نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا مشتركا لأرون ديفيد ميلر الزميل البارز في وقفية كارنيغي وستيفن سايمون من مركز الدراسات الدولية في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا حول السياسة الخارجية لإدارة بايدن في ظل التطورات الأخيرة في إسرائيل، وأشارا إلى أن مشاكل بايدن ستزداد في الشرق الأوسط. وقالا إن جو بايدن كان محظوظا في العامين الأولين من عمر إدارته لتجنب التورط في الشرق الأوسط، وهو المكان الذي عادة ما تموت فيه الأفكار الأمريكية، أيا كانت جيدة أم سيئة.
وسيجد الرئيس بايدن صعوبة في تجنب الشرق الأوسط عام 2023، فرغم اهتمامه بالحرب في أوكرانيا ومواجهة صعود الصين، إلا أنه سيجد نفسه أمام عدة مشاكل من دول إقليمية صغيرة حريصة على توسيع مصالحها الخاصة وغير مستعدة لاتباع القواعد الأمريكية. ففي الشرق الأوسط خمس دول في حالة من الخلل الوظيفي -سوريا، العراق، ليبيا، اليمن ولبنان- وسيظل العالم العربي مصدرا لعدم الاستقرار باستثناء الدول الغنية في منطقة الخليج وبخاصة السعودية والإمارات اللتين تتصرفان باستقلالية عن الولايات المتحدة وفي الوقت نفسه تصران على دعم واشنطن لهما.
إلا أن إيران وإسرائيل، الأولى عدوة أمريكا والثانية حليفة لها، هما من ستقومان بتحديد الأجندة للعامين القادمين، وتداعيات هذا لا تدعو على التفاؤل. وبوصول بنيامين نتنياهو إلى السلطة، فستواجه إدارة بايدن أكثر الحكومات تطرفا في إسرائيل، واحدة ستكون مصدر توتر إن لم يكن انفجارا بشأن القضية الفلسطينية وإيران.
إيران وإسرائيل، الأولى عدوة أمريكا والثانية حليفة لها، هما من ستقومان بتحديد الأجندة للعامين القادمين
ولو صدقت خطاب الوزراء المتطرفين في الحكومة -ولا يوجد سبب يدعوك لعدم التصديق- فهذا التحالف مصمم على تغيير الشكل الديمقراطي لإسرائيل وتحويل المجتمع الإسرائيلي وبذر التوتر مع المواطنين العرب ووضع شاهدة قبر على آمال الدولة الفلسطينية وضم معظم الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وسيعتمد الوضع في الضفة الغربية على قدرة نتنياهو على التحكم بشركائه الذين يريدهم كي يمرروا تشريعات تلغي كل التهم الموجهة إليه. وربما لم يكن نتنياهو متطرفا على درجة البقية في ائتلافه وربما فكر في توسيع قاعدة الحكومة في مرحلة ما، ولكن المشاكل القانونية تمثل له تهديدا وجوديا، وبدون مخرج قانوني، فسينتهي في السجن لو أدين أو بمقايضة تعني خروجه من السياسة.
وفي المرحلة الحالية لا يستطيع توجيه المتطرفين لكن عليه إدارتهم. وسيحاول نتنياهو عمل جهده لتهدئة أو حرف انتباههم عن تنفيذ السياسات الشنيعة، لكن من الصعب رؤية الكيفية التي سيسطر عليهم فيها بالمطلق. ومن المؤكد أن تزيد الإقطاعيات التي حددها الوزراء في حكومته من التوتر مع العرب في داخل إسرائيل وفلسطينيي الضفة والقدس الشرقية.
