أكد عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين خالد البطش متانة العلاقة التي تربط حركته بإيران وبحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بوصفيهما شركيين أساسيين في مشروع المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وقال البطش في حوار مع الجزيرة نت إن إيران هي الداعم الأكبر لحركة الجهاد الإسلامي والمقاومة الفلسطينية، لكنها أسمى من التدخل في شؤون المقاومة، ويبقى قرار الحركة وطنيا فلسطينيا بامتياز، ونخوض معاركنا مع المحتل وفق رؤيتنا الفلسطينية الخالصة.
وبشأن دور حماس في المواجهة الأخيرة التي أطلقت عليها حركة الجهاد الإسلامي "وحدة الساحات"، قال البطش إن حماس دعمت المواجهة مع المحتل سياسيا وإعلاميا ولوجيستيا، ولعبت دورا مهما في تأمين الجبهة الداخلية، والعدو يدرك أننا "نحن فصائل المقاومة نكمل بعضنا بعضا".
وفيما يلي نص الحوار:
أطلقتم على عملية التصدي للعدوان الإسرائيلي الأخير اسم "وحدة الساحات"، ماذا يعنيه ذلك؟ وهل تحقق لكم ما أردتم؟
هذه التسمية جاءت امتدادا لمعركة سيف القدس، وهي أحد تجلياتها، حيث شعرنا بعد سيف القدس أن الشعب الفلسطيني ومكوناته بساحاته المختلفة في الضفة والقدس والداخل وفي الشتات، ومعنا جماهير الأمة، يقاتل تحت عنوان واحد وهو مسجد المسجد الأقصى المبارك، وكان أحد تجليات تلك المعركة تحقيق "وحدة الساحات" والتكاثف في دعم وإسناد المقاومة في غزة.
إذن، مواجهة "وحدة الساحات" الأخيرة جاءت استكمالاً لمعركة سيف القدس، وهي رسالة واضحة لتمسك المقاومة بوحدة الشعب الفلسطيني، وتقاطع بنادق المقاومة في كل الساحات على أرض فلسطين في مواجهة العدو الصهيوني.
وعندما ترصد رد المجتمع الصهيوني على هذه الجولة، وعندما تضرب 58 مستوطنة داخل فلسطين المحتلة، وتدوي صواريخ المقاومة في مدن العدو، وعندما تصل الصواريخ لمطار بن غوريون دون أن ترصدها القبة الحديدية، وعندما يتخذ العدو قرارا بإخلاء كل مستوطنيه من غلاف غزة، ويبدأ بطلب وقف إطلاق النار، هذه كلها مؤشرات على أن الجولة في الاتجاه الصحيح، وأننا حققنا أهدافنا بردع العدو بعد اغتيال (قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) تيسير الجعبري، و(قائد المنطقة الجنوبية في السرايا) خالد منصور ورفاقه، وتأكيد مواقفنا ومبادئنا، وتحملنا تكلفة الجهاد والمقاومة، وترسيخ مفهوم أن الطريق للقدس والعودة لا يمر بالمفاوضات والتطبيع.
ما مكاسب وخسائر الجهاد الإسلامي من هذه الجولة؟
في مسار التحرير لا تقاس الخسائر بجولة أو جولتين، وهي ليست عملية حسابية إحصائية تقاس بعدد الشهداء هنا وعدد القتلى لدى العدو، والدمار هنا أو هناك، وإنما عملية تراكمية تفضي بالنهاية إلى إجبار الاحتلال على الرحيل.. نحن نقاوم على قاعدة إلحاق الضرر والخسائر بالعدو حتى لا يكون احتلاله لنا مريحا ومجانيا، ولذلك نحن كسبنا ثقة شعبنا أولا، وكسبنا مبادائنا وأخلاقنا، وأننا لا نزال على محور النور والنار، ولم نقدم تنازلات في أدق التفاصيل.
كما كسبنا تعاطف شعوب الأمة، وتقدير الناس بأن الجهاد تقود هذه المواجهة بكل قوة وشجاعة، وبمقدرات لم يكن يتوقعها العدو من حركة الجهاد، وهذا يعطي ثقة لكل قوى المقاومة، ويؤسس لثقافة أنه إذا كانت الجهاد خاضت هذه المعركة مع العدو بهذه القوة، فما بالنا لو كانت معركة كبرى تخوضها جيوش نظامية، فإن هذا الكيان الهش لن يصمد.
