عائلة تحترق في غزة وكوريا الشمالية تختبر صاروخا وأوكرانيا بلا كهرباء..

السبت 19 نوفمبر 2022 01:54 م / بتوقيت القدس +2GMT
عائلة تحترق في غزة وكوريا الشمالية تختبر صاروخا وأوكرانيا بلا كهرباء..



كتب خالد شحام:

منذ سنوات غير قليلة  يعيش العالم بأكمله  وبوتيرة متصاعدة مجموعة من الأزمات المعلقة التي تبدو عديمة الحلول وعديمة الأمل، أزمات مسدودة   إلى الحد الذي أصبحنا فيه نتعايش ونعتاد على أخبار هذه الأزمات وكأنها شيء مقيم وثابت ولا يطرأ عليها أي حل أو انفراج في الأفق المنظور، إنها مثل الأثقال التي تربض على صدر هذا العالم وتخنق راحته وسكينة باله وتخلق توابع كارثية يعاني منها كل هذا العالم بلا استثناء، إنها أزمات مزمنة مقيمة تولدت عنها أزمات الغلاء والفقر والجوع والاضطرابات المجنونة التي يموج فيها عالم اليوم، أزمات متعلقة بايران والغرب والاتفاق النووي، صراع آخر بين كوريا الشمالية والفريق المضاد، صراع  وجودي متنام بين الولايات المتحدة والصين كقوة تبسط أذرعها كل يوم في السماء والأرض، الحرب الروسية -الأوكرانية  تستعر في حواف جديدة وتجر العالم معها نحو الهاوية، أوكرانيا بلا كهرباء والعالم بلا حبوب ولا ضمان، حروب الشرق الأوسط والجراح المفتوحة في كل من فلسطين و سوريا و العراق واليمن وليبيا والسودان ولبنان، كلها أزمات  تبدو أنها بلا نهاية وكلما شعرنا أن العام القادم سيحمل بعض التهدأة أو الصحوة والبناء جاءت أحداث متفاقمة لتعيد الأمور إلى نقطة الصفر الأولى، أشكال المراجعات العقلانية والانقاذية  الشمولية توقفت في كل مكان ولم يعد هنالك من حضور لأي صوت حكيم، صوت الشر ونداء الشيطان هو الذي يتردد صداه في كل أرجاء المعمورة، العالم يموج  بحلول القتل والاعتداء،  التصفية حضرت قبل أي توافق أو تواصل أو تعايش وتحول المستقبل إلى ظلال سوداء مخيفة .
حصار غزة يبدو أبديا  ونموذج عباس حكم مؤبد  وملف القضية الفلسطينية تم دسه أسفل ملفات العالم المعلقة والكثيرة  ولم يعد من أحد يحفل، التوتر بين الجزائر والمغرب صار من مسلمات المشهد الإخباري ولم يعد من مكان لنصح أو إرشاد، الإسفين المزروع في جسد الأمة بين الشيعة والسنة استحكم حده إلى الدرجة التي تحولت فيها الشعوب إلى نائب عن أجهزة الأمن التي تصنع وتهندس الخلافات وتفبرك الميول والاتجاهات، الفقر والديون والاحتباسات  تستعر في مصر دون أي أفق منظور لخلاص أو أي شيء يبعث راحة البال، تكاد دول العرب تهرب قاريا عن بعضها البعض وتكاد شعوبها تذوب كمدا وقهرا وحسرة  .
التراجع الذي تشهده الأمة في صوتها وقوتها غير مسبوق وتحولنا إلى عجزة مقيمين في ثنايا الزمان إلى الحد أننا عاجزون عن إنقاذ أي شيء من الجسد العربي المصاب في كل مكان، الأمة بأكملها لم تتمكن من فك الحصار عن غزة منذ سنوات طوال أو مساعدة شعب السودان أو ايقاف القتل في سوريا أو اليمن أو العراق، لم تتمكن هذه الكتلة التاريخية من عمل أي إزاحة أو ثقل في أي شأن ولم تنقذ أو تقف مع عائلة كاملة قضت بالأمس  حرقا في غزة في الوقت الذي تعلن فيه سلطات الاحتلال عن تقديم العون والمساعدة نكاية وسخرية  في أمة مخدرة من قدميها حتى رأسها، صحافي بمنزلة عبد الباري عطوان بوصفه واحدا  من البقية الباقية  الصالحة في حق الامة العربية والذي أمضى عمره مقاتلا لصالح كل هذه الكتلة النائمة لم نسمع صوتا رسميا واحدا يتكلم في مساندته أو دعمه ضد الحملة العنصرية الصهيونية التي تستهدفه، ذورة المشهد التراجيدي تتجلى  في ظاهرة اسمها التطبيع العجيب حيث دخلنا في نظرية الكمومية السياسية بعالمها المتناقض وصرنا نرى رأي العين كيف تتحول الخيانة إلى نهج إنقاذي وضمانة بقاء مؤقتة لأنظمة عربية فعلت أقبح ما فعله مرتدو التاريخ …… ما الذي يحدث لهذا العالم  ؟ هل من المعقول ما يحدث ؟   هل نحن في كابوس طويل لا صحوة منه أم ان أدمغتنا بدات تعطل المنطق الصحيح للأشياء في العالم المادي المحسوس الذي نعيشه ؟ ما الذي يجري على كل بلاد الله الواسعة التي ضاقت على أهلها ولماذا تحول زماننا إلى جولات من الخوف والكآبة ؟

