عن الحدث في جنين ....والهوية الدرزية ...!

الخميس 01 ديسمبر 2022 10:13 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عن الحدث في جنين ....والهوية الدرزية ...!



كتب اكرم عطا الله:

  

          لا شك بأن المستفيد الأول من اقدام الشباب في مخيم جنين على احتجاز جثمان الشاب الدرزي الذي أصيب بحادث سيرهي السلطة الفلسطينية ليس لجهة مساعدتها في اعادة الجثمان وإنهاء القضية بأقل الخسائر بل لأن في ذلك ما حسم الجدل الإسرائيلي القادم مع حكومة نتنياهو الغارقة في ذنوب السياسة بأهمية وجود السلطة في الضفة الغربية كعنوان لأن الحدث قدم بديلا لحالة الفوضى التي يمكن أن تعم المكان لحظة غيابها .

               التعامل مع الحدث كان يقدم ردا على المراهقة السياسية للمستجد بن غفير الذي يطالب بإنهاء السلطة ويدعم الحدث موقف رئيس المخابرات رونين بار الذي قدمه الجمعة الماضي لبنيامين نتنياهو يحذره من انهيار السلطة وكانت جنين بروفة جاءت مصادفة لهذا الجهاز لتقدم عرضا لجيل من السياسيين الجدد انتقلوا من هامش السياسة إلى مركزها ويضعون السلطة خصما حيث تحكم في منطقة يعتبرونها مسرح أحداث التوراة وأن عليها المغادرة .

         لكن الحدث الذي أوقف الجميع مشدوها لما حمله من تعقيدات لواقع كان عصيا على الفهم فالشاب القتيل هو ابنا لطائفة عربية يعتز الكثير من أبنائها بعروبتهم لكنها طائفة تخدم في الجيش الاسرائيلي الذي يقتل ويعتقل ويستوطن وما بين هذا وذاك كان الأمر ملتبسا على نشطاء جنين الذين أرادوا ببرائتهم التعبير عن نفسهم وقضيتهم وقضية الجثامين المحتجزة بشكل غير انساني لدى الاحتلال وضمنهم من مخيم جنين لكن المسالة كانت في المكان الخطأ والحدث الخطأ والظرف الخطأ ليبدو الجميع في حالة حرج واندهاش .

             حتى الآن بقي ملف الطائفة الدرزية خارج النقاش العام وربما أن أهمية ما حدث انها تضع هذا الملف المهمش في صدارة النقاش فالدروز هم عرب فرضت عليهم اسرائيل الخدمة الاجبارية وفقا للقانون الذي أصدرته منذ تأسيسها والذي ينص على التجنيد الاجباري لجميع المواطنين ولأنها لم تكن ترغب بأن يكون الفلسطينيين جزء من الجيش لأسباب أمنية  ألحقت القانون بنص يخول وزير الدفاع آنذاك باستثناء من يرى مناسبا لسوء حظ الدروز لم يجري استثنائهم ليقعوا بين مطرقة القومية وسندان القوانين والسجن أما لماذا جندت اسرائيل الدروز ؟ كان المؤرخ  القومي الدرزي البروفيسور "قيس فرو " للمصادفة نفس عائلة الشاب الذي تم احتجاز جثمانه يعيد نبش التاريخ مستخرجا وثيقة رسمية عشية تجنيد الدروز يجيء فيها على لسان الموظف في الخارجية يعكوف شيمعوني حيث يقول "يأتي القرار بتجنيد الدروز حتى يكونوا حربة نطعن بها القومية العربية ونؤثر فيها على الدروز في سوريا ولبنان ".