كيف تردون على اتهامات البعض لكم بخوض مواجهة غير متكافئة وفي توقيت حدده العدو؟
لم ندع قط أننا نمتلك قوة متكافئة مع العدو، نحن شعب تحت الاحتلال ونسعى لطرده بكل الوسائل، ونسعى أن نحدث فرقا في قوة الردع، ما يحدث أن المقاومة في فلسطين هي محاولة لخلق حالة من تواز الرعب حتى يتوقف المحتل عن قتل شعبنا وقادتنا، ونحن ندرك أن الفرق في ميزان القوى كبير بيننا وبين العدو لصالحه، وكل ما نتمناه للأمة أن تأتي اللحظة المناسبة لإحداث تغيير في ميزان القوى يخدم معركة تحرير فلسطين، وما نريده من الأمة استعادة قوتها وعافيتها، وأن يتغير ميزان القوى بما يسمح بإدارة معركة قوية مع إسرائيل.
وبخصوص التوقيت، لسنا دولة أو جيشا لنخوض المعارك بإستراتيجيات نضعها من جانب واحد، وأحيانا تفرض عليك تطورات الميدان خوض المواجهات، ظروف الميدان لا تخضع غالبا للحسابات والتوقيتات، ونحن أعلنا الاستفنار في البداية للضغط لإنقاذ حياة الأسير خليل عواودة، وردا على خبر اغتيال الشيخ بسام السعدي، ولكننا لم نطلق رصاصة واحدة، حتى اغتالت إسرائيل القائد الجعبري، وبالتالي اندلعت المواجهة.
ما حدود علاقتكم بإيران؟ ومدى تأثيرها على قراركم الوطني الفلسطيني؟
الأخ أبو طارق (الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة) كان له دعوة لزيارة إيران قبل التطورات الأخيرة، وقبل اشتعال المعركة كان في لقاء بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ولا علاقة للزيارة بالأحداث في غزة، وهي زيارة بروتوكولية محددة مسبقا، وأؤكد أنه لا يوجد تدخل من إيران أو غيرها في قراراتنا، وقرارنا وطني فلسطيني بامتياز، نخوض المعارك وفقا لرؤيتنا، وندعو الأمة إلى حذو إيران في دعمنا، وليدعموا المقاومة بالمال والسلاح والخبرات ونحن نقبّل رؤوسهم، لكن النقد وتوجيه الاتهامات غير مقبول، وإيران تدعمنا بالمال والسلاح والتدريب وبالسياسة وبما لا تقدمه الأمة كلها للمقاومة الفلسطينية، وبالتالي غير مقبول اتهامنا بتوجيهات إيرانية، هذا أمر غير صحيح، وإيران أسمى من ذلك، إنها تدعمنا علنا، ولا نقبل التشكيك في وطنيتنا، ولا ننتظر من يقول لنا متى وكيف نقاتل إسرائيل.. ورغم كل ذلك نوجه التحية للشعوب العربية والإسلامية، فهي حاضتنا الشعبية، ونحن امتداد لها ورأس حربة الأمة في مواجهة العدو الصهيوني.
تلقت المقاومة خسارة مؤلمة باغتيال قائدين بجحم الجعبري ومنصور، كيف سيؤثر ذلك على الأداء العسكري لسرايا القدس في المرحلة المقبلة؟
نحن حركة وطنية بمرجعية إسلامية، والجعبري ومنصور والشهيد إبراهيم النابلسي في الضفة هم قادة المقاومة للشعب الفلسطيني، وهم امتداد لكل الشهداء القادة من قوى شعبنا، هذه سلسلة ذهبية أخذت على عاتقها مقاومة المحتل، ودماء الشهداء هي ضريبة الوطن والدين، صحيح أن قتلهم خسارة كبيرة لنا، ولكننا نؤمن بشعار أن القائد سيخلفه ألف قائد، وسيحمل الراية من بعده قائد جديد.
