان.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن العرين هاجمت جنودا ومدنيين إسرائيليين، وخططت لعملية في تل أبيب قبل إحباطها. واعترف العرين بأنه قتل جنديا إسرائيليا في تشرين الأول/ أكتوبر، من بين عدة عمليات. ويصف المقاتلون الجماعة بأنها مفتوحة وتحتوي على جماعات فردية ولا تتبع قيادة واحدة. وهناك عدد من أفرادها ينتمون لتنظيمات أخرى وأقلية منهم تنتمي فقط للعرين.
وتنبع شعبية التنظيم الجديد من الترويج والدعاية واستخدام منصات التواصل مثل تيك توك، وبث شهادات المقاتلين بشكل زاد من عدد المعجبين بها على المنصات، مما ألهم ظهور جماعات مماثلة في مدن أخرى. ودعا العرين لإضرابات واحتجاحات في الضفة. وينشرون صورا جماعية لهم وهم يحملون البنادق، وفي الحقيقة الكثير منها لا يعمل، وعادة ما ينتظر البعض استشهاد مسلح ليرثوا بندقيته أو يقترضونها من أشخاص مثل أبو عبد الله.
وانخفض عدد المقاتلين من 60 فردا في فترة الذروة، خلال شهر أيلول/ سبتمبر إلى 30 مقاتلا حسب تقديرات مختلفة. وقُتل عدد من أفرادها بالرصاص الإسرائيلي، فيما سلّم آخرون أنفسهم “حوالي 30 مقاتلا” للسلطة الفلسطينية مقابل وعود بحمايتهم من الانتقام الإسرائيلي، وسجنهم لعدة أشهر.
وخلقت الجماعة الجديدة معضلة للسلطة التي ترددت في التدخل، نظرا لشعبية المقاتلين ولانتماء بعضهم لحركة فتح، وهو ما دفع إسرائيل للتحرك، بحسب ما تقول الصحيفة. ودخلت القوات الإسرائيلية نابلس بشكل جريء وكانت آخرها العملية التي قُتل فيها 11 فلسطينيا نهاية شهر شباط/ فبراير. وعززت العملية من شعبية عرين الأسود رغم تراجع عدد مقاتليها، مقابل تراجع شعبية السلطة الفلسطينية التي وقفت قواتها الأمنية متفرجة أثناء العملية الإسرائيلية الأخيرة.