هآرتس: خمسة شروط لكي يتم قتل الفلسطينيين بهدوء!

الثلاثاء 06 سبتمبر 2022 04:38 م / بتوقيت القدس +2GMT
هآرتس: خمسة شروط لكي يتم قتل الفلسطينيين بهدوء!



القدس المحتلة/سما/

هآرتس - بقلم عميرة هاس        يريدنا “الجيش الإسرائيلي” أن نصدق أن هناك احتمالاً كبيراً أن يكون “جندي إسرائيلي” من وحدة النخبة في دوفدفان قد ارتبك واعتقد أن الصحفية شيرين أبو عاقلة كانت مسلحاً فلسطينياً (بسبب الخوذة على رأسها والدرع)، لذلك أطلق النار عليها من خلال منظار تلسكوبي، يكبر أربع مرات، من الجيب المحمي الذي كان يجلس فيه.

من وجهة نظر مدنية وليست عسكرية تبرز نتيجتان من عملية التستر الجديدة التي قام بها “الجيش الإسرائيلي” والمعروفة باسم “التحقيق”:

إحداها أنه إذا خلط جندي بين الصحفيين والمسلحين، وإذا سمح له قادته بمواصلة إطلاق ما لا يقل عن عشر رصاصات بسبب التشويش على الصحفيين، فإن وضع “الجيش الإسرائيلي” سيئ.


الاستنتاج الثاني هو أن مثل هذا الالتباس ممكن فقط لأن “الجيش الإسرائيلي” وقادته وجنوده يتعاملون بازدراء داخلي- يزداد سوءاً- بحياة المدنيين الفلسطينيين.
فالجنود مبرمجون ليكونوا “مرتبكين” ويفشلون مهنياً أيضاً، لأنهم معبؤون بالاعتقاد بأنهم الضحية، بينما السكان المدنيون الفلسطينيون، الخاضعون لحكمنا الأجنبي، هم المجرمون.

كما أن تحقيق “الجيش الإسرائيلي” لن يساعد “إسرائيل” في الخروج من قضية مقتل أبو عاقلة بشكل جيد.


فإعلان الناطق بلسان “الجيش الإسرائيلي” بشأن نتائج التحقيق الجديد في ملابسات مقتل الصحفية، التي تتمتع بخبرة في تغطية الاجتياحات والمداهمات العسكرية، يتجاهل حقيقة أنه قبل أن يقوم الجندي بإطلاق النار عليها وقتلها، أطلق -هو أو جندي آخر- النار على الصحفي علي السمودي وأصيب في كتفه.

كما تخطى إعلان المتحدث باسم “الجيش الإسرائيلي” والتقارير الصحفية حقيقة أنه قبل دقائق قليلة من إطلاق النار المميت، مرت مجموعة الصحفيين – وهم يرتدون الخوذات والسترات الواقية – بالجنود الذين كانوا داخل عرباتهم المدرعة.

أوضح الصحفي المخضرم علي السمودي لـ” بتسيلم “، والذي يتمتع مثل زميله أبو عاقلة، بخبرة في تغطية مثل هذه الأحداث وتعلم الاحتياطات الواجب اتخاذها لتجنب أن يصاب.

“كنا نسير في خط مستقيم، وعندما كانت أمامنا، على مسافة حوالي مائتي متر، كانت هناك عدة سيارات جيب عسكرية، وأردنا أن يرانا الجنود ويتعرفوا علينا كصحفيين”.

كما شهد صحفيان آخران كانا هناك وأدليا بشهادتهما لـ “بتسليم” – شذا حنيشة ومجاهد سعدي – أنهما كانا حريصين على القيادة بطريقة تجعل الجنود في الجيب يفهمون أنهم صحفيون، لو كانت هناك معركة لما تجاوزوا سيارات الجيب بهذه الثقة.

