مع تصاعد الحديث عن قرب التوصل لاستكمال الصيغة النهائية للاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، يزداد اشتعال سوق النفط العالمي الذي ينتظر على ما يبدو فتح صنبور النفط الإيراني.
وأكدت صحيفة عبرية، أن "الاتفاق النووي سيمكن طهران من العودة لتسويق النفط، في حين، تخشى السعودية من قيام إيران بخفض الأسعار، لأن ذلك سيعرض مشاريعها المستقبلية للخطر".
السعودية تستعد لحرب أسعار
وأوضحت صحيفة "هآرتس/ ذي ماركر" في مقال نشرته للكاتب تسفي برئيل، أن إيران والدول العظمي "وصلت إلى نقطة اللاعودة بشأن الاتفاق، ومشاعر نهاية السباق يمكن الشعور بها في العصبية وعدم اليقين الذي يميز مؤخرا سوق النفط".
ونوهت إلى أن "السعودية سلمت بالاتفاق، وأجرت جولات محادثات مصالحة هذا العام مع ممثلين إيرانيين رفيعي المستوى في بغداد، من أجل استكمال استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وتنسيق استراتيجية تسويق النفط قبل التوقيع على الاتفاق".
وأضافت: "سبقتها في ذلك الإمارات، التي قبل نحو لأسبوعين عينت سفير لها في إيران، وبذلك خرقت التحالف العربي المناهض لإيران، الذي لم ينجح في إحداث انعطافة في سياسة طهران".
وتوقعت الصحيفة، أن يساهم الاتفاق النووي في "رفع معظم العقوبات عن إيران التي فرضت عليها في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ وهذا سيفتح سوق النفط العالمي أمام إيران، وسيمكنها من القيام بتجارة دولية وتسلم نحو 100 مليار دولار، المجمدة في حسابات بنكية في الخارج، وتجنيد استثمارات ضخمة لتطوير آبار النفط وحقول الغاز فيها والبنى التحتية".
ونوهت إلى أن "إيران في ظل العقوبات نجحت في تسويق 500- 800 ألف برميل نفط يوميا، بالأساس للصين، وعند التوقيع على الاتفاق، يمكنها تغذية السوق بأكثر من 50 مليون برميل في المرحلة الأولى من الاحتياطي الموجود، وبعد ذلك يتوقع أن تزود السوق بنحو 2.5 مليون برميل يوميا، وبعد الترميم يمكن زيادة الانتاج لأكثر من 3.5 مليون برميل يوميا؛ وهذه يشرى سيئة بالنسبة للسعودية".
ولفتت إلى أن "إيران سترغب في إعادة زبائن قدامى مثل؛ الهند وكوريا الجنوبية وروسيا، وستضطر لمنحها تسهيلات حقيقية وستضع السعودية ودول الخليج أمام منافسة أسعار يمكن أن تضر ببرامجها للتطوير والتمويل"، مرجحة أن يساهم دخول إيران لسوق النفط في خفض الأسعار.
وأشارت إلى أن "ميزانية السعودية تعتمد على سعر 80 دولارا لبرميل النفط، وخفض كبير يمكن أن يودي بها إلى عجز عميق في الميزانية، مع إعاقة برامج بناء المشاريع الضخمة التي يخطط لها ولي العهد محمد بن سلمان حتى نهاية هذا العقد".
مركز دولي جديد للغاز
ورأى المقال، أن "حرب الأسعار التي يتوقع أن تشتد بعد التوقيع على الاتفاق النووي؛ هي فقط أحد التحديات الاستراتيجية التي تضعها إيران أمام الاقتصاد العالمي"، موضحة أن "إحدى نتائج القمة المهمة التي عقد في طهرنا، وحضرها إلى جانب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين؛ التوقيع على مذكرة تفاهم بين روسيا وإيران حول التعاون لتطوير حقول الغاز في إيران باستثمار روسي يبلغ نحو 10 مليارات دولار، إضافة إلى استثمارات روسية في حقول النفط بنحو 30 مليار دولار".
