في خضم الحرب الإسرائيلية الدامية على لبنان وتحديدا يوم ١٤ تموز ٢٠٠٦، خطب السيد حسن نصر الله قائد حزب الله قائلا: «المفاجآت التي وعدتكم بها، سوف تبدأ من الآن، الآن في عرض البحر، في مقابل بيروت، البارجة الحربية العسكرية الإسرائيلية التي اعتدت على بنيتنا التحتية، وعلى بيوت الناس، وعلى المدنيين، انظروا إليها تحترق وستغرق ومعها عشرات الجنود الإسرائيليين الصهاينة».
هذه المفاجأة لم يكررها السيد نصر الله يوم أمس في خطابه، وأدعي هنا، وأنا أكتب قبل سماعي للخطاب، بأن جوهر موقف حزب الله من مسألة استخراج إسرائيل للنفط من المياه الإقليمية المتنازع عليها بين الأخيرة ولبنان يكمن في جملة واحدة على الدولة اللبنانية بمؤسساتها التنفيذية والتشريعية (الرئيس ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب) أن تقولها: هذه الأرض لبنانية.
إلى أن تقول الدولة اللبنانية ذلك، فإن الحزب لن يقوم بأي عمل عسكري ضد الباخرة الإسرائيلية التي تعمل على التنقيب واستخراج النفط والغاز من حقل «كاريش»، وهو بالمناسبة مسمى إسرائيلي للحقل لأن الدولة اللبنانية لم تعطه للآن تسمية أخرى.
حقل «كاريش» مساحته 150 كيلومترا مربعا ويعتقد بأنه يحتوي على كميه من الغاز تتراوح ما بين 1.5 إلى 2 ترليون متر مكعب.
اليوم سعر كل 1000 متر مكعب من الغاز يتجاوز 2200 دولار، وهذا يعني أن قيمة الثروة الموجودة في هذا الحقل تتراوح ما بين 300 بليون إلى 400 بليون دولار.
بهذا المعنى، السيادة على هذا الحقل إذاً، ليست فقط مسألة كرامة وطنية ولكن أيضا مسألة ثروة كبيرة ستدخل إلى خزينة الدولة التي تتمكن من وضع يدها عليه.
الموقف الذي يتخذه حزب الله والذي يطالب الدولة اللبنانية بأن تقرر إذا ما كان حقل «كاريش» أرضا لبنانية أم لا قبل أن يتصدى لأعمال التنقيب الإسرائيلية في هذه المنطقة مبني على اعتبارات داخلية وإقليمية.
على مستوى لبنان، لا يرغب الحزب في استدعاء حرب يكون فيها المتهم والمسؤول عن الدمار الذي سيلحق بلبنان جراءها وهي حرب ستكون مُدمرة مع إسرائيل.
هنالك انقسام واضح في لبنان بين أحزابه وقواه السياسية. هنالك من يريد من حزب الله أن يتخلى عن سلاحه وهؤلاء إما سيحملون الحزب مسؤولية الحرب في حالة حدوثها وإما سيتهمون الحزب بالتقصير في الدفاع عن لبنان في حالة عدم قيامة بالرد على الاعتداء الإسرائيلي.
هؤلاء لا يكترث بهم حزب الله لأن موقفهم يهدف فقط إلى تجريده من سلاحه وسيكونون سعداء إذا ما تمكنت إسرائيل من القضاء عليه في أي مواجهه عسكرية.
في المقابل هنالك حلفاء لحزب الله وتحديدا التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية ميشيل عون، وهو لا يرغب بفرض الحرب عليهم أو على الأقل في حدوث مواجهة مسلحة مع إسرائيل دون موافقتهم المسبقة عليها.
هذه الموافقة تحتاج فقط إلى سبع كلمات، وهي أن يقول الرئيس عون: هذه المياه لنا ومن حقنا الدفاع عنها.
