اتخذت “القيادة الفلسطينية” ثلاثة قرارات ردا على جريمة إسرائيل في مخيم جنين بقتل 9 فلسطينيين، وجرح 20 . القرار الأول: وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، والثاني: التوجه فورا لمجلس الأمن طلبا لحماية الشعب الفلسطيني دوليا من اعتداءاتها اليومية، والثالث: التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية لإضافة ملف المجزرة الجديدة إلى ما لديها من ملفات تخص القضية الفلسطينية.
وكل قرار من هذه القرارات هام في معركتنا الوجودية مع هذا العدو الكريه الذي لا نظير له في تاريخ البشرية في انحطاطه ولؤمه وغدره، وانعدام تعففه عن أي جريمة يستطيع اجتراحها . ونركز حديثنا على التنسيق الأمني لكونه الورقة التي تملكها “القيادة الفلسطينية ” ملكية مباشرة تستطيع التصرف فيها فورا إن صح عزمها وصدقت نيتها في وقف التنسيق الذي كان نكبة وطنية كبرى للشعب الفلسطيني، ونعمة لجيش إسرائيل ومستوطنيها ؛ حمتها من آلاف عمليات المقاومة الفلسطينية التي لو نفذت أو نفذ أكثرها لحولت مسار صراعنا مع هذا العدو لما فيه نصرنا وحريتنا . في عدوان 2008 _ 2009 أنقذ التنسيق 90 جنديا إسرائيليا من إبادة محققة من كمين للمقاومة في منطقة الشجاعية شرقي غزة ، ولو تمت لأغرقت إسرائيل في الدموع ، ولاستل سياسيوها وعسكريوها وأمنيوها لبعضهم السكاكين ، ولاختفت رؤوس قيادية من الفئات الثلات .
وراجعوا ما قاله وزير دفاع إسرائيل الجديد يوآف جالانت عن عناصر أجهزة التنسيق الأمني الفلسطيني وخدمتهم لأمن إسرائيل . التنسيق ، وهو اسم ملطف مهذب لحقيقته الرهيبة على الشعب الفلسطيني ، جعل هذا الشعب أمام عدوين : العدو الإسرائيلي ، وعدو انبثق من صلب هذا الشعب .
كان التنسيق خديعة وقعت منظمة التحرير الفلسطينية في اتفاق أوسلو في فخها حيث قدم لها بصفته حالة مؤقتة لخمس سنوات يتهيأ خلالها الطرفان للحل النهائي ، وما في بال إسرائيل كان شيئا آخر تماما :أرادت منه مساعدتها على خلق حالة أمن لجيشها ومستوطنيها في الضفة وفي غزة وفي الداخل الفلسطيني تنفذ خلالها توسعها الاستيطاني في الضفة وغزة ، وتوصل الأمور إلى فوزها بكل شيء وخسارة الفلسطينيين كل شيء . وفي النهاية لا يحكم الأمور ويوجهها نحو الوجهة المرادة لأي طرف من الأطراف إلا العمل . كانت إسرائيل تعمل كل ما ينفعها وكل ما يضر الفلسطينيين ويسحب الأرض من يدهم . وأدركت المقاومة في غزة جهنمية الخطة الإسرائيلية مبكرا ، ويسجل لحركة الجهاد الفلسطيني أنها وصفت اتفاق أوسلو فور توقيعه بنكبة ثانية للشعب الفلسطيني ، وظلت تتصرف نحوه وفق محددات هذه الصفة الصادقة .
واندفاعا من هذه القناعة حملت السلاح مع حماس لمقاتلة الاحتلال الاستيطاني جيشا ومستوطنين ، ومدت يد مقاومتها إلى الداخل الفلسطيني ، فضربت إسرائيل ضربات موجعة . ومن ثمرات وعي المقاومة لخطورة أوسلو على الشعب الفلسطيني وكارثية التنسيق الأمني عليه ؛ تحرير غزة بقوة السلاح في 12 سبتمبر 2005 ، ولم يكن في نية إسرائيل الانسحاب منه ، وتوكيدا لغياب هذه النية كانت تخطط لوصل مستوطنة كفار داروم شرقي دير البلح بمجمع مستوطنات جوش قطيف غربي القرارة وخانيونس بالاستيلاء على مئات الدونمات من أراضي أسرتي الجعفراوي وأبي هولة . إسرائيل في جملتها وتفصيلها أخذت من اتفاق أوسلو كل ما ينفعها ، وتركت للفلسطينيين كل مساوئه ، وعلى كثرة هذه المساوىء فإنها تنكرت له إلا في التنسيق الأمني ، ولا موجب ” للقيادة الفلسطينية ” للتمسك به بعد هذا التنكر الإسرائيلي المزمن المتطرف .
فلتكن جادة هذه المرة في وقفه ، ولا تنكص مثلما نكصت بعد قرار وقفه الأول في 2019 ، وقرار قفه الثاني في 2020 . في تاريخ أي شعب لحظات يتحتم فيها على قيادته اتخاذ قرارات مصيرية . وجاءت هذه اللحظات مرات كثيرة بعد اتفاق أوسلو ، ولم تتخذ ” القيادة الفلسطينية ” أي قرار بهذه الصفة ، واستغلت إسرائيل هذا الشلل استغلالا يوافق طبيعتها وغاياتها حتى آلت الحال مآلها المأساوي الذي يعصف بالشعب الفلسطيني . لا مفر ل ” القيادة الفلسطينية ” من أن تصرخ في وجه إسرائيل : كفى ! كفى ! وإلا فالشعب الفلسطيني سيصرخ في وجهها هي : كفى ! كفى !
كاتب فلسطيني