وبحسب تقارير في وسائل الإعلام الإيرانية، فإن "برنامج التعاون طوح أكثر من ذلك، والقصد هو تشكيل منظمة إقليمية تشبه "الأوبيك" لتسويق الغاز، تضم إلى جانب روسيا وإيران، أعضاء من دول أخرى في المنطقة"، بحسب ما نقله الصحيفة العبرية التي أكدت أن "إيران مع تطوير بنى تحتية مناسبة، ستستطيع البدء بتسويق الغاز لدول مجاورة من بينها العراق وتركيا والأردن، حيث الآن يتم بناء أنبوب غاز يربط إيران مع باكستان بتمويل روسي".
وشكك في قدرة روسيا "تمويل تنفيذ هذا المشروع، في الوقت الذي ما تال الحرب في أوكرانيا مشتعلة، وهي نفسها غارقة تحت عقوبات دولية، وفي المقابل، التعاون مع إيران يمكن أن يشق لروسيا الطريق لتجاوز العقوبات، التي من خلالها تستطيع روسيا أن تنقل الغاز لإيران وأن تكون متحررة من العقوبات، وتبيع بواسطتها الغاز الروسي، حتى للدول الأوروبية، وهكذا تستطيع إيران أن تشكل مركز تسويق عالمي للغاز؛ يعمل تحت سيطرة روسية".
وقال: "من شأن استراتيجية الغاز الإيرانية، أن يكون لها تأثير بعيد المدى على التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط وعلى اتفاقات تجارة الغاز التي تم التوقيع عليها بين منتجات الغاز مثل؛ إسرائيل ومصر وبين زبائنها في أوروبا".
احتكار صيني يعيق إيران
ونبه المقال إلى أن "إيران وقبل أن تتحول لمزودة عالمية للغاز، هي ستجد نفسها أمام الاتفاق طويل المدى الذي وقعت عليه قبل نحو سنة ونصف مع الصين، حيث تعهدت الصين بأن تستثمر في إيران نحو 400 مليار دولار على مدى 25 سنة، مقابل احتكار شبه كامل لإنتاج الغاز والنفط في إيران، ورغم أن تفاصيل الاتفاق لم تنشر علنا؛ إلا أن تسريبات عن مضمونه تتحدث عن نسبة تخفيض تصل إلى 12 في المئة ستحصل عليها الصين على الغاز والنفط الذي ستشتريه من إيران".
ولفت إلى أن "الصين أيضا، يمكنها إرسال جنود إلى إيران من أجل الدفاع عن منشآت التنقيب والإنتاج، وتستطيع إقامة قواعد عسكرية في عدد من الجزر بجنوب إيران، ومن غير الواضح كيف سيتساوق تطبيق هذا الاتفاق مع مذكرة التفاهم التي وقعت عليها إيران مع روسيا، ومع توقها لبيع الغاز للدول الأوروبية، وأيضا مع فكرة إنشاء منظمة تشبه "الأوبيك"، هدفها تركيز تسويق الغاز تحت سقف إيران وسيطرة روسيا".
وأضاف: "صحيح أنه حتى لو باعت إيران كل نفطها للصين، وهذا سيناريو نظري حتى الآن، فإن كميات كبيرة من النفط ستتحرر، التي تشتريها الآن الصين من مصادر أخرى، وهذه ستبحث عن أسواق جديدة، والتأثير المتوقع من هذا السيناريو؛ أن دولا مثل السعودية وأعضاء "أوبيك" الآخرين سيضطرون للتقليص بصورة كبيرة تصدير النفط من أجل الحفاظ على مستوى معقول من أسعار الحد الأدنى التي تسمح لها بتمويل احتياجاتها الجارية".
وإزاء هذه التنبؤات، يقدر اقتصاديون في السعودية، أن "هذا الذعر سابق لأوانه، لأن سوق النفط ستعرف دائما كيفية موازنة نفسها، والكميات التي تستطيع إيران تزويدها، على الأقل في السنة القادمة، هي فقط ربع إجمالي إنتاج السعودية الآن، الذي يبلغ 12 مليون برميل يوميا"، بحسب المقال ذاته.