وأصبح إيتمار بن غفير وزيرا للأمن الوطني، المنصب الذي أنشئ له خصيصا، وبنى حملته الانتخابية على شيطنة المواطنين العرب وستكون لديه السلطة الكاملة على شرطة الحدود وألفي جندي إضافي أخذوا من قوات الجيش والشرطة الوطنية الإسرائيلية، وستكون لديه اليد الحرة لوضع قواعد الاشتباك والأساليب المسموح بها وبخاصة في المدن المختلطة بين العرب واليهود. وسيكون قادرا على توجيه القوات من الضفة الغربية إلى النقب والجليل بشكل يعطيه الصلاحية لاستخدام سلطة إكراه غير مسبوقة داخل الخط الأخضر، بل ومحو حدود الصلاحيات وخلق “وحدة صلاحياتية” بين المناطق لفرض القانون الإسرائيلي.
وبالمقابل فسيملك بتسائليل سموتريتش، الأخطر من بين المتطرفين في حكومة نتنياهو سلطة كاملة لإدارة حياة السكان في مناطق جيم (60% من أراضي الضفة الغربية) وأكثر من 400.000 مستوطن و280.000 فلسطيني وبصلاحيات كاملة تتعلق بالبنى التحتية والتخطيط والبناء والطاقة وتوفير الطاقة الكهربائية وحماية البيئة. ويهدف سموتريتش لتخفيف تأثير وزارة الدفاع والعمل على تطبيق القانون المدني في هذه المناطق، بشكل يسرع من عمليات الضم. وأي استفزاز سيعطي الجماعات الفلسطينية الفرصة لاستغلالها، في وقت فقدت فيه السلطة الوطنية القدرة، وربما الإرادة، للمساعدة في التحكم بها.
وسيساعد هذا المتطرفين في الطرفين على الدخول في حالة من العنف والإرهاب. وسيجد بايدن نفسه عاجلا أم آجلا يواجه الانفجار. وحسب التطورات، سيجد نفسه أمام مجلس الأمن يدافع عن أو ينتقد إسرائيل. ولن يكون هذا في مصلحة بايدن الذي يريد تجنب الوقوع بين الجمهوريين الذين يريدون منه دعم إسرائيل أو التيار المتقدم في الحزب الديمقراطي الذي يريد نقدها. وسيحاول الحلفاء في أوروبا وأفراد اتفاقية إبراهيم الضغط عليه للحد من تصرفات نتنياهو، في ظل غمامة من العنف.
وكما شاهدنا في أيار/مايو 2021 انتهزت حماس فرصة الاضطرابات في القدس وتسببت في حرب استمرت أسبوعين بشكل اقتضى من بايدن التدخل شخصيا مع إسرائيل ومصر بهدف التوصل لوقف إطلاق النار. وأدى النزاع لمقتل 256 فلسطينيا بمن فيهم 67 طفلا و13 إسرائيليا من بينهم طفلان. والنزاع المقبل سيكون أسوأ.
ولو كانت عودة نتنياهو تنذر بزيادة التوترات على الجبهة الفلسطينية فقد تعمل على زيادة الحاجة للنظر في الملف النووي الإيراني. وجعل نتنياهو موضوع إيران علامة سياسته، ويبدو أنه في مهمة. وقال في كانون الأول/ديسمبر 2022 “عدت إلى المنصب لسبب واحد” هو “عمل كل ما باستطاعتي لمنع إيران من امتلاك القنبلة النووية”، والظروف الآن باتت مناسبة لوجهة نظر نتنياهو حول التحدي الإيراني أكثر من أي وقت مضى.
وباتت فرصة العودة للاتفاقية النووية ضئيلة، حيث اعترف بايدن الشهر الماضي أن الاتفاقية ميتة، مع أنه امتنع عن التعبير صراحة. وزاد القمع للمتظاهرين في احتجاجات مضى عليها أربعة أشهر وتزويد طهران المسيرات لروسيا في حرب أوكرانيا- من النوايا السيئة ضد طهران في واشنطن.
ومن المستبعد عقد اتفاقية مع إيران والتي تعني تخفيف العقوبات في وقت تقتل فيه مواطنيها وتدعم روسيا في أوكرانيا. وباتت إسرائيل متوترة من زيادة الترسانة النووية الإيرانية التي ساعدت في زيادتها من خلال ضغطها على الرئيس السابق دونالد ترامب للخروج من الاتفاقية النووية. وزار وزير الدفاع بيني غانتس ومستشار الأمن القومي إيال حالوتا ومدير الموساد ديفيد بارنيا واشنطن في الصيف الماضي لحث إدارة بايدن التخطيط للخطة القادمة وتحسين التعاون الثنائي والقيام بمناورات مشتركة.
