عاد ملف غاز غزة إلى الواجهة من جديد في ظل الحديث الإسرائيلي والفلسطيني الرسمي عن مفاوضات جديدة تجري بهدف تقاسم أرباح الحقل الموجود قرب شاطئ قطاع غزة واستخراج ما يطلق عليه فلسطينيًا بـ "الكنز الأسود".
ويتزامن الحديث في هذا الملف مع تفاعل الفصائل الفلسطينية في القطاع مع الملف خصوصًا حركة حماس التي تسيطر على غزة منذ عام 2007، عبر الإعلان الصريح عن نيتها تحريك هذا الملف بالتعاون مع أطراف إقليمية.
ويبدو أن الحركة تستلهم تجربة لبنان وحضور حزب الله اللبناني في ملف ترسيم الحدود البحرية في ما يخص حقل غاز كاريش، وتسعى لأن يكون لها نصيب في أي اتفاق محتمل في هذا الملف خلال الفترة المقبلة في ظل حراك مصري فاعل.
وخلال الأسابيع الماضية صدرت بعض الإشارات عن الحركة وفصائل المقاومة المتحالفة معها في هذا الملف عبر فعاليات بحرية قرب الحدود، رافقها التلويح بالخيار العسكري من أجل مناقشة ملف غاز غزة وإنشاء ممر بحري للقطاع على العالم.
وذكرت صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية في عددها الصادر أمس الخميس، أن كلاً من مصر والسلطة الفلسطينية وإسرائيل تجري اتصالات تهدف إلى بحث سبل استغلال حقل "مارين"، الذي يتواجد قبالة ساحل غزة. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الاتصالات تجرى بوساطة كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
اكتشافات الغاز
تعود أولى بدايات اكتشافات الغاز في القطاع إلى العام 1999، حينما تمكنت السلطة من اكتشاف أول حقل بوساطة شركات أجنبية، حيث تمَّ اكتشاف نحو 30 مليار قدم من الغاز الطبيعي، تدرّ أرباحًا بحسب الخبراء تقدَّر بنحو مليارَي دولار، إلا أن هذا المشروع سرعان ما توقف في أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.
ومع سيطرة الاحتلال على المياه الإقليمية الفلسطينية حرم الفلسطينيون من المشروع، حيث تنكر الاحتلال لبنود اتفاقية أوسلو التي نصت على حرية الملاحة للفلسطينيين حتى مساحة 22 ميلا بحريا، وقلص هذه المساحة تدريجيًا حتى وصلت إلى مساحات لا تتجاوز 9 أميال بحرية.
وبحسب سلطة الطاقة الفلسطينية فإن الحقل الذي اكتشف عام 1999 لا يبعد مسافة 36 كيلومترًا من شاطئ غزة، إذ شرعت شركة "بريتش غاز" البريطانية ببنائه عام 2000، بموجب عقد حصري منحته السلطة الفلسطينية عام 1999 لها ولاتحاد المقاولين (CCC)، للتنقيب عن الغاز في بحر غزة لمدة 15 عامًا، قبل أن يتوقف المشروع كليًا.
دور مصري وموافقات الاحتلال
في الأثناء، كشف رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية الفلسطينية في رام الله ظافر ملحم توقيع اتفاقية الشروط الرئيسية لتطوير حقل غاز غزة المعروف باسم "غزة مارين" مع الجانب المصري، في 4 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
ويقول ملحم لـ"العربي الجديد" إن الأطراف المشاركة في هذه الاتفاقية تتمثل في صندوق الاستثمار الفلسطيني واتحاد المقاولين الدوليين والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، دون أن يكون هناك أي دور للإسرائيليين فيها.
وحسب رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية، فإن الدور الوحيد للإسرائيليين في ملف غاز غزة سيكون منح الموافقات للحفر والعمل في الحقل دون أي تعطيل خلال فترة حفر الآبار والنقل التي ستبدأ بعد انتهاء كافة الإجراءات.
وعن الآلية التي سيتم بها استخراج الغاز، يشير ملحم إلى أنه سيتم حفر آبار في قاع البحر ومن ثم سيتم نقلها إلى محطة معالجة العريش في مصر لتصريف الغاز ومعالجته، في الوقت ذاته سيكون للسلطة الفلسطينية نسبة محددة من الأرباح.