ما احتمالات خوضكم مواجهة جديدة لو قررت إسرائيل الإبقاء على السعدي في السجن، أو حدث مكروه للأسير المضرب عن الطعام خليل عواودة؟
الجهاد منذ بداية الأحداث تلقت خبرا من جنين من محيط الشيخ بسام بأن الاحتلال أطلق النار وأصابه في بطنه، وبالتالي مباشرة اعتبرت الجهاد أنه قرار إسرائيلي باغتيال الشيخ، فأعلنت سرايا القدس الاستنفار ردا على خبر الاغتيال، وبعد سويعات اتصل بنا الجانب المصري وأخبرنا أن إسرائيل اتصلت به وأن الشيخ بسام لم يصب وأطلعنا على صور من الجانب الإسرائيلي، وتأكدنا من سلامته، وبعد ذلك تواصلنا مجددا مع المصريين وطلبنا التدخل لإنقاذ حياة الأسير عواودة لوجود قرار إسرائيلي بقتله وإنهاء ملف إضراب المعتقلين الإداريين، إذ وجدناها فرصة لإنقاذ حياته، وتدخل الوسيط المصري عبر حوارات ليومين لإنهاء الاستفنار وإنهاء معاناة خليل، وفي صباح الجمعة (قبل ساعات من بدء العدوان) اتفقنا على إنهاء الاستنفار مقابل ضمانات مصرية لإنهاء معاناة عواودة، لكن ما حدث أن إسرائيل وفي اللحظة الأخيرة ذهبت في تجاه تحويل الأمر إلى ملف انتخابي داخلي عبر اغتيالها الجعبري، الذي كان متوجها من مكان لمكان بهدف إنهاء الاستنفار، وبالتالي المواجهة حدثت ردا على اغتياله، وليست ردا على اعتقال الشيخ بسام.
ما حدود مشاركة حماس في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل؟
المعركة هي معركة الشعب الفلسطيني، وليست معركة الجهاد وحدها، ونحن في صراعنا مع المحتل نتسابق في ميدان الجهاد والمقاومة، وفي حالة تنافس حميدة مع قوى المقاومة، وحماس في هذه الجولة قدمت ما يعزز صمودنا وقوة المقاومة، وأنا لست مسؤولا عسكريا على دراية بتفاصيل الميدان، لكن يمكن تأكيد أن حماس ساندتنا إعلاميا وسياسيا في حماية المقاومة، وعلى مستوى الحاضنة الشعبية، وقدمت دعما لوجيستيا، وقامت بدور مهم في تأمين الجبهة الداخلية وجبهة المقاومة، وهو دور لا يمكن أن نغفله، وبالتالي لا تقاس الأمور بلحظة ما، والمسار التاريخي للعلاقة مع حماس مسار ثابت، والعدو يعرف أننا نكمل بعضنا بعضا.
دأبت حماس على تأكيد متانة علاقتها بكم، من جانبكم كيف تصفون هذه العلاقة؟
كان للعدوان على غزة 3 أهداف إسرائيلية معلنة، وهي: فصل الساحات بمعنى أن كل منطقة فلسطينية تقاتل عن نفسها وتداوي نفسها بنفسها، ودق الأسافين بين حماس والجهاد، والتنافس في ملف الانتخابات الإسرائيلية. السؤال: هل سنحقق لهم ما أرادوا؟ يجب على كل عاقل ووطني أن يحمي العلاقة بين الحركتين، وأن لا يسهم في دق الأسافين وإحداث شرخ في هذه العلاقة.
بعيدا عن المواجهة الأخيرة، تتفقون مع حماس في كثير من القضايا، ما الذي يمنع الاندماج والوحدة بين الحركتين؟
العلاقة مع حماس والمقاومة يجب أن تبقى إستراتيجية مهما أصابها من بعض الخلل في محطات ما، فما بيننا من مشتركات وقواسم كبير جدا، ويجب حماية هذه العلاقة ومعالجة كل خلل يصيبها أولا بأول، وبكل تواضع أقول إن سرايا القدس وكتائب عز الدين القسام (الذراع العسكرية لحركة حماس) هما العامود الفقري لمشروع المقاومة في فلسطين، ولن نسمح أن تنحرف البوصلة.. ويجب التأكيد أن العلاقة مع حماس تحسنت بعشرات المرات إلى الأمام عما كانت عليه في السابق، ونحن معنيون باستعادة الوحدة الوطنية ككل، ووظيفتنا المعالجة المستمرة لأي خلل، وليبقى التناقض الرئيسي مع الاحتلال، ولن نسمح بالانسياق مع مخططات زرع الفتنة ودق الأسافين بين مكونات الشعب الفلسطيني.
