هآرتس: حكومة نتنياهو المتطرفة تُبشر بثلاث أزمات دارماتيكية محتملة

الجمعة 02 ديسمبر 2022 07:55 م / بتوقيت القدس +2GMT
هآرتس: حكومة نتنياهو المتطرفة تُبشر بثلاث أزمات دارماتيكية محتملة



القدس المحتلة/سما/

هآرتس- بقلم عاموس هرئيل     حادثة قتل فلسطيني بنار الجنود بعد دهسه مجندة وإصابتها قرب رام الله، ذكّرت النشرات الإخبارية في القنوات التلفزيونية بمجمل القتل اليومي. في اليوم التالي، قتل فلسطيني آخر، وأمس قتل اثنان آخران. منذ بداية الأسبوع قتل في أحداث مختلفة مع الجيش والشرطة في الضفة ثمانية فلسطينيين. حسب أقوال الجيش، يدور الحديث عن أشخاص كانوا مشاركين في أعمال عنف، وكان بعضهم مسلحين. هذا الأسبوع لم ينته بعد، والحبل على الجرار.

في مقابلة أولى مع وسائل الإعلام الأمريكية منذ فوزه في الانتخابات، فضل نتنياهو بث رسالة مهدئة. في “بودكاست” للمراسلة المحافظة، باري فايس، قال نتنياهو: “هذا لا يعني أننا (الليكود) ننضم إلى الأحزاب الصغيرة، بل هي التي تنضم إلينا”. يبدو أنه ذكر برفضه إعطاء حقيبة الدفاع لشركائه في الائتلاف، “هذا خط أحمر”، قال. “حقيبة الدفاع ليست حماية من الصواريخ فقط، بل اتخاذ قرار بشأن سياسة قد تؤدي إلى الاشتعال. أحاول تجنب ذلك”.

أشار رئيس الحكومة في أقواله هذه إلى أنه في الطريق إلى الحفاظ على خط استمراري لسياسة حكوماته السابقة. حيث فجوة دائمة وواضحة بين خطابه المتشدد وخوفه من القيام بعمليات عسكرية قد تتدهور إلى حرب كبيرة. في العمليات الكبيرة الثلاث التي شنها في قطاع غزة، تجنب بشكل متعمد إعادة احتلال القطاع وإسقاط حكم حماس، وحرص في لبنان على ألا يتورط خلافاً لسلفه إيهود أولمرت، وما لم يحدث في إيران الجميع يعرفه.

مع ذلك، تظهر الظروف مختلفة في هذه المرة؛ فمجرد التحالف الذي عقده مع بن غفير وبتسلئيل سموتريتش واستعداده لإعطائهما ملفات رئيسية ومواقع لها تأثير نظري في الكابنت، ترمز إلى أن حكومة نتنياهو القادمة قد تبدو مختلفة قليلاً. بعد أن رفعت مسألة حقيبة الدفاع التي ستعطى كما يبدو ليوآف غالنت (الليكود) من جدول الأعمال، باتت الإدارة الأمريكية قلقة من نوايا الحكومة القادمة في شرعنة البؤر الاستيطانية في الضفة. نقلت لوزير الدفاع التارك بني غانتس وكبار الشخصيات في مكتبه رسائل مقلقة حول ذلك في الأسابيع الأخيرة.

حتى قبل أداء الحكومة لليمين، يبدو أن عهد نتنياهو الجديد قد يجلب معه ثلاث أزمات محتملة، دراماتيكية، بثمن واحد، وأزمة قانونية (حول خططه لتغييرات تشريعية جارفة)، وأزمة رسمية تتعلق بالدولة (الصراع على طبيعة الجيش الإسرائيلي) وربما أيضاً أزمة أمنية (استمرار التصعيد في “المناطق”). حتى الآن لم نتحدث عن الجمهور العربي في إسرائيل. فالاشتعال هناك سيهتم به بن غفير، بشكل خاص إذا استجيب لطلبه الحج إلى الحرم بصفته وزيراً.