ولم يحدد رئيس سلطة الطاقة في رام الله النسب التي ستحصل عليها السلطة الفلسطينية أو بقية الأطراف من تطوير حقل غاز غزة، إذ إن المبالغ من الممكن أن تتراوح بين مليار وملياري دولار فيما سيتوقف الرقم النهائي على السعر الذي سيتم به بيع الغاز.
حضور الفصائل الفلسطينية
أما عن حضور الفصائل الفلسطينية في ملف غاز غزة أو المطالبة بدور، يشير رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية الفلسطينية في رام الله إلى أن الحكومة الفلسطينية في رام الله تغطي أثمان الكهرباء الخاصة بالقطاع بواقع إجمالي يبلغ 40 مليون شيكل إسرائيلي من العائدات الضريبية بدلاً من فاتورة الكهرباء. (الدولار= 3.53 شواكل إسرائيلية)
ويرى ملحم أن فاتورة الكهرباء الحالية لا تكفي لتلبية احتياجات المواطنين في غزة بواقع 24 ساعة وبالتالي فإن أي مشروع يساهم في زيادة عدد ساعات الوصل أو تحويل محطة الطاقة للعمل بالغاز الطبيعي سيكون في صالح القطاع وسيكون في صالح أي جهة حكومية قائمة في القطاع، حسب قوله.
وعن إمكانية عرقلة الإسرائيليين للتنقيب في حقل غزة مارين، يلفت إلى أن مصر بذلت جهودًا مع الإسرائيليين بشأن هذا الملف حيث حصلت على موافقات مبدئية من أجل تطوير الحقل وعدم عرقلة العمل فيه.
ويعتقد الفلسطينيون أن السماح باستخراج هذا الغاز من شأنه أن يدر أرباحًا مالية ضخمة تساهم في تحسين واقع القطاع المحاصر إسرائيليًا للعام الخامس عشر على التوالي وتسهم في التخفيف أو إنهاء أزمة الكهرباء بشكل كلي.
أسباب فتح الملف
إلى ذلك، يرجع الصحافي والباحث في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر أسباب فتح الملف بعد قرابة عقدين من التوقف، إلى أزمة الطاقة العالمية المندلعة على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية وزيادة الطلب على الغاز خلال الفترة الأخيرة.
ويقول أبو قمر لـ"العربي الجديد" إن هذا السبب سيجعل الاحتلال يوافق على تطوير حقل غاز غزة لكن وفقًا لاشتراطات معينة قد يكون منها قرصنة الأرباح والعوائد المالية التي قد يتم تحصيلها حال تم التنقيب في الحقل.
وحسب الصحافي والباحث الاقتصادي، فإن صندوق الاستثمار الفلسطيني مطالب بالكشف عن تفاصيل وحيثيات أي اتفاقية محتملة لاستخراج الغاز لضمان عدم تكرار ما حصل في الاتفاقية التي جرت عام 1999 مع الشركة البريطانية.
ويرى أن الاتفاقية السابقة كانت مجحفة بشكل كبير نظرًا للنسب المتدنية التي تم من خلالها تقسيم العوائد، حيث كانت عوائد صندوق الاستثمار 10% فقط، فيما تحصل الشركة البريطانية على 60%، و30% تذهب لاتحاد المقاولين الدوليين.
ويؤكد أن الاستثمار في حقل غاز غزة سيؤدي إلى طفرة مباشرة وغير مباشرة في الاقتصاد الفلسطيني إذا ما تم تقسيم الأرباح وعوائد استخراج الغاز بنسب تعود بالمنفعة على الفلسطينيين، ودون أن تكون مشابهة للاتفاقية السابقة.
وحسب أبو قمر، فإن استخراج الغاز سينعكس إيجابًا على تفكيك بعض الأزمات من أبرزها ملف المحروقات بحيث تنخفض الأسعار بشكل كبير في ظل ضريبة "البلو" التي تدفع، إلى جانب ملف أزمة كهرباء غزة المتواصل منذ سنوات طويلة.
ويضيف الصحافي والباحث الاقتصادي إلى أنه في الاتفاقية السابقة مع الشركة البريطانية كانت التقديرات المباشرة للاستثمار تبلغ 6 مليارات دولار كإيرادات أولية وهو أمر قابل للزيادة مع الاستثمارات غير المباشرة من تشغيل أيد عاملة ودخول شركات أخرى للتنقيب.