إضاءات وانتقادات في مونديال قطر..مهند عبد الحميد

الثلاثاء 29 نوفمبر 2022 02:53 م / بتوقيت القدس +2GMT
إضاءات وانتقادات في مونديال قطر..مهند عبد الحميد




منذ عام 1930 تلتقي المنتخبات الفائزة في التصفيات القارية في مونديال عالمي لكرة القدم كل أربع سنوات مرة، وسط متابعة ملايين البشر. شعار «كرة القدم توحد الشعوب» شعار أطلقه النجم البرتغالي كرستيانو رونالدو، وترافق مع شعارات أخرى «نحن نلعب من أجل القضاء على الجوع» «حقوق الإنسان غير قابلة للتفاوض» «لا للتمييز». لا شك في أن الشعوب تتوحد على قضايا الحرية والعدالة والمساواة التي تلبي مصالحها الفعلية، في مواجهة الهيمنة والنهب والعنصرية والاستبداد والقمع والحروب والاحتلالات العسكرية والفساد.
 ضمن هذه المعادلة الكونية لا يمكن خلط الحابل بالنابل، فهناك العالم الرسمي العابر للبلدان والقوميات الذي تتقاطع مصالحه في الهيمنة والنهب، وعالم الشعوب متوحد المصالح في البحث الدائم عن الحرية والعدالة.
تقدم لعبة القدم نموذجاً لنظام عالمي رياضي تسوده عدالة نسبية، مختلف عن نظام اللاعدالة ودوله المهيمنة. فالألعاب الرياضية تخضع لقوانين ملزمة للجميع وتطبق على الجميع. ويعاقب كل من يخالف القانون من الفرق القوية أو الضعيفة ومن اللاعبين المشهورين وقادة الفرق أو أي لاعبين متواضعين، بهذا المعنى تتوفر عدالة في الممارسة. خلافاً للنظام العالمي السياسي الذي لا يحترم أقوياؤه القانون وينتهكونه شر انتهاك، دون أن يتعرضوا للمحاكمة والعقاب الذي يستحقونه، وما يعنيه ذلك من جلب الكوارث على أكثرية شعوب العالم.
في المونديال تقدم الشعوب قيماً جميلة، كقيمة النظافة التي  قدمها الجمهور الياباني في قطر حين بادر إلى تنظيف المدرجات بعد انتهاء المباراة التي فاز فيها الفريق الياباني، لم يكن الأداء مفتعلاً، لأن النظافة والتنظيم جزء من ثقافة المجتمع الياباني وامتداد للسلوكيات التي يتعلمها الأطفال في المدرسة الذين اعتادوا على تنظيف غرف التدريس والممرات والحدائق. وقدم المنتخب الإيراني قيمة الشجاعة في رفض القمع، حين أحجم لاعبو الفريق الإيراني عن غناء النشيد الوطني الإيراني أثناء عزفه قبل المباراة، وذلك تضامناً مع احتجاجات النساء والمجتمع الإيراني ضد القتل والقمع الممارس من أجهزة أمن النظام الإيراني. إحسان صافي قائد المنتخب عبر عن ذلك بالقول: «نود أن تعرف العائلات المفجوعة أننا معها وندعمها ونتعاطف معها. وأن أحوال بلدنا ليست سوية وأن شعبنا ليس سعيداً». ما جرى كان أبلغ رد على تجاهل السلطات الإيرانية لمطالب شعبها في الحرية، وعلى روايته التي تعتبر كل احتجاج هو مؤامرة خارجية، وان المحتجّين عملاء للغرب.
 وقدم الجمهور العربي من مختلف البلدان العربية قيمة الوفاء لقضية فلسطين العادلة، التي أرادت دولة الاحتلال ودول الاتفاقات الإبراهيمية طمسها وإخراجها من المشهد. حول ما جرى قال إعلامي إسرائيلي: أشعر بالسوء الشديد، لقد أنزلني سائق التاكسي من السيارة بمجرد أن عرف هويتي، يجب أن تعلموا، أن هذا قد يحدث لجميع الإسرائيليين، نحن في مكان لا يحبنا على نحو جنوني». وقال صحافي في «إسرائيل اليوم»: بعد تجربة الرفض والتجاهل والكراهية وعدم القبول، كل من يزعم أن سكان دول دول الخليج ليس لديهم عداء تجاه إسرائيل هو واهم، الإسرائيليون تعرضوا للخداع لكنهم شاهدوا حقيقة مختلفة.
