الفأر الذي أنقذ الأسد..سما حسن

الخميس 17 نوفمبر 2022 02:22 م / بتوقيت القدس +2GMT




مراراً وتكراراً، أتأكد بأن الفأر الصغير سوف ينقذ الأسد، ليس في الحكاية التي كانت درساً مقرراً في المدرسة، لكن من تجارب الحياة الكثيرة التي مررت بها، وقد حدثت معي حكاية صغيرة او موقف يؤكد ان الفأر قد أنقذني.
في البناية التي أقطنها مصعد لا يعمل في ظل انقطاع التيار الكهربي على الدوام، لكنه يعمل باستخدام تقنية بسيطة عبارة عن تشغيل بطارية ملحقة بجهاز يحول طاقة البطارية إلى حركة، تحرك المصعد مدة ثلاث دقائق فقط، بمعنى انها تكفي لكي تصعد إلى الدور السادس وهو آخر أدوار البناية ولا يكفي لكي تنزل، كما ان حركته تكون ثقيلة وبطيئة بعكس حركته حين يعمل باستخدام التيار الكهربي.
بناء على ذلك استحدثت ادارة العمارة لكل واحد من السكان مفتاحاً صغيراً يستطيع ان يشغل الجهاز الملحق بالبطارية في الطابق الأرضي ويهرع نحو باب المصعد لكي يستقله باتجاه الدور الذي تقع فيه شقته، ولا يملك بالطبع كل سكان البناية هذه الميزة، فليس كل ساكن لديه مفتاح صغير أطلقت عليه مفتاح النجدة، ولكن هذا المفتاح الصغير يملكه الملتزمون بدفع اشتراك شهري.
صرت أحرص على هذا المفتاح كل الحرص وفي الوقت نفسه كنت لا أدعه يغادر حقيبتي بل وربطته بسلسلة مفاتيحي الأخرى، لأنني كثيراً ما أعود من الخارج في أوقات انقطاع الكهرباء، وحيث أجد المصعد متوقفاً لا ينقذني إلا هذا المفتاح الصغير، حيث أقوم بدسه في الجهاز وضغط الزر فينفتح باب المصعد وأدس نفسي بداخله بسرعة حتى يرتفع بي ويوصلني الى الطابق الذي تقع فيه شقتي.
قبل يومين، وبينما عدت من السوق في الصباح قمت بنفس الخطوات، حيث تركت أكياس التسوق عند باب المصعد وتوجهت بسرعة نحو فتحة المفتاح الصغير، وأدرت الجهاز وأسرعت بكل ما أوتيت من سرعة نحو الباب الذي انفتح، ودسست نفسي بداخله وأنا أدفع أكياس مشترياتي بقدمي بأسرع ما أملك، وتنفست الصعداء وانتظرت ان يرتفع، لكن في هذه اللحظة جاء طفل من باب البناية وضغط الزر فانفتح الباب ثانية ودس الطفل نفسه بجواري وحقيبته المدرسية معلقة على كتفيه.
في تلك اللحظة أدركت أننا سوف نتأخر، لأن المصعد سوف يتوقف ونظرت في ضيق للطفل الصغير الذي تلتمع عيناه ذكاء، ولم أتكلم، لكن المصعد توقف فعلاً بين طابقين وفتحت بابه فوجدت أمامي حائطاً، وتحول المصعد إلى غرفة صماء مظلمة.
قلت للطفل في غضب: الحق عليك، فلم يرد، وقلت له ولست أدري إن كان يفهم ما أقوله: من سيفتح لنا الآن، سوف نعلق والحارس لن يعود الى البناية قبل ساعات الظهر، ولا أملك حتى رقم هاتف له، والمفتاح معي والا كنت طلبت من احد أولادي باتصال مني ان يستخدمه لإعادة تشغيل المصعد.
هنا تكلم الطفل في هدوء وقال: أنا أحفظ رقم هاتف بابا، وبابا لديه مفتاح.
وهنا وبكل سرعة كان يملي عليّ رقم هاتف والده الذي أخبرته باختصار بما حدث، وانا أؤكد ان طفله معي في المصعد، وخلال دقائق كان الأب يقوم بتشغيل المصعد باستخدام المفتاح الصغير الذي يشبه مفتاحي، وتحرك المصعد ببطء لكنه أوصلني إلى الطابق الذي تقع فيه شقّتي، واستمر في صعوده نحو الطابق الذي يقيم فيه الصغير والذي بدا ثابتاً ولم أشعر بذرة خوف او قلق بداخله، ذكّرتني رباطة جأشه وترتيب أفكاره بالفأر الذي أنقذ الأسد، ان اعتبرنا امرأة مثلي -تشعر بالذعر دوماً وتتوقع الأسوأ - بأنها قد تشبه الأسد!