في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية انسدادا كاملا، يقرّ الإسرائيليون باستحالة تجاهل الهوية الوطنية الفلسطينية اليوم، ورغم إقرارهم بأن إقامة الدولة الفلسطينية جزء أساسي من حل النزاع، لكنهم يزعمون أن تحقيقها اليوم سيشكل تهديدًا وجوديًا لدولة الاحتلال، ولذلك هناك دعوات لتأجيل إقامتها بزعم تهيئة ظروف المصالحة بين الجانبين، وفي الوقت ذاته فإن هذه الأصوات الإسرائيلية تعتبر أن الحل الأمثل للصراع هو وجود دولتين، خشية من سيناريو الدولة الواحدة.
لعل من الدوافع الإسرائيلية القوية لما يعتبرونه "تقسيم الأرض" هو التخوف من تنامي حضور فلسطينيي48، الذين يشكلون اليوم 20 بالمئة من سكان دولة الاحتلال، وفي الوقت ذاته تتزايد معدلات التشاؤم لدى الإسرائيليين بأنه حتى هذا الحل القائم على حل الدولتين، لن يتحصّل منه اعتراف فلسطيني عربي بحق اليهود في أرض فلسطين.
أرنون غروس ضابط المخابرات السابق، والصحفي في "صوت إسرائيل بالعربية" خلال 40 عامًا، أكد أنه "رغم اتفاقات السلام والتطبيع السائدة بين دولة الاحتلال وبعض الدول العربية، لكن القناعة الإسرائيلية أن الغالبية العظمى من العرب لا ترى أي حل للصراع سوى إبادة إسرائيل، ورحيل يهودها من هذه الأرض، حيث تلعب القومية الفلسطينية دورًا مركزيًا في هذه القناعات، لأن الوجود الفلسطيني بنظر الكثيرين في العالم العربي نقيض لوجود إسرائيل، والفلسطينيون بمثابة ضمانة لبقية العرب بأن إسرائيل ستختفي في نهاية المطاف".
وأضاف في مقال نشره موقع "زمن إسرائيل" العبري، أن "هذا هو المنطق يدفع الفلسطينيين للاستمرار بالاحتفاظ بصفة اللاجئ والمخيمات ووكالة الأونروا والتمسك بحق العودة للملايين المنتشرين حول العالم إلى فلسطين المحتلة، وطالما كان هذا هو الحال فلا توجد إمكانية للتوصل لحل للصراع، لأن أي تنازل إقليمي أو سيادي من جانب الاحتلال للفلسطينيين سيخدمهم، وسيعتبر نقطة انطلاق لاستمرار نضالهم ضدنا، وسيضعفنا، وعلى الأقل فإن هذا سيستغرق سنوات عديدة".
من الواضح أن الوقائع على الأرض اليوم تجعل من المستحيل ضم الغالبية العظمى من أراضي الضفة الغربية لدولة الاحتلال، لأن هذا من شأنه أن يضعف الأغلبية اليهودية فيها، وفي الوقت ذاته يبدو من المستحيل، في ضوء الانزياح اليميني الإسرائيلي، الانفصال عن المناطق الفلسطينية بشكل كامل، بزعم أن ذلك سيعرضها لخطر وجودي أكثر من الانسحاب من غزة، فضلا عن المعارضة الشعبية العربية والفلسطينية الحازمة لوجود دولة يهودية، وتهديد العناصر الإقليمية المعادية التي ستستغل المساحة الفارغة التي ستنشأ في الضفة الغربية، سواء تجاه إسرائيل أو الأردن.
الخلاصة أن المعضلات الإسرائيلية التي يطرحها الإسرائيليون تعني استحالة إيجاد حل للصراع مع الفلسطينيين في الوقت الحالي، مما يعني استمرار الصراع، واستنزاف الاحتلال، وجعله في حالة قلق أمني وعدم استقرار سياسي، وبالتالي فإن اللعب على عامل الوقت يعني زيادة المخاطر المحيطة بالاحتلال، وحينها قد لا يكتفي الفلسطينيون بما قبلوا به من تنازلات إسرائيلية سابقة، بل سيرتفع مستوى تطلعاتهم مع ضغط أمني ميداني على الاحتلال.
عربي 21