نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته فيفيان نيريم وباترك كينغزلي، قالا فيه إن المشجعين العرب في مباريات كأس العالم، واجهوا الصحافيين الإسرائيليين الذين جاءوا لتغطية المباريات في قطر.
وقال الكاتبان إن البعض رأى في قرار قطر السماح للمشجعين الإسرائيليين والصحافة الإسرائيلية تغطية الحدث الرياضي الأهم في العالم، برغم عدم وجود علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، كإشارة عن دفء في العلاقات مع العالم العربي، وبدلا من ذلك لقي بعضهم استقبالا باردا.
وتم التقليل من شأن الصحافيين وأحيانا تجاهلهم من المواطنين المحليين والزوار العرب، مما يذكر أن اتفاقيات التطبيع التي وقعتها دول في الخليج عام 2020 لم تؤد إلى تغيير مواقف المواطنين العاديين الذين لا يزال الكثير منهم يعارضون علاقات قريبة مع إسرائيل.
وترى الصحيفة أن المباريات منحت لحظة نادرة من تضامن المشجعين العرب مع القضية الفلسطينية.
فقد قاطع مشجع تونسي مبتسم، مباراةً عندما ركض نحو الملعب متوشحا بالعلم الفلسطيني. وفي الوقت نفسه، رفض المشجعون العرب مقابلات مع الصحافيين الإسرائيليين، ودخلوا في جدال حول معاملة إسرائيل للمواطنين الفلسطينيين.
ووضع راز شيشنك، مراسل صحيفة “يديعوت أحرونوت” على حسابه في تويتر، سلسلة من التفاعلات مع المشجعين العرب الذين رفضوا الحديث معه. وقال لمشجع: “كلنا بشر” رفض مشجع الحديث معه، فتلقى ردا منه “لست إنسانا”، و”لا يوجد شيء اسمه إسرائيل، هناك فقط فلسطين.. وسرقتم الأرض من أصحابها”.
وفي نقاش مع مشجع آخر ارتدى قميص المنتخب المغربي -واحدة من الدول العربية التي طبعت العلاقات مع إسرائيل- حيث قال شيشنك للمشجع، و”لكنك وقّعت اتفاقية سلام”، فردّ المشجع: “فلسطين، فلسطين ثم اختفى”.
ونقلت الصحيفة عن الباحث السعودي عبد العزيز الغشيان، الذي بحث في موقف بلاده من إسرائيل، قوله: “المواطنون العرب حتى أبناء الدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل، لديهم ما يكفي من التظلمات ضد إسرائيل ولن يختفي هذا قريبا”.
وبحسب السلطات القطرية، تقدم حوالي 4000 إسرائيلي بطلبات لحضور المونديال، ولم تسجل مواقف معادية ضدهم؛ لأنهم أقل وضوحا من الصحافيين الذين يحملون الميكروفونات والكاميرات. لكن الكثير من المواجهات الرافضة للحديث مع الصحافة الإسرائيلية سجلتها الكاميرات، والتي تراوحت ما بين الرفض الواضح للحديث، إلى محاولة التشويش العالية من أشخاص هتفوا بشعارات مؤيدة للفلسطينيين أو كانوا يحملون العلم الفلسطيني.
ووافق مشجع مصري في البداية على مقابلة صحافي إسرائيلي، حيث قدم كصديق جديد، وبعد ذلك قام الرجل المصري بالميل نحو الكاميرا وقال: “فيفا فلسطين” أثناء البث الإسرائيلي الحي.
وتقول الصحيفة إن اتفاقيات إبراهيم لم تغير جذريا المواقف كما يقول أوهاد حمّو، المراسل الإسرائيلي المخضرم، الذي واجه ردودا سلبية في قطر. وأضاف: “شعوب الشرق الأوسط، وليس الأنظمة، لم تقبل إسرائيل”. أشار إلى أن هذه الدينامية ستستمر طالما لم يحل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.
وعلقت الصحيفة أن اتفاقيات 2020 فتحت المجال أمام علاقات تجارية وعسكرية على مستوى عال بين إسرائيل وثلاث دول عربية هي الإمارات والبحرين والمغرب، وزادت من معدلات السياحة الإسرائيلية إلى المغرب والإمارات، حيث لقي الإسرائيليون بشكل عام ترحيبا دافئا. وكشفت الاتفاقيات عن الكيفية التي تغلبت فيها المخاوف المشتركة من إيران والفرص الاقتصادية والأمنية لدى القادة العرب، على الحل المباشر والفوري للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.
