قرار الأمم المتحدة الأخير الذي يطالب "محكمة العدل الدولية بإبداء الرأي بشأن التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية"، مهم في مضمونه وتوقيته، وهو إنجاز للقضية الفلسطينية في اللحظة التي تولت فيها الفاشية في إسرائيل، بشكل علني، الحكم وتحويل شعاراتها العنصرية إلى برنامج "دولة". وستكون أي محاولة للتقليل من شأن هذا القرار قراءة قاصرة قادمة من بلاغة عدمية لا تستوعب التحولات التي يشهدها العالم، قراءة محبوسة في قصر النظر والحسابات الصغيرة.
هذا، أيضا، ليس انتصارا للديبلوماسية الفلسطينية، ولا ينبغي إضافته إلى لائحة إنجازاتها، ومحاولاتها، التي تحولت إلى سياسة، في تغطية الثغرات الكثيرة في عملها سواء عبر مراسيم التعيينات أو عثرات الأداء، والافتقار إلى الكفاءة والتخطيط في الكثير من المواقع.
تمرير القرار الأممي هو جزء من تأثير الموضوع الفلسطيني، ومنجز الملف الذي راكمته منظمة التحرير الفلسطينية في سنوات الصعود وما زال يعمل بقوة الاندفاع الأولى، قبل أن تنزوي ويتراكم الغبار في مؤسساتها وتصبح بقدمين من القصب.
القرار، أيضا، هو جزء من الاحتياطي الذي يكاد ينفد لمكتسبات وحضور المنظمة في ذاكرة العالم، الاحتياطي الذي لم يحسن الجيل الجديد من الديبلوماسية استثماره والبناء عليه ومضاعفته وتطوير خطابه وأدواته.
ولا يجوز استغلاله لتحويله إلى غطاء في مواجهة الملاحظات الكثيرة التي تلاحق طريقة إدارة الديبلوماسية الفلسطينية، وأدائها القاصر عن مواكبة الواقع المتشكل في العالم.
لقد تم تمرير القرار، وهذا دون شك إنجاز مهم للقضية الفلسطينية، ولكن وقبل الاستغراق في السعادة من الضروري إعادة تقييم نتائج التصويت، ومن الضروري محاولة فهم التراجع الكبير الذي أظهرته الأرقام.
حصل القرار على دعم 87 دولة (في تصويت اللجنة الرابعة الشهر الماضي 98)، بخسارة 11 صوتا.
اعتراض 26 (الشهر الماضي 17)، بخسارة تسعة أصوات.
امتناع 53 (الشهر الماضي 52)، بخسارة صوت واحد.
خسرت فلسطين 20 صوتا في شهر واحد، كل صوت يمثل دولة!
هذا تراجع كبير يكاد يكون فشلا ينبغي التوقف أمامه بجدية، وتشغيل كل الأضواء الحمراء، هو في مستوى آخر نوع من تراجع حضور فلسطين في ذاكرة العالم، وهو ما يتطلب، كبداية، إعادة النظر في أداء الفريق الفلسطيني، وتقييم خطة العمل في حال توفرها، وإعادة قراءة الخارطة على ضوء التراجع، وليس الاسترخاء في منجز يعتمد على ذاكرة العالم، منجز تلقائي يتآكل في كل مرة.