ad

الإجابة المرعبة عن كل هذه الكرة الشائكة من الظواهر والانقلابات والارتدادات غير الطبيعية والشاذة عن مكانها وزمانها لا يمكن ايجادها في كل أشكال التحليل السياسي والاقتصادي والتاريخي مهما بلغ من الذكاء عتيا، الإجابات القصوى تقدمها القوة القصوى للتاريخ والكون ودورات البداية والنهاية التي تجوب الكوكب مع انفراط السنين تماما مثل دورة الماء والصخر والطاقة في هذه الطبيعة، وكما يتحول الماء من السائل الى البخار ليرحل في مسار طويل من الزمان ويعود الى مولده  ماءا فكذلك حكايات الشعوب والإنسان الذي يتسامى في الأحداث ليعود بعد سنوات في هيئة من ثورة أو سجين او قائد أو عبرة بشرية مجسدة، كذلك الأمم والحضارات والطغاة والذين يحاولون لعب دور الرب على الأرض .
عندما تتلفتون من حولكم وتمعنون البصيرة في فهم ما يحدث من حولكم تجدون أننا بلغنا نقطة الذروة، وقطعنا طريقا تصعب العودة عبره الى الخلف، أصبح من الواضح أن هنالك حمولة زائدة لا يتسع لها المركب الزماني ولا الأرضي، هنالك طغاة بلغوا من الكفر عتيا ومن الظلم كوكبا، هنالك  شعوب طفيلية  تعيش في الوقت الضائع وبرهنت أنها عاصية كاذبة تصفق لمن يقود مركبتها نحو الشيطان ولم يعد من الممكن هدايتها او ارشادها أو إنقاذها، قادة ومفكرون واثرياء جندوا كل ثرواتهم وطاقاتهم ونفوذهم لخدمة حلف الشيطان الذي يكشف عن نفسه كل يوم، جيوش وتقنيات وميزانيات لا تحصى وضعت لخدمة الشر في كل مكان وكل وجه فيما الضحايا والمظلومون يستصرخون في كل ارجاء المعمورة .
في كتابه  ( صدمة المستقبل ) 1970  والمتعلق باستقراء المستقبل السياسي والاقتصادي  يشرح الكاتب الفين توفلر المبدع  بأن استخدام واقتناء التكنولوجيا وامتلاكها لا يعني بأنك أبدا في أمان من الانجراف القاري الطبيعي لمسار التاريخ، إن وتيرة التقدم التقني في الموجة الثالثة من التطور العالمي والمقترنة بالانفجار المعرفي قدمت نقلا للسلطة من يد العسكر إلى المتحكمين بما في عقول الناس وهؤلاء امتلكوا العسكر واستخدموهم أداة في ايديهم، الانفجار المعرفي الهائل الذي تمدد مع مطلع القرن الحادي والعشرين تمكن من قطع شوط يكافىء قرنين من جهود العلم في الماضي وسمح باقتناء اداوت قوة لا سابق لها، ولهذا السبب تمتلك دولة مثل الولايات المتحدة من غرور العظمة التقني ما يسمح لها بأن ترتكب حماقات الأمم البائدة ويؤهلها للدخول في مسار الإنحطاط والإنكماش دون أدنى اتعاظ أو فهم لمسارات الكون، وتيرة الموجة الثالثة من الانفجار المعرفي تدفع العالم ودوله المتقدمة إلى حدود متشعبة يعجز العالم العربي عن فهمها أو فك ألغازها لأنه خارج هذا الفلك تماما ويعاني من البلاهة الحضارية  في إدراك التعقيد الهائل الذي وصلته هذه الكيانات،  ولهذا السبب فإن  كل الدول الكرتونية التي افترضت أن شراء السيارات والطائرات وبناء العمارات وشراء الأصوات سيمنحها البقاء في عالم الغد هي المرشحة لتكون الكيانات المصدومة مما يحمله المستقبل غير البعيد، وهي المرشحة لتكون في فوهة مدفع الفناء لأنها وضعت نفسها