وبحسب “الجيش الإسرائيلي”، أطلق الجندي نحو عشرين رصاصة، عشرة منها على “المكان” الذي كانت تتواجد فيه أبو عاقلة، وبحسب “بتسيلم” أطلق الجنود نحو ست عشرة رصاصة باتجاه الصحفيين، من إحدى الطلقات الست الأولى أصيب علي السمودي، الذي اختبأ بسرعة خلف سيارة متوقفة، انسحب ثلاثة صحفيين آخرين، من بينهم أبو عاقلة، من مكان وقوفهم، ثم أطلقت عليهم سبع رصاصات وأصابت واحدة رأس أبو عقلة من الخلف.


وعندما حاول مواطن فلسطيني الهرب، أطلق الجنود ثلاث رصاصات أخرى تجاهه، فهل هو جندي واحد أم اثنان؟ لا نعرف.


هناك خمسة شروط ضرورية لمرور قتل وجرح مدنيين فلسطينيين على يد جنود “الجيش الإسرائيلي” بهدوء ودون تعقيدات إعلامية، ففي حالة مقتل أبو عاقلة لم يتم تلبية سوى أربعة شروط من الخمسة.

الشرط الأول:
أن يصدق “الجمهور الإسرائيلي” قصص رعاة البقر التي تسيطر على تفكيرهم وكأن جنود “الجيش الإسرائيلي” يتم إرسالهم إلى معارك، وحتى معارك متكافئة ضد خصم مماثل في القوة ليس لديه سبب أو مبرر لمعارضة الغزو العسكري إلى الحي الذي يسكن فيه.

كما يشير التحقيق المشوه الحالي إلى إطلاق نيران كثيفة… إلخ، على سيارات الجيب المضادة للرصاص التي كان الجنود يجلسون فيها.


وبالفعل قام العديد من الشبان الفلسطينيين، وخاصة في منطقة جنين ومخيم جنين، بشراء أسلحة لهم وتعهدوا بعدم السماح “للجيش الإسرائيلي” بغزو قراهم وأحيائهم دون مقاومة، وكأنهم صيادين في رحلات السفاري.

في اللقطات التليفزيونية، يبدو المسلحون مخيفين حقاً، فهم مقنّعون وفي أيديهم بنادق ضخمة، أحياناً ينجحون في إيذاء الجنود، لكن سمعتهم كأبطال بين الفلسطينيين، واستعدادهم للتضحية بأرواحهم في وجه عدو مجهز بأسلحة متطورة – التي ليست لديهم – ليست بديلاً عن التدريب والتطوير المستمر لتكتيكات القتال في ظروف حرب العصابات.

هناك مصادر في “الجيش الإسرائيلي”، ذكرت عن “التحقيق” ونقلت عن مصادر في “الجيش الإسرائيلي”، تحدثت عن إطلاق نار كثيف وعشوائي ومهدِّد للحياة جنود “الجيش الإسرائيلي” خلال معركة.

لا ينبغي التشكيك في الخوف الذاتي للجنود، لكن هل يمكن تصديق عناصر “التحقيق” في وصف “المعركة” التي يتم التعامل فيها مع جنود “الجيش الإسرائيلي” بأنهم مدنيون أبرياء حوصروا هناك؟

تظهر مقاطع الفيديو التي تم التقاطها في الوقت الفعلي والتي كان من ضمنها بث مباشر، وتم الحصول عليها ونشرها من قبل وسائل الإعلام الدولية (مثل CNN و New York Times)، أنه لم تكن هناك معركة من قبل وفي الوقت الذي أطلق فيه الجندي المشوش النار على أبو عاقلة والسمودي.

إذ أصاب الرصاص سيارات الجيب فلم يحدث في ذلك الحين (لحظة إطلاق النار على أبو عاقلة والسمودي)، إذاً ما هي المعركة التي قيل لنا عنها؟

الشرط الثاني
المطلوب لمرور مقتل مواطن فلسطيني بالكامل تحت الرادار هو أن “الجمهور الإسرائيلي” لن يصدق روايات شهود العيان عن الفلسطينيين والتحقيقات المستقلة، سواء من قبل الصحافة الأجنبية أو من قبل منظمات حقوق الإنسان.