ألون أفيتار، الخبير في الشؤون الفلسطينية، قال للصحيفة بأنه -حسب رأي الجمهور في “المناطق”- هناك انشغال متزايد في احتمالية أن يحج بن غفير إلى الحرم. عكرمة صبري، الخطيب الرئيسي للمسجد الأقصى وفي السابق مفتي القدس، صرح بأن الشعب الفلسطينية لن يسمح لبن غفير أو لأشخاص من قبله بـ “خرق قدسية المسجد الأقصى”. يتوقع افيتار محاولة فلسطينية “لتحويل المساجد إلى هدف محصن”، إذا تحقق سيناريو كهذا. يذكر بسابقات الماضي: زيارة أريئيل شارون للحرم عشية الانتفاضة الثانية، واستفزازات بن غفير نفسه في القدس قبل بدء عملية “حارس الأسوار” في أيار من السنة الماضية.

رد متأخر

يأمل الجيش أن العاصفة الجماهيرية حول قضية الحادثة في الخليل ستخفت في الأيام القادمة. خلال الأسبوع، اتبع رئيس الأركان أفيف كوخافي نهجاً يستحق التقدير؛ فقد دافع عن حرية عمل الجيش وقيمه ورفض محاولات للتدخل السياسي الخارجي. بن غفير، الذي بدأ بنغمة قتالية، نفذ انسحاباً تكتيكياً بسيطاً إزاء الصدمة في وسائل الإعلام بعد التوبيخ الشديد الذي تعرض له قائد كتيبة “جفعاتي” في الشبكات الاجتماعية، لكن يجدر الانتباه إلى صيغة رده على كوخافي. نحن نحب ونحتضن رئيس الأركان، لكن وبلغة معسولة لـ “كان” نوصي بن غفير بعدم إشغال نفسه بالسياسة. ماريو بوزو، كاتب “العراب” لم يكن ليصوغ ذلك بشكل أفضل.

موقف كوخافي من الخلاف وتصريحاته الحاسمة تعكس حقيقة أنه سينهي خدمته كرئيس للأركان بعد نحو شهر ونصف، ولكن تدخله جاء بتأخير حاسم. منذ فترة طويلة والقيادة العليا في الجيش تقلل من الانشغال بقضية أخلاقية القتال وأعمال الشرطة في “المناطق”، بل وتتجاهلها. استمرت على الأرض عملية تدهور بطيئة في المعايير والسلوك الفعلي. تبدو الحقيقة ببساطة أنه لا يمكن إخراج السياسة من الجيش.

في شباط 2020 بعد تسلم بينيت لمنصب وزير الدفاع بقليل، حدثت حادثة على حدود القطاع. طلب بينيت من الجيش جمع جثث مخربين على أمل (الأمل الذي تبدد) أن تشكل هذه الجثث ورقة مساومة أمام حماس في المفاوضات حول إعادة جثامين الجنديين المحتجزين في غزة. تم توثيق جرافة للجيش وهي تحاول إخلاء جثة فلسطينية خلال عشرين دقيقة وتدفعها المرة تلو الأخرى. كان المشهد مشيناً وحتى إن القوات أطلقت النار على فتيان من القطاع حاولوا سحب الجثة. في تحقيق عملياتي في الحادثة، عندما حاول ضباط كبار إجراء نقاش حول السلوك الأخلاقي المعيب، أوقفهم رئيس الأركان بشكل مهذب، وقال إنه ليس لب التحقيق.

كوخافي، مثل بعض سابقيه في المنصب، فضل الانشغال بالقضايا العالمية مثل الثورة التكنولوجية في الجيش، وبناء القوات للحرب القادمة. هذه بالفعل أمور حيوية، ولكن الهدوء النسبي الذي ساد في الضفة لفترة طويلة خلق لدى الجيش شعوراً بأنه يمكن إبقاؤه في أولوية أقل. حافظ جنرالات قيادة المنطقة الوسطى على أجيالهم بخلق هدوء في الجبهة الفلسطينية لتمكين رئيس الأركان من الانشغال بما يعتبر أساسياً.