هذا الموقف سيتبعه تأكيد من رئيس الحكومة اللبنانية ومن رئيس مجلس النواب لأن كليهما (ولو لأسباب أخلاقية) لا يستطيعان القول بعكس ذلك، إن صدرت هذه الكلمات من رئيس لبنان.
لاحظوا أن الدولة اللبنانية، لم تقل للآن إن هذه المياه التي تنقب فيها إسرائيل عن النفط والغاز هي مياه إقليمية لبنانية، وهم يقولون إنها «متنازع عليها». بمعنى أنها في النهاية قد تصبح إسرائيلية أو لبنانية أو أن يتقاسمها الطرفان سواء كان ذلك باتفاق عن طريق وسيط، أو عبر جهة تحكيم.
الرئيس عون الذي يدرك النتائج الكارثية لأي حرب على لبنان لا يزال متمسكا بالمفاوضات غير المباشرة طريقا لإنهاء النزاع حول هذه المياه مع إسرائيل.
لكن عدم رغبة حزب الله بدخول حرب مع إسرائيل الآن، له أيضا أهداف أبعد من لبنان.
حزب الله يرى أن حربا إقليمية ربما تكون قريبة بين إيران وحلفائها من جهة وإسرائيل وحلفائها من جهة أخرى، وبالتالي لا يستعجل الحزب المواجهة مع إسرائيل طالما أنها قريبة.
في حسابات حزب الله، هنالك مقدمات لعمل عسكري ضد إيران سيكون عليه وبحكم تحالفه معها أن يكون طرفا فيها، لأن خسارة إيران للحرب إذا ما حدثت، تعني خسارته هو للظهر الذي يستند إليه في تسليحه وتدريبه وتمويله.. هذا بالإضافة إلى الاعتبارات الأيديولوجية المهمة التي تربطه بطهران.
المقدمات هي فشل الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة بسبب إصرار الأخيرة على إبقاء الحرس الجمهوري الإيراني على قائمة الإرهاب، العمليات العسكرية التي تنفذها أذرع الموساد داخل إيران من اغتيالات وتفجيرات والتي قد تقود في النهاية إلى الحرب الصريحة، وأخيرا التنسيق العلني بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإسرائيل والذي نتج عنه اتهام الأولى لإيران بأن لديها معامل نووية سرية لم تكشف عنها.
في غياب اتفاق على برنامج إيران النووي، وفي ظل قدرة الأخيرة التقنية وتوفر المواد اللازمة لإنتاج سلاح نووي، لم تعد إيران بحاجة إلى وقت لإنتاجه، ولكن إلى قرار سياسي بإنتاجه.
معرفة إسرائيل والولايات المتحدة بذلك يجعلهما أقرب إلى خيار الهجوم العسكري على إيران من خيار الاتفاق معها، لأن الاتفاق المطروح لن يلغي قدرة إيران التقنية على إنتاج سلاح ذري ولكنه قد يؤخره بعض الوقت فقط وهما لا يرغبان بذلك، وإنما يسعيان إلى تدمير المنشآت النووية الإيرانية وإلى قتل العديد من علمائها بما يحرمها من إمكانية تصنيع سلاح نووي إن أرادت ذلك.
الحرب إذاً مع إيران محتملة وبدرجة عالية نسبيا رغم نتائجها التدميرية على كامل المنطقة، وما يعزز هذا الاحتمال أن هنالك ضغوطا أميركية كبيرة تمارس على العربية السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، والذي يبدو أن الهدف الوحيد منه هو توحيد جبهة خصوم إيران في إطار ما هو قادم.
حزب الله لذلك، لا يرى أن من مصلحته أن يكون الطرف المتسبب بإشعال حرب مع إسرائيل طالما أن هذه الحرب قد تفرض عليه إما في سياق ادعاء لبنان الرسمي بأن المياه التي تقوم فيها إسرائيل بأعمال التنقيب هي مياه لبنانية يجب الدفاع عنها، وإما في سياق حرب قد تُفرض عليه إذا ما تمت مهاجمة إيران.