هآرتس: نابلس تحولت إلى مدينة أشباح و"عرينها" يزداد شعبية

الجمعة 28 أكتوبر 2022 07:03 م / بتوقيت القدس +2GMT
هآرتس: نابلس تحولت إلى مدينة أشباح و"عرينها" يزداد شعبية



القدس المحتلة/سما/

هآرتس- بقلم جاكي خوري  المدخل الغربي لمدينة نابلس لم يظهر على هذا النحو منذ أيام الانتفاضة الثانية. ثمة وجود كثيف للجنود وحواجز بجانب أكوام التراب في الشوارع، إلى جانب ذلك تقارير عن تبادل إطلاق النار وقتل شباب فلسطينيين وجنازات حاشدة في نابلس في الأسبوعين الأخيرين، تمنع الكثيرين من الوصول إليها، سواء كانوا فلسطينيين من القرى القريبة أو مواطنين عرباً. التجارة داخل المدينة، التي تعد العاصمة الاقتصادية الفلسطينية، وصلت تقريباً إلى الشلل الكامل.


نابلس معروفة بالتجارة والصناعات الخفيفة. منطقة المطاعم الموجودة على مدخل المدينة الغربي من اتجاه قرية دير شرف فارغة خلال معظم ساعات اليوم. أصحاب المحلات يجلسون وينتظرون الزبائن، بعضهم أبلغوا العاملين بعدم المجيء للعمل إلى حين تحسن الوضع. “هناك انخفاض يبلغ 80 – 90 في المئة في عدد الزبائن، معظم عملنا يقوم على أخوتنا من داخل الخط الأخضر. منذ أسبوعين تقريباً، لم نلتق أحداً”، قال أبو يونس، وهو صاحب مطعم معروف في المنطقة. “إذا استمر الوضع هكذا فسنفقد أعمالنا”.


على بعد بضعة أمتار من المطعم، وقف أبو محمد السيلاوي، وهو صاحب سوبرماركت حيفا، كومة تراب أقامها الجيش تغلق مدخل المحل. قالوا لي إنني في مكان استراتيجي، مكان رئيسي على مدخل المدينة الذي يربط عدة شوارع. فجأة، وجدت نفسي في محل فارغ منذ أسبوعين”، قال السيلاوي. “لدي بضائع تبلغ قيمتها عشرات آلاف الشواقل التي ستتلف”. وقال السيلاوي إنه لم يتوقع استمرار الإغلاق لهذه الفترة الطويلة. “اعتقدنا أنه موضوع يوم أو يومين، فجأة أغلقوا أسبوعين ولا يظهر أي أفق”.

في المدينة ومحيطها يرفضون أي ادعاء يقول بأن الأمر يتعلق بخطوات للاحتياجات الأمنية. “هذا عقاب جماعي هدفه إخضاع سكان نابلس”، قال محافظ نابلس، إبراهيم رمضان، في محادثة مع دبلوماسيين تجولوا في المدينة. في البعثة كان هناك ممثلون أوروبيون وممثلون عرب من المغرب والأردن، الذين زاروا نابلس للتعرف عن قرب على تداعيات الحصار. رغم الزيارة، بقي في المدينة من يتشككون بإمكانية أن تؤدي هذه الزيارة إلى الضغط على إسرائيل والذي بدوره يؤدي إلى تغيير سياستها.


ياسين دويكات، من الغرفة التجارية في نابلس، حذر من أن سياسة العقاب الجماعي لن تؤدي إلى التهدئة والاستقرار. “صحيح أن هناك ضغطاً اقتصادياً كبيراً على التجار، ولكن إذا اعتقدوا أنه بعد ما شاهدناه في هذا الأسبوع (عملية الجيش الإسرائيلي لتفجير مختبر المواد المتفجرة وقتل ناشط من عرين الأسود)، بأن هذا سيقود إلى توجه معاكس، فهم مخطئون”، قال. بعد ذلك تساءل: “نحن التجار، لا نتدخل في السياسة أو الأمن. ولكن من المهم التوضيح أنه أمام عدوانية المستوطنين وما يفعلونه، هل فكر أحد بإغلاق مستوطنة أو وضع أكوام التراب أو وضع الحواجز؟ بالتأكيد لا. هم بشكل عام مستوطنون، ونحن أصحاب المكان ولسنا غزاة”.


وترفض الغرفة التجارية والتجار ادعاء إسرائيل بأن المدينة غير محاصرة، وأن الأمر لا يغدو كونه وضع حواجز لأغراض أمنية. “أنت أو أي شخص آخر يريد الوصول إلى المدينة من أجل التسوق أو أي أمر آخر ويعلم أنه سيضطر للانتظار أربع ساعات على الحواجز أثناء الدخول أو الخروج، فحتماً سيعدل عن فكرته”، قال دويكات.

