نيويورك تايمز: حكومة إسرائيلية بقيادة متطرفين ستقود للفوضى الكبرى

الجمعة 16 ديسمبر 2022 08:25 م / بتوقيت القدس +2GMT
نيويورك تايمز: حكومة إسرائيلية بقيادة متطرفين ستقود للفوضى الكبرى



واشنطن/سما/

تحدث المعلق في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس أل فريدمان في مقالة طويلة عن زيارة استمرت أسبوعا لإسرائيل والضفة الغربية وتركته بشعور أن حل الدولتين قد انتهى مع أن أحدا لم يعلن عن وفاته ودفنه، ذلك أن الإعلان الرسمي عن الوفاة سيترك تداعيات واسعة.

ولهذا يتظاهر الدبلوماسيون والمنظمات الليبرالية اليهودية أنه لا يزال ينبض وإن بضعف. و”أنا كذلك، ولكننا جميعا نعرف أن حل الدولتين ليس في المستشفى ولكن في نزل المرضى الذين لا يرجى شفاؤهم، ولن تنقذه سوى معجزة”. ولا تعني وفاة حل الدولتين أن حل الدولة الواحدة الذي ستسيطر فيه إسرائيل على الضفة الغربية والقدس الشرقية سيكون الحل القائم فعليا. “لا، لن يكون. وكلما راقبت الطريقة التي يعيش فيها اليهود والعرب ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط، تتوصل إلى ثلاث حقائق”.

وستلاحظ وجود مجتمعات سكانية ومتنوعة، رغم العداء المتبادل وتعيش بتواز منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993. وهذا بسبب القمع الأمني الإسرائيلي والتنسيق الأمني الفلسطيني والنمو الاقتصادي والتنازلات البراغماتية وضبط النفس من الجانبين. وستكتشف أن التطورات الديمغرافية والتكنولوجية والسياسية والتغيرات الاجتماعية قد وصلت إلى نقطة التحول والتي تؤكد التوازن بين اليهود واليهود واليهود والعرب في إسرائيل واليهود والفلسطينيين والفلسطينيين والفلسطينيين، وهي الأمور التي حافظت على استقرار المكان.

ويعني بكل هذا نهاية حل الدولتين ومنظور العملية السلمية وتوسع المستوطنات في الضفة الغربية وفساد وانهيار السلطة الوطنية وانتشار تيك توك ومظاهر التواصل الاجتماعي الأخرى. وقتل أكثر من 150 فلسطينيا و20 إسرائيليا في العام الماضي، حسب منظمة بتسيلم الإسرائيلية. لكنه في رحلته الأخيرة كان يسمع كل يوم عن مقتل فلسطيني على يد القوات الإسرائيلية أو هجمات فردية فلسطينية ضد الإسرائيليين، وتنعكس على منصات التواصل الاجتماعي لعدد من الدقائق لتأكيد ما يقال عن الكراهية والغضب.

 وكل هذا قبل فوز بنيامين نتنياهو بهامش ضيق، وسيكون تحالفه الأكثر تطرفا في تاريخ البلد والعلاقات الأطلنطية مع أمريكا، وكل تحالف يحمل علامة متطرف قبل اسمه ليس جيدا للمكان. كل هذا يقود للدفع باتجاه ضبط النفس من كل الأطراف، وهذا يعني أن سيطرة إسرائيل على المنطقة بما فيها من فسيفساء التجمعات الاستيطانية والفلسطينيين في الضفة ربما قاد إلى حل دولة واحدة منسجمة، لكن هذا ليس في عرف نتنياهو وتحالفه، الذي سيدفن حل الدولة في نفس القبر مع حل الدولتين. كل هذا لن يقود إلا لحل واحد وهو الفوضى، مما سيحول إسرائيل إلى ساحة عدم استقرار وليس واحة استقرار، ومصدر للفوضى المثير لقلق الحكومة الأمريكية.

والسبب كما يقول هو أن شركاء نتنياهو الجدد يقفون ضد فكرة ضبط النفس. فأكبر شركاء في الحكومة المقبلة: نتنياهو وأريه درعي وبتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، إما وجهت لهم التهم أو أدينوا أو قضوا فترات في السجن بتهم فساد أو تحريض أو عنصرية، فهؤلاء أشخاص لا يعرف عنهم توقفهم عند الإشارة الحمراء.

