وصفت التحريات الأولية جريمة الفرنسي، الذي قتل ثلاثة من الأكراد بالدائرة العاشرة في قلب باريس، بأنها عنصرية وليست إرهابية، وأوضحت أن التحقيقات المستمرة ستحسم التكييف النهائي للقضية، وما إن كانت المؤشرات الأولى تقول إنها ستُعتبر جريمة عنصرية.
والمعروف أن القانون الفرنسي يعتبر الجريمة الإرهابية هي التي تنبع من أيديولوجيا سياسية تؤمن بالإرهاب، وليس من مشاعر غضب عنصري حتى لو مارست العنف والقتل، وهو أمر أثار جدلاً واسعاً داخل فرنسا حين تم النظر إلى الجريمة الأخيرة على أنها عنصرية.
وكان رجل فرنسي أبيض، يبلغ من العمر 69 عاماً، وهو سائق قطار متقاعد، قد "استهدف بوضوح أجانب"، كما قال وزير الداخلية الفرنسي دارمانان، مضيفاً: إنه ليس مؤكَّداً إن كان قد حاول قتل الأكراد على وجه الخصوص.
واللافت أن الرجل اتُّهم في هذا الوقت نفسه من العام الماضي بطعن مهاجرين اثنين بسكين في مخيم بالعاصمة الفرنسية، ولديه عدة أسلحة مسجلة، ولا يزال التحقيق جارياً لمعرفة دوافع ارتكابه جريمته الأخيرة، وما إذا كانت هناك صلات للمتهم بنشطاء من اليمين المتطرف.
وقد اعترف الرجل بأنه يكنّ "كراهية للأجانب، وأصبحت حالته مرضية تماماً"، وهو ما أدى إلى نقله، بناء على تقرير طبي، من مركز الاحتجاز في مقر الشرطة إلى عيادة الطب النفسي في المقر نفسه، وفي انتظار عرضه على قاضي تحقيق عندما تسمح حالته الصحية بذلك.
ووصف المتهم نفسه بأنه "مكتئب"، و"يميل إلى الانتحار"، موضحاً أنه "كان يرغب دائماً في قتل مهاجرين وأجانب"، منذ أن تعرض منزله لسطو في 2016.
والحقيقة أن جرائم العنصرية في الغرب غالبيتها تنبع من أيديولوجيا سياسية، وبعضها يحض مباشرة على العنف، ما يعني صعوبة عدم تكييفها بأنها إرهابية. صحيح أن الخطاب العنصري والمتطرف "يعيد ويزيد" في التركيز على خطر المهاجرين، خاصة العرب والمسلمين، دون أن يطالب بقتلهم كما يفعل الدواعش مثلاً، إلا أنه يهيّئ مَن يقرأ هذه الكتابات لممارسة العنف، مثلما فعل القاتل الإرهابي في نيوزيلندا منذ ثلاث سنوات حين قتل عشرات المصلين الآمنين في أحد المساجد، وقال إنه تبنى ما جاء في كتاب "الاستبدال الكبير"، الذي كتبه باحث فرنسي، هو رونو كامو، الذي تبنى أطروحته كثير من قوى اليمين المتطرف في أوروبا وأميركا، وتقوم ببساطة على أن هجرة المسلمين وتزايد أعدادهم في أوروبا ستؤدي إلى إحلالهم مكان الشعوب الأوروبية.
إن النظر إلى أي عربي باعتباره إرهابيّاً محتملاً ووجود حملات كراهية وتحريض على الإسلام والمسلمين، بجانب شعور جانب من أبناء الجاليات العربية في أوروبا بالتهميش والاستهداف وتصوير أخطاء البعض على أنها أخطاء الجميع، كل ذلك جعل هناك أيديولوجيا سياسية معادية للأجانب، وحتى لو لم تقل مباشرة بقتلهم، إنما هي تخلق بيئة مواتية لارتكاب هذه الجرائم.