في غير مكانها الطبيعي وحجمها الحقيقي، يشير توفلر أيضا بأن صدمة المستقبل في جزء منها تقع في طفو مشاهد البؤس في العالم الذي تصنعه موجات التغيير من تفكك المجتمعات وانتشار الجريمة ونشوء بؤر التوتر والحروب وانعدام معاملات الراحة النفسية لساكني الكوكب، لو بقي توفلر على قيد الحياة في تقديري وسمح له الزمان بتأليف كتابه الأخير لكان عنوانه ( الصين والإنقراض الأمريكي ) لأن غرور وسطوة الانفجار المعرفي -التقني وضعت هذا البلد في مكان يظن نفسه من خلاله بأنه آلهة على الأرض يقتل من يشاء ويبقي من يشاء ويشعل الحروب ويفرق الشعوب ويصنع حكاما ويزيل عروشا  ولو بقي توفلر حيا يرزق لأدرك أن هنالك حضورا لقوى أخرى غير الولايات المتحدة ستصنع التاريخ القادم وتعادل التأثير الكارثي لدولته تلك .
هذا الحال المعلق لا يمكن السماح به لأن حكمة التاريخ وقوانين الدورات الطبيعية لا تسمح بذلك، الشر الأمريكي المتعاظم في هذا الكوكب والمغرور بأسلحته وجيوشه وعتاده الأرضي والفضائي يقترب من نقطة الذروة، الصدام الحتمي الذي اختاره التاريخ كجزء من دوراته المغلقة بين الولايات المتحدة والصين هو النتيجة الحتمية المقروءة في هذه الصحائف التنبؤية التي ترميها مشاهدات التوابع، الولايات المتحدة الغول الأسطوري الذي يتجسد حقيقة للبشرية ويضم في داخله كل الصور الملونة لآلام الشعوب وآلام العرب، كل صور الامتهان والضنك الأساسي لكل هذه المعمورة، إنها حصار غزة، إفقار مصر، إفلاس لبنان، ارتقاء العبيد والعصاة والقرود  والمرتدين  فوق أسوار الحضارة، إنها المثلية والحرب على الله، إنها هي (جويش كرونيكل ) والدعوى على عطوان وكل مفكري الأمة، إنها هي وراء حبس كل المعارضين والمصلحين في بلاد العرب الواسعة، إنها هي الحرب على البشرية والخلق والاستقواء بالخداع والتزيف والقتل، إنها الفتنة التي تشعل النار في أوكرانيا وتتآمر على روسيا   لجرها للحرب، إنها هي النائب الغائب لكل أذى يصيب بلادنا وبلاد العالم .
طرف الصراع الثاني الذي اختاره التاريخ هو الصين بحضارتها وثأرها لتاريخها القديم الذي مزقه الغرب وضحى به وجعل منه عبدا وسخريا، الصين الان هي النائب الغائب الحاضر في كل مشتقات التحضير للمعركة الاخيرة التي يُجر إليها العالم، المعركة الشاملة والأخيرة لدورة الشر الطبيعي ونهاية الإمبراطورية الظالمة، الصين التي سيقت كل حبكات الزمان والمكان لتشغل الحيز الفراغي للقوة المكافئة التي بمقدروها الوقوف حيال الطغيان الإجرامي الأمريكي الذي سام الأرض والعرب سوء العذاب،  إنها  موقف ايران مهما تبدى غير ذلك، إنها التحدي الكوري الشمالي بكل ألاعيبه وثورته، إنها روسيا وسبب صلابة موقفها في معركة كييف الأخيرة، إنها مصدر الحبوب والتقنيات والدواء والمعادن الذي ستعسى الولايات المتحدة لحرمان العالم منه، إنها الحليف الوحيد المتبقي لأمة العرب والذي اختاره التاريخ طبيعيا وقسريا،  سواءا أحببنا أم كرهنا فهذا ما يقوله علم المستقبل في كل قراءات هذه الأزمات والعبرة للمتبصرين  !
كاتب عربي فلسطيني