وأكثر من هذا فسيعين نتنياهو بن غفير زعيم القوة اليهودية وزيرا للأمن الوطني بصلاحيات على الشرطة ووكالات الأمن الأخرى بما فيها حرس الحدود التي تنتشر في الضفة. وسيتمكن والحالة هذه من تحويل قوات الأمن لسلاح ضد الفلسطينيين والفلسطينيين داخل إسرائيل. وسيعطي نتنياهو سموتريتش حقيبة في المالية والدفاع تعطيه صلاحية الإشراف على الإدارة المدنية في الضفة الغربية وزيادة توسيع المستوطنات. وكل من بن غفير وسموتريتش من الداعين لوجود يهودي في الحرم الشريف وحرضا على عنف واجهته الشرطة التي سيتولى بن غفير قيادتها.

ويخبر نتنياهو المسؤولين الأمريكيين واليهود في أمريكا والحلفاء العرب أن شخصيته الجذابة وذكاءه وسيطرته على السلطة ستكون ضمانا لعدم جر شركاء إسرائيل نحو الهاوية، “حتى لو وضع ثعالب للحفاظ على بيت الدجاج وتوزيعه أعواد الثقاب والكاز على مجانين الحرائق”. ويرى الكاتب أن الفضاء السياسي المعقد في إسرائيل يحتاج إلى زعيم براغماتي وحكومة منضبطة ولكنه يحصل على العكس.

وأشار إلى محطته الأولى في الخليل التي يعيش في قلبها عدد من اليهود المتطرفين، وشاهد مواجهة بين المتطرفين وإسرائيليين جاءوا إلى المدينة للتضامن مع الفلسطينيين، وكيف تم تصوير جندي وهو يضرب ناشطا إسرائيليا ويهدده بالقول “بن غفير قادم وسيرتب الوضع، هذا هو الأمر، لقد خسرتم ووقت المزاح ذهب”. وكان الجندي يرتدي شارة مخملية مثبتة على الجزء الخلفي من السترة “رصاصة واحدة، قتل واحد، لا ندم، أنا أقرر”. وشارات غير تلك التي لا يحملها الشعار العسكري ممنوعة. وسجن الجندي الذي هدد الناشط عشرة أيام في سجن عسكري وقال رئيس هيئة الأركان الجنرال أفيف كوخافي إن الجندي تصرف ضد قيم الجيش الإسرائيلي. وهو ما قاد بن غفير لانتقاد الجيش لأنه أرسل رسالة ضارة للجنود و”يجب علينا عدم السماح للفوضويين الذين يشهرون بنا بشكل دائم بالنصر”. ورد كوخافي في بيان “لن نسمح للساسة من اليمين أو اليسار بالتدخل في قرارات القيادة أو استخدام الجيش لخدمة أجندة سياسية”.

ووسط كل هذا قام ابن نتنياهو يائير بنشر تغريدة تدعو كوخافي لوضع “رسالة العار” التي هاجم فيها الحكومة في “مؤخرته”. وظل نتنياهو الأب صامتا لعدة أيام قبل أن يعلن عن دعمه للجيش.

وطاف فريدمان مع ممثل المستوطنين الذي يطلق عليه “ممثل المجتمع اليهودي في الخليل” والذي عبر عن فرحته بعودة المتطرفين بعد الحكومة الضعيفة “إسرائيل التي نعرفها قد عادت”، ولا يعرف كيف ستكون العلاقات بين بن غفير والجيش والشرطة الإسرائيلية والناشطين اليهود والفلسطينيين.

 ثم يقدم صورة أخرى عن الفلسطينيين في داخل إسرائيل، ويقول بأنهم يمثلون 21% من سكانها، ونسبة 20% من أطبائها و25% من ممرضيها ونصف صيادلتها، ونسبة 20% من التخنيون، المعهد التكنولوجي. وقال إن تعيين سمير الحاج يحيى، الحاصل على دكتوراه من معهد أم أي تي الأمريكي وشهادات في القانون والاقتصاد من الجامعة العبرية كمدير لبنك ليؤومي يعطي صورة عن ديمقراطية إسرائيل. لكن هذه صورة واحدة، فكلما ارتفعت مستويات العرب من الطبقة الوسطى إلى العليا وتركوا بلداتهم العربية إلى الأحياء في تل أبيب وهرتسيليا حيث التعليم والمدارس أفضل، كلما زاد التوتر مع التقاء المجتمعين.

