قال المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” إيشان ثارور إن العرب في كأس العالم بقطر حشدوا صفوفهم وراء القضية الفلسطينية.
وأشار إلى أنه بعد انتصار المنتخب المغربي على إسبانيا، وقف أعضاء الفريق لأخذ صورة جماعية حاملين علما، لم يكن علم بلادهم بالنجمة الخضراء على الراية القرمزية، ولم يكن علم الجزائر أو تونس أو لبنان، وكلها كانت تخفق تعبيرا عن التضامن العربي الذي هيمن خلال مباريات كأس العالم، وهي الأولى في بلد عربي.
وبدلا من ذلك حمل اللاعبون المغاربة العلم الفلسطيني، كدعم واضح للقضية التي هيمنت على كل مباريات كأس العالم. ففي المباراة التي جرت يوم الثلاثاء، كانت فلسطين في كل مكان، في الأوشحة حول الكتف والكوفيات والقمصان. وقبل المباراة التقى الكاتب مع منى العلوي، من الرباط والتي ارتدت الكوفية الفلسطينية فوق قميص المنتخب الوطني المغربي. وقالت “لا تهمني السياسة” والتي عنت فيها التطبيع، أو اتفاقيات إبراهيم و”أدعم الفلسطينيين لأنهم بشر ولأنهم إخواننا وأخواتنا”.
ويقول الكاتب إن المباريات قصفتها المظاهر السياسية من كل الجبهات إلا أن القضية الفلسطينية كانت الفكرة المهيمنة. ففي الوقت الذي منعت فيه السلطات المؤيدين للمثليين الذين ارتدوا شعارات أل جي بي تي من دخول الملاعب أو حملة الرايات المعادية للنظام الإيراني، ظل العلم الفلسطيني حاضرا في ملاعب كأس العالم، مهما كان الفريق الذي يلعب. وتم رفع راية “الحرية لفلسطين” في منصة على الأقل، فيما جرى مشجع تونسي لف نفسه بالعلم الفلسطيني نحو الملعب قبل أن يخرجه الحرس.
وهتف المشجعون العرب بهتافات مؤيدة للحقوق الفلسطينية وضد عمليات قتل الفلسطينيين الأخيرة، وفعلوا نفس الشيء يوم الثلاثاء. ومن اللقاءات بين الصحافيين الإسرائيليين الذين سمح لهم بتغطية الحدث الرياضي رغم عدم وجود علاقات تطبيع مع قطر، والمشجعين العرب، فهموا هيمنة الموضوع الفلسطيني. وانتشرت لقطات فيديو على منصات التواصل تظهر المراسلين الإسرائيليين في حالة من الدهشة والحيرة من مواقف المارة الذين قللوا من شأنهم. وفي لقطة فيديو مر مشجع مغربي تلفع بالعلم الفلسطيني وهتف الحرية لفلسطين، من جنب مراسل صحيفة “يديعوت أحرونوت” الذي ذكر المشجع: “ولكننا وقعنا اتفاقية سلام”.
وقال ثارور إن اتفاقيات إبراهيم والتي عقدتها إدارة دونالد ترامب وعبدت الطريق أمام تطبيع دول عربية علاقاتها مع إسرائيل، وتم تقديمها كاختراق بين دول فقدت الاهتمام بتشريد الفلسطينيين ومعاناتهم وباتت تركز على قضايا ملحة أكثر مثل مواجهة إيران والتأكيد على الأولويات الاقتصادية. وزار الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هيرتزوع كلا من البحرين والإمارات العربية، فيما وصفت بأنها زيارة مهمة. لكن مباريات كأس العالم “كشفت عن هامشية تلك الرؤية” و”في الأشهر الأخيرة، كانت هناك الكثير من الثرثرات في واشنطن حول المسؤولين الإسرائيليين ومدراء الشركات الذين أصبح مظهرهم عاديا في أبو ظبي والرياض ودبي” مع أن السعودية لم تقم بعد علاقات تطبيع مع إسرائيل.