حتى بعد نشر هذه التحقيقات وغيرها من التحقيقات الصحفية المستقلة، لا يزال بإمكان “الجيش الإسرائيلي” الاختباء وراء نظرية “العرضية” و”الاحتمالية العالية”، هذا على وجه التحديد لأنه يشعر بأنه محمي بفضل نفس عدم الثقة والازدراء “الإسرائيليين” لأي اكتشاف فلسطيني.

الشرط الثالث
هو “التجاهل الإسرائيلي” الجماعي والمتسق للقائمة الطويلة للمدنيين الفلسطينيين الذين قتلهم وجرحهم جنود “الجيش الإسرائيلي” وقوات حرس الحدود والشرطة، وهذه قائمة تلمح إلى نمط تعليمات إطلاق النار المتساهلة للغاية.

“بتسيلم” توثق كل حالة وبعض الحالات يلفت انتباه قراء “هآرتس”، وهذا كل شيء.


القضية المبلغ عنها لا تتحول إلى أجراس تحذير، لا للجمهور ولا للكنيست ولا للنيابة العامة ولا للمحاكم، فلماذا يتغير “الجيش الإسرائيلي”؟

الشرط الرابع
هو الإشارة إلى مهمة القوات الأمنية (الجيش، والشاباك، والقوات الخاصة، والشرطة) كحراس ومدافعين عن المشروع الاستيطاني بطبيعة الحال، وبما أن المشروع الاستيطاني يتوسع دون معارضة دولية، فإن المزيد والمزيد من “الإسرائيليين” يستفيدون منه بشكل مباشر أو غير مباشر، وهي حالة طبيعية على ما يبدو وبما أن كل منزل “إسرائيلي” تقريباً لديه ابن في الجيش، والتضامن التلقائي معه، فإن القدرة المعرفية للتشكيك في الحياة الطبيعية على ما يبدو تالفة ومشلولة.

الجندي دائما على حق وهذا هو السبب في أن “الجيش الإسرائيلي” على حق دائماً (ما لم يسئ القادة معاملة جنودهم، أو يقدمون لهم طعاماً غير صالح للأكل، أو حينما يغضب الوالدان).

الشرط الخامس
هو عدم الكشف عن هويات الضحايا الفلسطينيين، عندما يُصاب “إسرائيلي” في هجوم من نوع ما، يكون معروفاً على الفور وقريباً من “الجمهور الإسرائيلي”: بقصة حياته، مع السياق الاجتماعي الذي يُفهم حتى دون شرحه.

عندما يكون القتلى والجرحى فلسطينيون – حتى لو تم نشر أسمائهم – يكونون أجانب، ولا توجد أي من التفاصيل القليلة المعروفة التي تثير ارتباطات المودة والتضامن، في حالة أبو عاقلة، هذا هو بالضبط الشرط الذي لم يتحقق.

فهي مواطنة أميركية وأيقونة إعلامية لمئات الملايين من مشاهدي قناة الجزيرة، أصبحت مألوفة حتى لمن لم يعرفها من قبل.


ومع ذلك لم يكن هذا كافياً لعدم التستر على “الجيش الإسرائيلي”، بل إن تجاهله لمقاطع الفيديو التي توثق الأمر في الوقت الفعلي وروايات شهود العيان للفلسطينيين – التي نشرتها وسائل إعلام أجنبية موثوقة ومحترمة – يعزز الشكوك حول سبب التستر في هذه الحالة.

صحيح أن هذا جندي أو (جنود) اختلط عليه الأمر وارتكب خطأ، أم أنه مجرد إصبع خفيف على الزناد كإجراء روتيني، ولا توجد نية لتغييره لأنه جزء من نظام الحكم الضروري للنهوض بالمشروع الاستيطاني.

الهدهد