وقال مسؤول سابق في «الشاباك»: كراهية إسرائيل والتعامل الفظ في قطر تشير إلى السقف الزجاجي لاتفاقات التطبيع، ما حدث فتح العيون على الواقع وعلى علاقة إسرائيل بالمنطقة. كُره إسرائيل لم يأت على خلفية عنصرية، بل لأنهم يقتلون إخوتنا في فلسطين» كما قال سائق التاكسي أو كما قال عدد من الشباب الكاميرونيين رفعوا علم فلسطين وطالبوا بالعدالة لفلسطين، إن صوت المظلومين يصل صداه الى كل العالم. وخلُص بعض الإسرائيليين إلى أن أصل المشكلة ما زال حياً ويركلنا ويضعفنا بشدة، وما لم تحل القضية الفلسطينية بطريقة مقبولة من جميع الأطراف، سيبقى هذا الوضع» على حاله، ولكن لحكومات دولة الاحتلال رأياً معاكساً.
وقدمت قطر الشاب غانم المفتاح المولود بنصف جسد لافتتاح المونديال، جنباً إلى جنب مع الممثل الأميركي الشهير مورجان فريمان، في حوار الشرق والغرب، وقد انتصرت قطر للبعد الإنساني والحقوقي العميق، في تمثيل الشرق وحضارته الغنية. وقدمت الإنسان على قدم المساواة مع أخيه الإنسان حتى وإن كان في موقع إعاقة جسدية.
مقابل ذلك أثيرت انتقادات مشروعة حول حقوق الانسان وحقوق العاملين والإنفاق الضخم - 220 مليار دولار -والحريات. هذه الانتقادات لا تندرج تحت مسمى فرض ثقافة على ثقافة أخرى، ولا ممارسة عنصرية تقلل من قدرات وكفاءات قوميات وثقافات دون أخرى، بل هي واجب تلك المنظمات وواجب الإعلاميين الملتزمين بقضايا الشعوب. في مونديال روسيا مورس النقد ضد الحكومة الروسية بسبب احتلالها لشبه جزيرة القرم، وقمعها للمعارضين الروس وانتهاكها لحقوق الإنسان. وفي مونديال البرازيل مورس النقد ضد الحكومة البرازيلية بسبب الفساد والجريمة، وفي مونديال جنوب إفريقيا جرى نقد الجريمة وضعف الأمن والإدارة. النقد لم يستهدف شعوب تلك البلدان، بل استهدف أنظمتها.
النقد كما نرى لا يقتصر على قطر. وعندما تكون الجهات الناقدة منظمات حقوقية ومنظمات حقوق إنسان ونقابات عمالية وإعلاميين ومثقفين وفنانين، فإن هذا يضفي المشروعية على النقد المهم والضروري. الدول الغربية لا تمارس النقد ضد قطر فترة المونديال وقبلها، حفاظاً على مصالحها، بل إن هذه الدول لم تمارس النقد ضد الاستبداد والانتهاكات والفساد والتمييز ضد النساء إلا النزر اليسير تمشياً مع مصالحها مع تلك الأنظمة وخلافاً لخطابها المجلجل حول حقوق الإنسان. في الوقت ذاته يجدر نقد عنصريين ومنظمات عنصرية قومية بلا هوادة لأنها دمجت في هجومها العنصري الأنظمة العربية بالشعوب العربية، ودمجت ثقافة الاستبداد الرسمية العربية بثقافة الشعوب العربية التواقة للحرية. لكن مهاجمة العنصريين المحقة لا يعني وضع الغرب في سلة واحدة لجهة عدم التمييز بين المنظمات الناقدة والأشخاص الناقدين للانتهاكات والمدافعين عن الشعوب والدول المتواطئة معها.
كما لا يجدر وضع العرب في سلة واحدة كما فعل المدافعون عن قطر وبخاصة من المثقفين والإعلاميين الذين وضعوا المعايير جانباً وانزلقوا في الخلط بين أنظمة خاضعة لعلاقات التبعية وتغدق الأموال لمصلحة الغرب من جهة، وشعوب عربية تعاني من ضائقة واختناق شديدين. لا يستقيم نقد الغرب الذي له باع طويل في استعمار الشعوب وفي بناء علاقات تبعية لاحقة ومستمرة،عن نقد الأنظمة العربية المستبدة التابعة للغرب.