ونقل عن ثابت أبو راس مدير المبادرات الإبراهيمية قوله إن الفلسطينيين في إسرائيل مندمجون أكثر ويعملون أكثر ويسهمون أكثر ويطالبون بالكثير. وفي كل مكان هناك نقاط تلاق قد تصبح نقاط تفجر أو تنوع. ويقول إن العنف في أيار/مايو 2021 والذي هاجم فيه اليهود والعرب بعضهم البعض في الأحياء المختلطة، مثل اللد وعكا وتم سحل سائق عربي وحرق معبد، كان سببا لتحول الكثير من اليهود من يمين- الوسط للجماعات المتطرفة التي يقودها أمثال بن غفير. وحسب زملاء أبو راس فإن الهوية المزدوجة باتت واضحة “أنا فلسطيني وإسرائيلي وهذا بلدي”، ولعل الاندماج العربي هو الدافع الأكبر للحركات الشوفينية التي يمثلها بن غفير.

وكانت حملته الانتخابية قوية لدفع الجماعات المتطرفة إلى جانبه. وكتب إلى جانب صورته عبارة “من هم الأسياد هنا؟”. وبات السؤال ملحا أكبر في إسرائيل فلو أخذت إسرائيل والضفة الغربية وغزة فنسبة اليهود الذين يعيشون غرب نهر الأردن هي أقل من 47%، كما نشرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في آب/أغسطس. ونقلت عن باحث سكاني قوله إن هناك مخاطر من تحول اليهود لأقلية حاكمة.

وبسبب رفض المتطرفين اليهود مشاركة العرب في الحكم أو الفلسطينيين في الضفة الغربية، فلن يكون حل الدولة مستقرا بل حل الفوضى الكبرى. لكن بن غفير وسموتريتش يواجهان معوقات لفرض أجندتهما المتطرفة والدينية الأرثوذكسية على كامل سكان إسرائيل بمن فيهم الفلسطينيون، وهي المحاكم والمؤسسات القانونية، وهذا هو سبب تحالفهما مع نتنياهو الراغب بإلغاء التهم الموجهة له بالفساد. وسيتم عرض قرار في الكنيست يسمح لأقلية بسيطة إلغاء قرار المحاكم، بشكل يمنح الفرع التنفيذي قوة فوق السلطة القضائية. وقال آبي فوكسمان، الذي كان رئيسا لمكافحة التشهير في أمريكا “لو لم تعد إسرائيل ديمقراطية مفتوحة فلن أستطيع دعمها”، مضيفا “لو أصبحت إسرائيل دولة أصولية دينية ودولة قومية دينية فإنها ستقطع نفسها عن نسبة 70% من يهود العالم”.

وإلى جانب الوضع المعقد تقف الحقيقة المؤسفة أن كل عربي إسرائيلي يندمج يترك خلفه آخر مهملا، كما هو حال القرى البدوية في الجنوب. فقد أهملت إسرائيل التخطيط المدني والإسكاني في التجمعات العربية، ولم تبن ولا مدينة عربية مقارنة مع التجمعات اليهودية التي بنيت بالمقابل، كما أهملت الشرطة أمن المجتمعات العربية تاركة الأمر بذريعة أن “عربا يقتلون عربا” في جرائم شرف وخلافات أخرى. ونتيجة لذلك توفر السلاح المهرب من الأردن في القرى البدوية وانتشرت العصابات التي تبتز السكان.