إلا أن الاستطلاعات لمواقف الرأي العام العربي، كشفت أن التحولات التي قادتها الحكومات هذه لم ترفق بدعم من القواعد الشعبية لإسرائيل، وتحديدا في دول مثل قطر التي لم تقم علاقات دبلوماسية كاملة مع تل أبيب، رغم وجود عقود تجارية محدودة منذ سنين. ويقول الباحثون والعلماء في المنطقة، إن اتفاقيات التطبيع تعكس المصالح التجارية والأمنية لحفنة من الحكام العرب والنخب الداعمة لهم.
وتقول مريم الهاجري، الباحثة الاجتماعية القطرية في جامعة إدنبرة- اسكتلندا: “تقدم مباريات كأس العالم تفاعلا عفويا مع الصحافيين الإسرائيليين وتقدم إجابات بريئة حول مركزية القضية الفلسطينية”. وتنتمي الهاجري إلى مجموعة شبابية ضد التطبيع في قطر “قيون”، وعلقت قائلة إن الدول التي أقامت علاقات تطبيع مع إسرائيل، قمعت المعارضة ضد الاتفاقيات، و”لا غنى عن القول إنه لن يكون هناك سلام بدون عدالة متساوية”.
ويقول الصحافيون الإسرائيليون الذين واجهوا ردود أفعال عدوانية جاءت من فلسطينيي الشتات الذين هّجر أجدادهم من أرضهم عام 1948. وقال الصحافي حمّو وهو متحدث طليق باللغة العربية، إنه شعر بالاكتئاب من التجربة، مع أنه تفهم ردة الفعل، وأوضح: “بالنسبة لهم، هذه فرصة لرفع صوتهم ضد إسرائيل”، وغطى حمّو الشؤون الفلسطينية لعقود، حيث قال: “لا تؤذينا وهذا مهم”.
وخلافا لحمّو، فقد شعر صحافيون آخرون بالإهانة. وقال شيشنك الذي دعم دائما السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إن تجربته في قطر جعلته يستنتج أن الفلسطينيين لا يريدون سلاما بل تدمير إسرائيل. وأضاف: “حقيقة، لقد غيرت رأيي هنا في قطر.. نحن لسنا بشرا بالنسبة لهم، يريدون محونا عن الخريطة” وفق تعبيره.
ورد فلسطينيون أن ردودا كهذه تتجاهل التحديات اليومية التي تواجه الفلسطينيين تحت الاحتلال والحصار. وقال الصحافية العربية شيرين فلاح صعب، المراسلة للصحيفة الليبرالية الإسرائيلية “هآرتس” إن الرد الإسرائيلي على المواقف السلبية “يؤكد فقط العمى الإسرائيلي وغياب الوعي بالنفس حول مظالم الاحتلال”. واتهم آخرون الصحافيين الإسرائيليين بالنفاق.
وكتب الصحافي العربي- الإسرائيلي، محمد المجدلي تغريدة على تويتر قال فيها: ” يشكو الصحافيون الإسرائيليون من المعاملة العدائية لهم في قطر.. أقترح عليهم مرافقة صحافي عربي هنا في اسرائيل وليس في الخارج ليوم واحد”.
وفي القدس، هتف جمهور إسرائيلي الأسبوع الماضي “الموت للعرب” وقاطعوا بثا عربيا في المكان الذي قتل فيه إسرائيليان.
وتجنبت قطر إلى جانب السعودية وعُمان والكويت، عقد اتفاقيات سلام مع إسرائيل، حيث ربطت الخطوة بحل القضية الفلسطينية. وعندما أُعلن الشهر الماضي عن السماح للطيران الإسرائيلي ولفترة مؤقتة بالهبوط في قطر، كان من أجل تطبيق المطالب من الفيفا، المؤسسة التي تشرف على كرة القدم في العالم، وذلك حسب مسؤول رفض الكشف عن هويته.
وقال الغشيان إن “كأس العالم ومشاركة الصحافيين الإسرائيليين بتغطيته من قطر يلخص محدودية اتفاقيات إبراهيم لأنها لم تعالج القضايا الجوهرية التي تهم الكثيرين”.