نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده إريك شميدت وأدم انتوس ورونين بيرغمان وجون إيسمي وتوماس غيبونز نيف، قالت فيه إن الولايات المتحدة أرسلت مساعدات عسكرية لأوكرانيا من أسلحة خزنتها في إسرائيل، مشيرة إلى أن التحرك الأمريكي أثار في البداية قلق المسؤولين الإسرائيليين الذين خافوا من تأثيره على العلاقات مع روسيا. وقالت الصحيفة إن البنتاغون يعتمد على ترسانة ضخمة غير معروفة قام ببنائها في إسرائيل من أجل مساعدة القوات الأوكرانية التي تحتاج بشكل شديد للقذائف المدفعية في حربها ضد روسيا، وذلك نقلا عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين.
وتوفر الترسانة أسلحة وذخيرة للبنتاغون للاستخدام في نزاعات الشرق الأوسط. وسمحت الولايات المتحدة لإسرائيل باستخدام تلك الترسانة في حالة الطوارئ.
ووصفت الصحيفة الحرب في أوكرانيا بأنها حرب استنزاف بالدبابات يقوم فيها كل طرف بإطلاق وابل من القذائف المدفعية على الطرف الآخر كل يوم. وتعاني أوكرانيا من نقص في الذخيرة المدفعية الصالحة لدباباتها التي تعود للحقبة السوفييتية، وتحولت لاستخدام القنابل المدفعية والمدافع التي قدمتها الدول الغربية لها. وتمثل المدفعية عصب الحرب البرية لكل من أوكرانيا وروسيا، وتعتمد نتيجة الحرب على الطرف الذي تنفد ذخيرته المدفعية أولا، حسبما يقول المحللون العسكريون. ونظرا لانخفاض مستويات المخزون الأمريكي وعدم قدرة الشركات المصنعة للسلاح على ملاحقة التطورات المتسارعة في ساحة المعارك، فقد قرر البنتاغون البحث عن بديلين لإمداد القوات الأوكرانية، الأول في كوريا الجنوبية والثاني في إسرائيل التي لم يكشف في السابق عن استخدام الأسلحة الموجودة فيها لمساعدة أوكرانيا.
حوالي 150 ألف قذيفة مدفعية شُحنت من إسرائيل وصلت إلى أوروبا ومن المفترض أنها ستصل إلى أوكرانيا عبر بولندا
وترى الصحيفة أن شحن القنابل المدفعية من المخزون الأمريكي في البلدين هي قصة عن محدودية القاعدة الصناعية الأمريكية والحساسيات الدبلوماسية لبلدين مهمّين للولايات المتحدة والتزما بعدم إرسال أسلحة قتالية فتاكة لأوكرانيا.
فقد رفضت إسرائيل وبشكل مستمر إرسال أسلحة لأوكرانيا خشية من تدهور علاقاتها مع موسكو، وخافت من الظهور كمتواطئة في تسليح أوكرانيا لو استخدم البنتاغون الأسلحة المخزنة في إسرائيل.
وتقول الصحيفة إن حوالي 150 ألف قذيفة مدفعية شُحنت من إسرائيل وصلت إلى أوروبا ومن المفترض أنها ستصل إلى أوكرانيا عبر بولندا، حسب المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين. ويحضر عدد من المسؤولين العسكريين والدفاعيين من عدة دول للقاء في قاعدة رمستين العسكرية في ألمانيا يوم الجمعة، لمناقشة إرسال دبابات وأسلحة أخرى لأوكرانيا، فيما يعمل المسؤولون الأمريكيون من خلف الستار لتوفير مقذوفات مدفعية كافية لكي يكون لدى كييف ما يكفي من الأسلحة لمواصلة هجماتها ضد الروس، بما في ذلك حملة الربيع العسكرية المتوقعة.
وقال الإستراتيجي العسكري السابق في البيت الأبيض مارك أف كانسيان: “مع جمود جبهة القتال، تحولت المدافع إلى أهم سلاح قتالي”. وفي تحليل نشر الشهر الماضي عن معهد أبحاث السياسة الخارجية جاء فيه أنه مع استمرار تزويد أوكرانيا بالذخائر خاصة المدفعية منها وقطع الغيار، فلديها فرصة لكي تستعيد مناطق كبيرة سيطر عليها الروس، و”السؤال هو إن كانت هذه الميزة كافية لاستعادة القوات الأوكرانية مناطق تحصنت فيها القوات الروسية” حسبما كتب روب لي ومايكل كوفمان في التحليل.
وتقول الصحيفة إن توفير الذخائر المدفعية هو جزء من استراتيجية أمريكية أوسع لتحسين القدرات العسكرية الأوكرانية من خلال توفير الأسلحة الدقيقة والتدريب والدبابات الغربية والعربات العسكرية. وتعهدت الولايات المتحدة حتى هذا الوقت بإرسال مليون قذيفة مدفعية من عيار 155 مليمترا جاء جزء كبير منها من الترسانة الأمريكية الموجودة في إسرائيل وكوريا الجنوبية. وأرسلت دول أوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا وأستونيا وكندا مقذوفات مدفعية من عيار 155 مليمترا. ويطلق الجيش الأوكراني 90 ألف جولة من الضربات المدفعية كل شهر، أي ضعف ما تنتجه المصانع الأمريكية والدول الأوروبية معا.
تعهدت الولايات المتحدة بإرسال مليون قذيفة مدفعية من عيار 155 مليمترا، جاء جزء كبير منها من الترسانة الأمريكية الموجودة في إسرائيل وكوريا الجنوبية.