ولدى العرب الذين يأتون في آخر مرتبة التعليم رفاق، من اليهود الأرثوذكس الفقراء وغير القادرين على المساهمة في تطوير الاقتصاد الإسرائيلي. وهذا بسبب حظر الحاخامات عليهم دراسة الرياضيات واللغة والعلوم، فقط علوم التوراة. وقال دان بن ديفيد، الاقتصادي ورئيس معهد شورش للأبحاث الاقتصادية الاجتماعية إن نصف إسرائيل من الفقراء العرب واليهود الأرثوذكس غير القادرين على دفع الضريبة. فنسبة 90% من الضريبة التي جمعتها إسرائيل عام 2017 جاءت من نسبة 20% من السكان العلمانيين. ومن أجل الحصول على دعم الأرثوذكس والمتشددين وافق نتنياهو على دعمهم حتى لو لم يدرسوا الرياضيات أو الإنكليزية في مدارسهم.

وبعبارة وجيزة فستقوم نسبة كبيرة غير منتجة بفرض ما تريده على القسم المنتج في إسرائيل، وهو ما تعنيه حكومة نتنياهو. النقطة الأخيرة تتعلق بالضفة الغربية والفلسطينيين. واحد من الأسباب التي جعلت الإسرائيليين ينسون الضفة الغربية بثلاثة ملايين فلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، هو أنها تحت سيطرة السلطة الوطنية التي تدعمها الدول المانحة وضرائب الفلسطينيين، وبسبب تعاون القوى الأمنية الفلسطينية مع القوات الإسرائيلية، للحد من الهجمات ضد المستوطنين اليهود وداخل إسرائيل. ولكنها باتت تنهار، فقد احتفل عباس بعيد ميلاده الـ87، وينتشر فيها الفساد، وفي الفترة الأخيرة بات عدد من عناصر القوى الأمنية يتخلون عن زيهم العسكري وينضمون لحركات المقاومة. ونتيجة لذلك لم تعد إسرائيل قادرة على التحكم بالأمن في الضفة بكلفة قليلة.

ففي كل ليلة تقريبا تخوض القوات مواجهات أثناء مداهمتها جنين ونابلس للقبض على أشخاص تزعم أنهم يخططون لهجمات ضد اليهود. وتباع الأسلحة المهربة من الأردن ولبنان ومصر أو بعد سرقتها من القواعد العسكرية الإسرائيلية في السوق السوداء، وهي متوفرة في كل مكان. وأخبر رجل أعمال فلسطيني في رام الله الكاتب “يمكنني شراء مسدس لك الآن وأكثر من توفير سباك أو إصلاح شيء”. وقال خبير الاستطلاعات خليل الشقاقي إن المجتمع الفلسطيني مر خلال السنوات الخمس الماضية بتحولات جذرية، وبخاصة في الجيل ما بين 15- 25 عاما ولم ير مثلها من قبل. وهم مختلفون عن آبائهم أو أجدادهم ولا يثقون بالسلطة الوطنية التي يرونها عميلة و”يعتقدون أن الشيء الوحيد الذي تفهمه إسرائيل هو القوة”.

والجيل الجديد ليس متدينا، ويعيش على وسائل التواصل الاجتماعي. ويتبادلون فيديوهات للجيش الإسرائيلي وهو يرتكب الفظائع ضد الفلسطينيين، ويشعرون بالغضب لثوان ثم يخرجون فرادى أو جماعات للقيام بضربات ضد إسرائيل. ويقومون بتسجيل أعمالهم مقدما على الفيديو. ومقابل هذه الموجة، هناك واحدة مضادة وهي الفلسطينيون الذين يعملون في إسرائيل وتعتمد حياتهم على العمل هناك، وذكرت تقارير أن عمالا في غزة يدرسون العبرية للعمل.

ونقل عن مستشار فلسطيني في رام الله قوله إن الشباب الفلسطيني يواجه كل يوم عنفا من الإسرائيليين مما يقوده للتفكير أن إسرائيل أخذت كل شيء فماذا بقي لها. وهناك عدد من الفلسطينيين يتطلعون أكثر لحياة مثل إخوانهم الفلسطينيين في داخل إسرائيل وليس البقاء في وضع فاشل.

ويعلق الكاتب أنه لم يزر إسرائيل منذ عام 2019 حيث دهش من كثرة البنايات العالية في تل أبيب وحجم الازدهار، إلا أن الحفاظ على هذا غير متاح وإسرائيل تتحول نحو اليمين المتطرف الذي يتحدث عن “أسياد الأرض” وهي بحاجة إلى مجتمع متنوع للجميع.