يشكك البعض في فعالية "غرفة العمليات المشتركة للمقاومة"، ما موقفكم من الغرفة في ضوء التصعيد الأخير؟
الاحتلال يهدف إلى هدم القواسم المشتركة بين قوى المقاومة، وأحد عناوينها غرفة العمليات، ونحن نتمسك بها، وما زلنا نعتبرها أداة تجمع القوى وأنها أحد تجليات العمل المقاوم على أرض فلسطين، وأجرت مناورات مهمة كالركن الشديد الأول والثاني، وما زالت سرايا القدس شريكا رئيسيا فيها، وبغض النظر عن الملاحظات سلبا أو إبجابا على أدائها، فإن لدينا قرارا بتعزيز القواسم الوطنية، ويجب حماية غرفة العمليات المشتركة.
كانت النظرة لغرفة العمليات في بداية تأسيسها بأنها نواة لهيئة أركان المقاومة، كيف تقيم هذه التجربة بعد 4 سنوات على التأسيس؟
لو حصل خلل في بيت ما لا نهدم البيت، وإنما نصلحه، ولا أرى أنه يمكن الاستغناء عن الغرفة، ولكن يجب المحافظة عليها وحمايتها وتعزيز دورها، وإذا سجل عليها البعض ضعف الأداء في لحظة ما، فإن لها دورا كبيرا في باقي اللحظات.. موقفنا حماية القواسم وتعزيز العمل الوطني المشترك، والغرفة أحد مظاهر الوحدة الوطنية بين أذرع المقاومة، ويجب الارتقاء بها لتصبح هيئة أركان، وهو أمر متروك للقادة العسكريين.
كيف تقيم أداء سرايا القدس والمقاومة في المواجهة الأخيرة؟
العدو هو من بدأ بالقتل، وهو المسؤول عن كل شلال الدم، وعن كل صرخة طفل في غزة، فقد شنّ الاحتلال 190 غارة خلال ساعات العدوان، ويجب أن لا ينسى الجميع أن إسرائيل تستخدم القبة الحديدية ومنظومة الليزر لتوجيه الصواريخ نحو قطاع غزة، وتتعمد إطلاقها نحو غزة وليس نحو الأعلى لإسقاط صواريخ المقاومة، وقد سقطت صواريخ هذه المنظومة فوق منازل سكنية وقرب منشآت مدنية، وهدف العدو هو ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة.
ما فرص تمدد وتطور المقاومة في الضفة الغربية؟
من أهداف العدو من عدوانه الأخير هو قطع دابر حركة الجهاد في الضفة بتوجيه ضربة استباقية تشغلها بنفسها، وتقطع تواصل الجعبري ومنصور مع كتائب سرايا القدس في الضفة، التي بدأت بالتنامي منذ تشكيل الكتيبة الأولى في مخيم جنين، التي بثت الأمل في نفوس الناس.
لابد للضفة أن تعود لدورها باعتبارها قلب المشروع الوطني وحامية القدس، فالصراع هناك وجها لوجه مع المحتل، وهو ما تدركه سرايا القدس عبر تشكيل كتائبها في مدن الضفة، وخوض أشرس المعارك مع الاحتلال، وجغرافيا المقاومة المسلحة في اتساع مستمر، رغم محاولات المحتل لنزع الضفة من دورها، وإشغالها بنفسها بالسلاح المنفلت ونزاعات العشائر، وفي المقابل وظيفتنا مشاركة الكل الوطني وإعادة توجيه السلاح في الضفة، وهي قادرة على قيادة المواجهة مع المحتل من النقطة صفر.