وفي 25 تشرين الأول/أكتوبر 2022 قام مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بتحديث الخطط العسكرية الأمريكية واقترح مناورات مشتركة. وقال غانتس وهو يحضر لمغادرة الوزارة بعد تشكيل الحكومة الجديدة إن الحاجة لمنع إيران من امتلاك القدرات النووية أمر يتفق عليه كل الإسرائيليين بعيدا عن ولاءاتهم السياسية. وفي خطاب أمام طياري سلاح الجو الإسرائيلي قال إن الهجوم على إيران هو مستقبلهم. وتجنب المسؤولون الأمريكيون التكهن ولكن الخبراء لم يجادلوا في التسريبات الإسرائيلية حول نوع من التحضيرات لضرب إيران.
والسؤال هو أي نوع من الهجمات؟ فقط الولايات المتحدة هي المؤهلة للقيام بضربات على المواقع النووية الإيرانية بدون وضع قوات على الأرض. ولدى أمريكا فقط الطيران القادر على القيام بما يطلق عليها غارات خارقة للتحصينات الأرضية، فمن القواعد العسكرية في دول الخليج والبوارج الحربية في البحر تستطيع أمريكا تنفيذ هجمات متواصلة وربما تدمير مراكز القيادة والتحكم وضرب الأهداف المحددة والعودة لتقييم الضرر والعودة بشكل مستمر حتى لا يتبقى أي شيء سوى الأنقاض. وخطط كهذه طورت أثناء إدارة باراك أوباما وهي متقدمة جدا.
وربما أسهمت إسرائيل في العملية من خلال شن هجمات أرضية بالصواريخ أو من غواصاتها ومساعدة أمريكا في الغارات الجوية وتوفير المعلومات الاستخباراتية والقيام بعمليات تخريب واغتيالات قد تعرقل الرد الإيراني.
والعالم اليوم يواجه إيران بحوافز قوية لتخصيب اليورانيوم وسمعة دولية تخفض من الكلفة الدبلوماسية للتحرك. وكعدو إقليمي، أعلنت إسرائيل نيتها استخدام القوة وإظهار الإجماع الوطني لاستخدامها، إلى جانب إدارة أمريكية التي رغم علاقاتها المتوترة مع إسرائيل لم تخف دعمها لعملية مشتركة ضد إيران، مع جيش أمريكي لديه القدرة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية. وهذه التطورات تفعل أكثر من مجرد الإيحاء بأن الولايات المتحدة تدخل مرحلة جديدة محفوفة بالمخاطر. بالطبع علينا الكشف عما هو حقيقي من هذا وما هو عرض مسرحي، فالدعم الأمريكي لإسرائيل قد يكون محاولة للطمأنة وتأكيدا لها أنها لا تستطيع النجاح بنفسها.
وربما كان الحديث عن العملية العسكرية المحتومة محاولة أمريكية وإسرائيلية لإقناع إيران العودة للاتفاقية النووية. وببساطة فعلى بايدن عدم توقع أخبار جيدة من الشرق الأوسط في العام المقبل أو ما بعده، فقدرة واشنطن على تشكيل الأحداث المتعلقة بالتحديين محدودة علاوة على السيطرة عليها، أي منع انفجار بين الإسرائيليين والفلسطينيين والحد من نشاطات إيران النووية. فحظوظ بايدن تتحول من سيئ إلى أسوأ، وربما تدخل الحظ وانهار النظام الإيراني أو نجح نتنياهو بتقييد المتطرفين واستطاع توجيه وزرائه نحو سياسات أكثر مركزية. ويعذر الواحد لو فكر أن أمريكا تنحرف بدون هدف أو رؤية إزاء القضية الفلسطينية وإيران.