ولكن “ما لا يقال عادة في الحوارات الأمريكية والإسرائيلية حول اتفاقيات التطبيع هذه هي أنها لا تعكس إلا اهتمامات النخبة العليا في المنطقة”. وقال أوحاد هيمو مراسل القناة الإسرائيلية 12 “هناك الكثير من المحاولات من الناس في العالم العربي للوقوف ضدنا لأننا نمثل التطبيع”. وقال: “أمنية الإسرائيليين تحققت، وقعنا اتفاقيات سلام مع أربع دول عربية، ولكن هناك أناسا، وعددهم كبير لا يريدون وجودنا هنا”. ورأى البعض في المواقف دليلا على العداء المستمر لإسرائيل بل ومعاداة السامية.
وقالت لاحاف هاركوف من “جيروزاليم بوست”: “هذا ليس رفضا لاتفاقيات إبراهيم بل وحتى السلام مع مصر والأردن”. وقالت “كلها كانت مهمة وجلبت نتائج إيجابية لإسرائيل ولتلك الدول، ولكنها صيحة تحذير حول محدودية هذه الاتفاقيات”. وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن غالبية المواطنين العاديين في الكثير من الدول العربية بما فيها التي شاركت في اتفاقيات إبراهيم، لا توافق على التطبيع مع إسرائيل. وقال جورجيو كافيرو، المدير التنفيذي لغلف ستيتس أنلاتيكس “من الواضح أنه لا يوجد هناك حب كبير في العالم العربي لإسرائيل”، مضيفا “لن تختفي عقود من الإهانة والسخط والغضب الذي يشعر فيه الكثير من العرب ضد إسرائيل من خلال توقيع اتفاقيات كهذه”.
وما يهم ملايين العرب، بعيدا عن حكوماتهم، هي الظروف السياسية لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون حياة بناء على المصالح الأمنية الإسرائيلية وبدون حقوق كتلك الممنوحة للإسرائيليين. وعلى مدى عقود اشترطت الحكومات العربية التطبيع مع إسرائيل بقيام دولة فلسطينية منفصلة، إلا أن عملية بناء دولة كهذه انهارت في وقت تشمل فيه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة شخصيات تعارض أي سيناريو لإقامة دولة قابلة للحياة.
ويقول محجوب الزويري، أستاذ التاريخ والسياسة المعاصرة في جامعة قطر “يعارض العرب العاديون هذا الاحتلال ويرونه غير إنساني وغير مقبول”. وقال الزويري إن النبرة السياسية للمباريات لم تقدم رسالة واضحة للولايات المتحدة وإسرائيل فقط، بل الحكومات العربية الراغبة بالتعتيم على الأولويات السياسية للفلسطينيين”. وقال إن حضور العلم الفلسطيني في الملاعب لم يتم تنظيمه من الدول و”لكنه أمر حقيقي من داخل الناس أنفسهم” و”كأس العالم هو عن الناس العاديين وهو عن الطبقة المتوسطة وليس عن النخب” و”سيظلون يتحدثون عن التطبيع لمئة عام لكنهم لن يستطيعوا فرضه”.
وهذا رأي يعترف فيه البعض في إسرائيل حيث كتب عوزي بارام في صحيفة “هآرتس”: “بعد توقيع اتفاقيات إبراهيم مع عدد من الدول العربية عام 2020، زعم المعلقون في اليمين أن حقوق الفلسطينيين لم تعد محط اهتمام العرب” و”لم يكلفوا أنفسهم بقراءة البند فيها الذي اشترط تطبيقها بإقامة دولة فلسطينية. وفيما يتعلق بالتعايش بين الفلسطينيين والشعوب العربية، فليست هناك حاجة لمزيد من الأدلة بعد مباريات كأس العالم في قطر”.
وكان علاء الدين عواد، 42 عاما، فلسطيني خبير في الأمن الإلكتروني ويعمل في قطر، في مباراة المغرب أمام إسبانيا، حيث تلفع شقيقه بالعلم الفلسطيني فوق قميص المنتخب المغربي، وعلق قائلا: “أمر عظيم مشاهدة هؤلاء العرب وهم يدعمون قضيتنا وتعريف الغرب أن فلسطين لن تموت”. و”نحن هنا لا لخلق مشاكل، ولسنا ضد السلام، ولكننا موجودون ونحن هنا”.