انتقال حاد
المدينة نفسها ظهرت يوم الثلاثاء فارغة وهادئة. سمعت في الصباح الباكر أصوات إطلاق نار عند دخول قوة للجيش الإسرائيلي من أجل إجراء اعتقالات لمطلوبين، من بينهم إياد النابلسي، وهو شقيق إبراهيم النابلسي، من مؤسسي تنظيم “عرين الأسود” الذي قتل في عملية للجيش في البلدة القديمة في نابلس شهر آب. انتهى الحادث بسرعة نسبية، ولم يبلّغ عن إصابات. شوارع المدينة، بما في ذلك الميدان الرئيسي، ظهرت هادئة وفارغة.

لكن الانتقال من الصخب إلى الهدوء كان حاداً في المدينة. فجر الثلاثاء اشتعلت، حيث مواجهات وتبادل لإطلاق النار مع الجيش انتهت بخمسة قتلى وعشرين مصاباً. أثناء اليوم، تجمع في مركز المدينة أكثر من عشرين ألف شخص شاركوا في الجنازة الحاشدة مع إطلاق نداءات للثأر وإطلاق كثيف للنار في الهواء. الآن أصبح الأمر مختلفاً كلياً؛ فالمدينة هادئة مرة أخرى، والحركة في الشوارع خفيفة. يبرز بشكل خاص غياب الحركة في مركز المدينة أسواقها.


أبو عماد الحواري، وهو صاحب محل للملابس في وسط المدينة، جلس عاجزاً منذ عدة أيام، وقال بأن هذه التجربة تذكرنا بشيء من الماضي. “لقد شاهدت ماذا يعني انهيار المصلحة التجارية. في 1991 كنت في الكويت وكانت لي أعمال تجارية هناك. عند دخول القوات العراقية، تركنا كل شيء. رجعت إلى نابلس بعد بضع سنوات في محاولة للبدء من جديد”، قال. وحسب قوله أيضاً، فإن فك الحصار وحده لن يحل كل المشكلة. “لا أعرف متى سينتهي ذلك، لكن يجب على إسرائيل أن تفهم بأن الموضوع ليس موضوع تجارة واقتصاد. ففي نهاية المطاف، لا يمكن تجاهل واقع الاحتلال بكل تداعياته”، قال.


لا يمكن تجاهلهم
ما زالت نابلس تعيش جو الحداد. تظهر في عدد من الأماكن صور ورسومات غرافيك للقتلى. حتى لو كان الكثير من سكان المدينة لا يعرفون تشخيص نشطاء “عرين الأسود”، يبدو أن تأييد هذا التنظيم يزداد من يوم لآخر.


ناشط من الجبهة الشعبية في المدينة، أوضح في محادثة مع “هآرتس” بأن إسرائيل تقوم بفحص هذا التنظيم، لكن من خلال رؤية أمنية، وبهذا يفوتون بعداً مهم آخر يتعلق بمكانة التنظيم في أوساط السكان. “نحن في نظر إسرائيل ارهابيون. هذا كل شيء. إذا اغتالوا أو اعتقلوا المسلحين، فسينتهي الموضوع. لكن الأمر يظهر مختلفاً تماماً في الشارع الفلسطيني، فهذه حركة تحتل بعداً شعبياً”، أوضح هذا الناشط، وقال إن “هذا الدعم يخترق الفصائل والتيارات. حتى ممثلو السلطة الذين جاءوا إلى المدينة عبروا عن تقديرهم ودعمهم للتنظيم، لأنه ببساطة لا يمكن تجاهلهم”. وحسب قوله: “لا يوجد هنا مسلحون أمام جمهور. نحن معاً”.

زياد البندك، وهو من كبار نشطاء حركة فتح في المدينة، اتفق مع هذه الرؤية. “الضغط الاقتصادي والحصار لن يجعل الوضع أفضل، بل العكس”، قال. “إذا ظن أحد بأن هذا سيجعل الجمهور الفلسطيني ينقلب على هؤلاء المسلحين فهو مخطئ. تنظيم “عرين الأسود” هو في نهاية الأمر متكون من شبابنا وأولادنا. هذه ليست مليشيا أجنبية جاءت واستوطنت المدينة”.


وأشار البندك أيضاً إلى أن نشاطات التنظيم في الواقع “لن تؤدي إلى تحرير فلسطين”، لكنها تخلق انجرافاً شعبياً. “ما حدث في الضفة الغربية في الليلة التي تلت تصفية الشباب الخمسة لم نشاهده منذ فترة طويلة في الضفة. قد يهدأ هذا الحداد في القريب، وهذا يعني أننا سنشاهد في كل مرة جولة تلو جولة. لأن إسرائيل لا تريد معالجة الواقع البسيط الذي يقول بأن هناك احتلالاً يجب إنهاؤه