       هكذا الأمر إذا منذ البدايات لم يكن بهدف تشكيل جيش وبناء مؤسسة حيث لا ينقصها الأفراد القادمين من كل العالم بل سلخ تلك الطائفة القومية وتشويه هويتها بقوة القانون والسجن واستخدامها ضد عروبتها وهو النقاش الذي لم يتوقف في الطائفة نفسها ولم يحسم بعد بل كانت الظروف في العقود الأخيرة خاصة والمناخات التي أنتجتها الانتفاضتين الأولى والثانية التي رفعت وتيرة التساؤلات تزيد من حدة النقاش لصالح التيار القومي يعكسه تزايد عدد رافضي الخدمة لاسباب قومية لا يتذرعون بأسباب صحية أو نفسية بل يعلنها الشباب الرافض بفخر يقولون " لأسباب قومية وضميرية يريدوننا أن نقاتل ضد شعبنا "

             كان مؤتمر هرتسيليا العام الماضي ينتبه لتلك الظاهرة معززا بالأرقام التي قدمها في دراسة أكاديمية أظهرت أن 54 % من الدروز يرفضون الخدمة العسكرية أما تقارير جامعة حيفا فقد أْظهرت نسبة أكبر بلغت 65 %يرفضون الخدمة في الجيش الاسرائيلي وهو ما بدأت اسرائيل تنتبه لمحاولة معالجته معتقدة أن تزايد الظاهرة مردها عدم اعطاء الضباط الدروز دورا قياديا لتعين أول ضابط درزي مسؤولا لحرس الحدود وضابطا لقيادة لواء جولاني الذي أصيب في الشجاعية في الحرب "غسان عليان "وتهتم بترقية كميل أبو ركن في سلك الادارة المدنية لتضعه خلفا ليوآف مردخاي .

             لدى تعيين أبو ركن كانت اسرائيل توجه ضربة للدروز بتقسيمها صلاحيات مردخاي وتأخذ الجزء الأهم منها لمكتب رئاسة الحكومة كأنها تقول أن الدرزي لا يؤتمن ثم جاء قانون القومية الذي حسم أمر من هو غير يهودي في الدولة في ضربة أخرى جعلت الزعيم الروحي الطائفة وشيخ عقلها موفق طريف يخرج عن طوره قائلا " نرفض تجنيد أبنائنا كمرتزقة "وهو الوضع الحقيقي الذي لا يمكن لدولة تعيد تعريف نفسها بهذه الصيغة إلا أن تضع الدروز في تلك الخانة ..خانة الرفض والنبذ وهذا يساعد على استعادتهم .

              صحيح أن خرج من أبناء هذه الطائفة ما ترفع لهم القبعة ربما أشهرهم الشاعر الكبير سميح القاسم لكن أيضا خرج منها ما هو مخجل حيث قبل البعض أن يكون أداة ضاربة ضد شعبه العربي الفلسطيني ، تلك الثنائية كانت مكمن النقاش لدى طائفة تعرضت للعزلة عن محيطها وتم تشويه هويتها متعمدا ليبرز فيها تياران متعارضان لذا يبدو النقاش الملح الذي سلطته حادثة حجز الجثمان مهما حيث مصلحة الفلسطينيين بتعزيز أية وجهة في الجدل المحتدم بين التيارين وهو ما كان خارج الاهتمامات الفلسطينية المشغولة بخلافاتها ومأساتها وهو ما حاوله ياسر عرفات مستغلا الانتفاضة الثانية بالتنسيق مع وليد جنبلاط الذي نجح بعقد مؤتمر عمان ليؤكد على رفض الخدمة في الجيش وليدعم اتساع هذه الظاهرة وهي مسؤولية الفلسطيني .

             الطائفة الدرزية تعرضت لمظلمة تاريخية ولأبشع عملية سلخ وأبنائها يقاومون  الانضمام للجيش ويقبل بعض الشباب السجن على التجنيد والحرمان من مقاعد الدراسة والسؤال الذي سلطته الحادثة كيف يمكن للفلسطيني والعربي أن يساهم بتأكيد واستعادة الدروز لقوميتهم ؟ سؤال يطرح برنامج عمل كان الفلسطيني قد تجاهله .