طبقاً لذلك، تم تقليص حجم القوات في الضفة، وبقيت النشاطات الجارية هناك لفصائل حرس الحدود وكتائب لواء كفير وبحجم أقل ألوية المشاة الأخرى. معظم الوحدات الخاصة عادت إلى شؤونها خارج الضفة. إذا كان تعيين قائد لواء قطري في الضفة يعتبر سابقاً محطة حيوية في الطريق إلى الأعلى، ففي السنوات الأخيرة لم يرسل إلى هناك إلا المتميزون من بين الضباط.

هذه التوجهات تنفجر الآن في وجه رئيس الأركان بعد سنوات من الغليان البطيء. يبدو أنه كلما تهرب من “المناطق” ستلاحقه. مرت الأمور بانعطافة حادة في آذار الماضي عند اندلاع موجة الإرهاب الحالية (التي امتدت لتصبح نوعاً من انتفاضة مصغرة في هذه الأثناء). كان على الجيش الإسرائيلي أن ينشر بدون تحذير واستعداد قوات نظامية كبيرة في الضفة وخط التماس. في وقت لاحق في هذه السنة، انضمت إليها كتائب احتياط كثيرة، سيزداد عددها في السنة القادمة.

ولكن الجنود تغيروا في هذه الأثناء أيضاً. التحرك الأيديولوجي نحو اليمين في أوساط الجمهور والجيش ترجم إلى تطرف في المواقف حول قضايا أخلاقية القتال، كما تبين أيضاً في قضية اليئور ازاريا في 2016. تضاف إلى ذلك فجوة متجذرة في المواقف والتواصل بين الجنرالات في جيل الخمسين وقادة الألوية في جيل الأربعين والجنود في أعمار 18 – 19. يرى كثير من الجنود أن القيادة العليا تنشغل بأحاديث عالية عن الأخلاق، لكنها منقطعة عن الميدان والصعوبات اليومية. هذه المقاربة صحيحة بدرجة ما أيضاً لدى الجمهور.

ثمة إشارات على تغيير المناخ السياسي عقب فوز اليمين في الانتخابات. الحادثة التي جرت في الخليل تعكس علامة أولية لعمليات قد تحدث لاحقاً. صمت نتنياهو خلال خمسة أيام على الهجوم في الكنيست وفي الشبكات الاجتماعية على رئيس الأركان، وبعد ذلك على قائد الكتيبة، ليس صدفياً. ثمة تحليل يقول بأنه أسير لشريكه بن غفير، وكل قوته موظفة في جهوده كي ينجو من المحاكمة، بدءاً من الاتصالات الائتلافية. ولكن حسب رأيي، هناك إشارة للقيادة الأمنية العليا من أجل أن تتساوق معه، ولا تحاول تطبيق سياسة مستقلة جداً في “المناطق” (أصدر نتنياهو في النهاية بياناً ضبابياً أول أمس دعا فيه إلى إبعاد السياسة عن الجيش الإسرائيلي).

رسائل نتنياهو لحراس العتبة مختلطة بعدد كبير من الأساليب. ثمة تقرير للمراسل ميخائيل شيمش في هذا الأسبوع في “كان” كان يجب أن يثير اهتماماً أوسع؛ فنتنياهو يطالب باستبدال كل السائقين في قافلة رئيس الحكومة الآن بـ “سائقين من قبله يثق بهم”. لا يدور الحديث عن سائقه الشخصي، بل السائقين الآخرين في القافلة الذين عملوا لدى أسلافه يئير لبيد ونفتالي بينيت. هؤلاء الأشخاص الذين يعملون إلى جانب حراس وحدة أمن الشخصيات، يمرون بعملية تصفية وإعداد أساسية من قبل “الشاباك”. وثمة رسالة، وهي أن رئيس الحكومة هو السلطة العليا في شؤونه، وهو الذي سيحدد كيف ستسير الأمور، حتى مثل هذه الأمور الصغيرة.