ويتم تعويض النقص من مصادر أخرى مثل المخزون الأمريكي في إسرائيل أو شرائه من السوق. وقال كوفمان إنه بدون تعديل الوضع لاحتياجات القوات الأوكرانية، فإن هناك حاجة لزيادة الدعم لها حتى تكون قادرة على مواجهة القوات الروسية المتحصنة. وقال كوفمان إن الولايات المتحدة تعوض النقص من الترسانة إلا أن هذا ليس حلا دائما.
وتتأكد الولايات المتحدة وهي تسلح أوكرانيا من عدم هبوط مستوى الذخيرة لها إلى درجة خطيرة، كما وعدت إسرائيل بتجديد الترسانة وإرسال الذخيرة في حالة الطوارئ. وقال البريغادير باتريك رايدر، المتحدث باسم البنتاغون: “نحن واثقون من استمرار دعمنا لأوكرانيا مهما اقتضى الوضع”. وفي بيان يوم الثلاثاء، قال الجنرال رايدر إن البنتاغون لن يناقش مكان وطبيعة الشحنات العسكرية متعللا بالحساسية الأمنية.
وفي العام الماضي عندما طرح الأمريكيون فكرة استخدام الترسانة العسكرية على ظرائهم الإسرائيليين، عبّر هؤلاء عن قلقهم من تأثر علاقتهم مع موسكو. وفرض الإسرائيليون حظرا شبه كامل على تصدير السلاح لأوكرانيا خشية من رد انتقامي روسي عبر إيران أو حزب الله في لبنان. وتعرضت علاقة روسيا مع إسرائيل للتمحيص منذ الغزو الروسي العام الماضي، وانتقد المسؤولون الأوكرانيون إسرائيل لتقديمها مساعدة محدودة. ومع استمرار الحرب، توصل الأمريكيون والإسرائيليون لاتفاق من أجل شحن 300 ألف قذيفة مدفعية لأوكرانيا. وتم بحث عملية النقل في مكالمة هاتفية مشفرة بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، ووزير الدفاع الإسرائيلي في حينه بيني غانتس. وقدم هذا الأمر للحكومة التي طلبت الاستماع لرأي المؤسسة العسكرية، وتمت الموافقة نظرا لأن الأسلحة ملك أمريكي، ولتجنب التوتر مع الولايات المتحدة، ووافق رئيس الوزراء في حينه يائير لبيد على المقترح.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إنهم لم يغيروا من موقفهم بإرسال أسلحة فتاكة إلى أوكرانيا، وأنهم نفذوا مطلبا أمريكيا في استخدام أسلحتهم. وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية: “بناء على طلب أمريكي، تم نقل معدات بعينها لكي تستخدمها وزارة الدفاع الأمريكية من الترسانة” المخزنة في إسرائيل.
وتعود الترسانة العسكرية الأمريكية في إسرائيل إلى حرب عام 1973، حيث بدأت الولايات المتحدة بنقلها عبر جسر جوي بناء على طلب من الجيش الإسرائيلي. وبعد الحرب أنشأت الولايات المتحدة مخازن يمكنها الاعتماد عليها في حالة الضرورة، وتم توقيع مذكرة تفاهم بين البلدين في الثمانينات من القرن الماضي.
تعود الترسانة العسكرية الأمريكية في إسرائيل إلى حرب عام 1973، حيث بدأت الولايات المتحدة بنقلها عبر جسر جوي بناء على طلب من الجيش الإسرائيلي. وبعد الحرب أنشأت الولايات المتحدة مخازن يمكنها الاعتماد عليها في حالة الضرورة
ونُقلت الدبابات الأمريكية وعربات نقل الجنود إلى الصحراء في جنوب إسرائيل لاستخدامها إذا اقتضت الحاجة. وفي بداية العقد الأول من القرن الحالي، تم توسيع البرنامج لكي يشمل ذخيرة لاستخدام البحرية الأمريكية وسلاح الجو، وكلها خزنت في أماكن لا يصل إليها سوى الأمريكيين، حسب مفتش عسكري أمريكي سابق. وأُطلق على الترسانة في كل الأوقات: “المخزون الاحتياطي العسكري للحلفاء- إسرائيل” أو “ورسا-أي” وأشرفت عليه القيادة المركزية الأمريكية في أوروبا.
وسُمح لإسرائيل بسحب أسلحة من الترسانة أثناء حربها مع حزب الله عام 2006 ومرة ثانية في حربها مع حماس بغزة عام 2014، وذلك حسب تقرير أبحاث الكونغرس. في العام الماضي، تحدثت أمريكا مع كوريا الجنوبية لنقل الذخيرة الأمريكية إلى أوكرانيا. وكانت كوريا مستعدة للتعاون مع الأمريكيين أكثر من إسرائيل، لكنها اعترضت على استخدام الأسلحة ونقلها تحت علامة “جمهورية كوريا الجنوبية” لأسباب خاصة تتعلق بعدم خرق قواعد تصدير السلاح التي تعمل بها.
ووافقت أمريكا، حيث استخدمتها لتجديد ترسانتها في أماكن أخرى قبل إرسالها لأوكرانيا. ووافقت واشنطن على شراء 100 ألف قذيفة من كوريا الجنوبية، كما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”سابقا. كما تساعد الولايات المتحدة الأوكرانيين في تحسين قدراتهم القتالية. ففي الصيف، جمعت الأقمار الصناعية الأمريكية صورا عن الدمار الذي أحدثه القصف المدفعي الأوكراني على مناطق في دونباس، كما زودت أوكرانيا بصواريخ هيمارس.