بدع جديدة مع التوجيهي..سما حسن

الخميس 16 يونيو 2022 02:44 م / بتوقيت القدس +2GMT



عاماً بعد عام كنتُ أتوقع أن يقل الاهتمام بـ "التوجيهي" وأن تمر هذه الأيام الخاصة بامتحاناته مثل أي أيام عادية، مثل أي عام دراسي، ومثل أي امتحانات نهائية. كنتُ أتمنى ألا يتم تحميل هذه السنة نتيجة تعب كل السنين الماضية من عمر الطالب، وتجاربي السيئة الأربع مع أولادي خيرُ دليل ومثال على ذلك.
 في كل عام أو كل موسم، لو توخينا الدقة، أتوقع ان يتم التقليل من التحضيرات للتوجيهي التي لا تسبب سوى المزيد من توتر الطلاب، سواء أكان ذلك على صعيد الأُسر أم  وسائل الإعلام أم المختصين وكذلك الطالب نفسه، لكن للأسف أيضاً فالطريق الذي تم رسمُه منذ عقود حول تهويل أهمية التوجيهي واختيار هذا الاسم له بالذات لأنه يوجّه مصيرَ الطالب لم يقلّ، بل يزداد بحيث يترك أثره السيئ ونتائجه المترتبة على الطلاب وعوائلهم بشكل كبير وغير مبهج على الإطلاق.
في كل عام نسمع عن حالات انتحار أو محاولات إنهاء حياة، سواء خلال أيام الامتحانات المُرعبة أو التي تثير الأعصاب أو قبلها أو عند ظهور النتائج وما يتبعها من خيبات بالنسبة للطلاب وعوائلهم أيضاً، لذلك فنحن ننادي ونناشد كل عام بضرورة تغيير نظام التوجيهي، والتوجُّه لاعتماد طريقة جديدة لتقرير أهلية الطلاب وتوجههم نحو التعليم الجامعي، لكن ذلك لا يحدث بل على العكس، وعلى الرغم من ان النتائج تكون مفاجِئة في بعض الأحيان، فإن ذلك لا يعني ان كل هؤلاء الطلاب الحاصلين على معدلات عالية مناسبون تماماً للتخصصات الجامعية التي يختارها لهم الآباء والأمهات ووفق أُمنيات الأجداد والجدات.
في كُلِّ عام نتمنى ان يقل شد الأعصاب بالنسبة للطلاب لكن ذلك لا يحدث، وهذا العام شهد بدعةً جديدة تأخذنا نحو طريق الانحدار ولا تبشر إطلاقاً بأن هناك نيةً او رغبة من قبل الأهالي وأولياء الأمور لتقليل توتر أولادهم وشد أعصابهم وتوجيههم التوجه الصحيح في أيام التقدم للامتحان.
ظهرت بعض الأمهات في الشوارع وعلى الأرصفة وقارعات الطرق القريبة من قاعات الامتحان وهن يجلسن لتلاوة القرآن الكريم مع التأكيد والتوصية بقراءة آيات وسور معينة، وقد التقطت وسائل الإعلام التي تنتظر خارج القاعات لحظات خروج الطلاب الأولى ورصد ردّات فعلهم وانطباعاتهم عن الامتحانات.
ظهور هؤلاء الأمهات ذكّرني بأجواء بعض الأفلام المصرية الكوميدية، وكيف يستعين بعض أولياء الأمور بالمشعوذين والدجالين لمرافقة الأبناء حتى باب المدرسة، لكي يقوموا ببعض حركات الدجل والنصب وسحب بعض الأموال، بإطلاق البخور بحجة فتح عقول الطلاب وزيادة قدرتهم على الإجابة وجلب الغائب من العلوم والحساب إلى عقولهم.
لا يُعقل أن يتم هذا السلوك في هذه السنوات ونحن نطالب بتغيير جذري أكثر مما مضى على نظام التوجيهي، وبضرورة التقليل من أعداد المقبولين لكليات بعينها بسبب تراكم آلاف الخريجين منها، وعدم توفير فرص عمل لهم وضخهم إلى أسواق العمل غير المناسب، أو للبطالة المقنعة التي تسحب أعمارهم ومالهم.
ليس من المعقول أن تقوم هؤلاء الأمهات مهما بلغ بهن الحرص والخوف على أبنائهن بهذا الفعل، والتستُّر خلف الدين أو اللجوء إليه عند مشكلة أو مصيبة، أو تصديق ما يتم ترويجه من أدعياء الدين على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة من خلال تطبيق "التيك توك" بأن هناك سُوَراً معينة لجلب الرزق وسُوَراً معينة للتركيز والحفظ، وأخرى لزواج البنت ورابعة لتسهيل وتيسير بيع البيت او البضاعة الكاسدة.
 هذه البدعة الواردة والدخيلة التي يجب وقفها بكل الطرق والعمل على عدم تكرارها في أيام الامتحانات القادمة وكذلك في الأعوام القادمة، لأن الدعاء واللجوء إلى رب العباد يجب ان يكون دائماً وفي السعة والضيق، كما أن رب العباد يكون موجوداً وسميعاً لدعاء الأمهات المرهَفات والمتعَبات في كل مكان، في غرفهن المغلقة وفي مطابخهن العابقة برائحة القلي والشوي، وفي باحات بيوتهن حيث يُقمن صلاتهن، ولا يمكن أن نقبل بمثل هذا المشهد مهما كان الحرص والحب، ولأن معظم النار من مُستصغَر الشرر.