هكذا سيطرت إسرائيل على عرب الأرض المحتلة سنة 1948..

الخميس 02 يونيو 2022 03:35 م / بتوقيت القدس +2GMT
هكذا سيطرت إسرائيل على عرب الأرض المحتلة سنة 1948..



كتب أحمد أشقر:

لا يمكن لدولة إسرائيل حلّ قضية العرب الموجودين في الدولة بطريقة نازية. فالنازية هي نازية، حتى لو كان اليهود منفّذيها “! (بنحاس لافون، بعد استقالته من منصب “وزير الأمن”، سنة 1955).
الاسم: الحكم العسكري 1966-1948: مجموعة وثائق
كتابة: آدم راز
بحث: لِئور يفني وآدم راز
تحرير: نوعا كوهن ولِئور يفني
اصدار: معهد عكِفوت- المعهد لبحث الصراع الإسرائيلي- فلسطيني، حيفا
عدد الصفحات: 300 صفحة بالعبرية
تُشكل الوثائق الأرشيفيّة المختلفة، التي هي خطاب المُسْتعمر، مصدراً هاماً من مصادر التاريخ وعلم التأريخ وفهم السياسات والأهداف التي حركته ولا تزال تحركه إلى يومنا الراهن. الكتاب الذي بين أيادينا يتحدث ويعرض أكثر من 100 وثيقة إسرائيلية عن الحكم العسكري التي حكمت، ضبطت وصاغت الحياة السياسية- الاجتماعية لعرب فلسطين بين سنتي 1948- 1966، فترة الحكم العسكري، ولا تزال تداعيته إلى يومنا الراهن.
فرضت إسرائيل الحكم العسكري على عرب فلسطين بعد الاحتلال مباشرة من (1948- 1966) بناء على قوانين الطوارئ البريطانية لسنة 1946 التي قال عنها (مناحيم بيجين) “في ألمانيا النازية لم تكون قوانين مثلها”. في تلك الفترة مُنع العرب من الحركة إلا بتصاريح بين قراهم المختلفة، المناطق التي مخصصة للدولة العربية وفقاً لقرار التقسيم. مُنعوا من الحركة لألا يحاول المهجرون منهم العودة إلى قراهم، وإغراق سوق العمل اليهودي ومنعهم من النشاط والتنظيم السياسي الوطني القطري. كان حكماً “تعسفيّا” تعامل معهم الـ”ذباب”. من جهة أخرى حاول العرب تحسين أوضاعهم خلال هذه الفترة عن طريق العمل السياسي النصف- سرّي والنصف علني، والمظاهرات التي كان أهمها مظاهرة العشرية الأولى للكيان في الأول من أيار 1958 عنها انبثق أول “الجبهة الشعبيّة، جسم سياسي وحدوي، انبثقت عنه حركة الأرض القومية التي تم حظرها سنة 1961.
فقد ورد في مقدمة الكتاب عن هدفه بالقول: “[إن] جوهر هدفه هو فتح طاقة أمام القارئ لتوثيق الحكم العسكري وتسليحه بمعرفة تاريخيّة أوليّة- لكن أساسيّة- عما جرّى وراء كواليس النظام، أي في كل ما يتعلق بالأهداف والأبعاد الخفيّة التي غابت عن البلاغة العلنية في كل ما يتعلق به [الحكم العسكري]”. ويضيف: “بالنسبة لهم [عرب 48] هذا ليس نظام تحديد الحركة بل أداة لنهب أراضيهم، التدخل في حياتهم السياسية الداخليّة ومعن إنتاج سياسة قُطريّة، طرد المواطن داخل وخارج البلاد، تركيز القبائل البدوية داخل السياج، شلّ سوق العمل والتجارة، للاستغلال الاقتصادي، تفعيل سلطة وعنف دائمين وإنتاج نظام سلطوي وعملاء. هذه العوامل وممارسات أخرى للحكم العسكري حوّلوه إلى جهاز مركزي للدولة للسيطرة والرقابة على الجمهور الفلسطيني”. هذه النتيجة توصل إليها كل (راز، لِفني وكوهن) بناء على مئات الوثاق التي وجدوها في الأرشيف وحللوها وعرضوا بعضها فقط (ص 7- 26).
يُقسم الكتاب إلى ستة فصول تناول الباحثون في كل واحد منه قضيّة جوهرية فقاموا بشرحها وعرض أهم الوثائق الخاصة بها.
في الفصل الأول- الحكم العسكري: الأهداف، السياسة والبيروقراطيّة: ينفي الباحثون الادعاءات الأمنيّة  القائلة بالحفاظ على أمن الدولة، ويؤكدون أنه جاء “من أجل إنتاج نظام تبعيّة، رقابة، سلطة، تفرقة ونهب المواطنين العرب”. كما أنه تعمد إذلالهم قائلين: “كان للإذلال بُعدين مركزيّن: في البعد الشخصي اشتمل الإذلال انتهاكاً صارخاً لحياة الفرد من جهة، وفرض النظام أكثر من مرّة الفرد أن ينحني أمام الآليّة من جهة أخرى”. و”في المستوى الجمعي، عمل الحكم العسكري على تصفيّة كل نشاط مدنيّ ذو طابع وطني. أحيانا، كانت غناء أغاني معينة في أعراس المواطنين العرب تحت الحكم العسكري سبباً لاتخاذ إجراءات ضدهم”. لهذا الغرض يعرض الباحثون 14 وثيقة، واحدة منها تعود إلى المنتصف الثاني لسنة خمسين فيها 21 بنداً تفصل أهداف الحكم العسكري كما ترد في تلخيص الباحثين أعلاه (ص 29- 83). لم تنتهي هذه الحالة، بل استمرت حتى تسعينات القرن الماضي مثل منع إنشاء وسائل اعلام مستقلة، واعتقال المُطربين من الأعراس. ومن بقاياها إلى يومنا الراهن هو منع عودة المهجرين الذين يشكلون حوالي 30% من عرب 48 إلى قراهم، منع إقامات قرى جديدة، استمرار مصادرة الأراضي، منع العلاقات السياسية مع أطراف الحركة الوطنية في الخارج ومراقبة جهاز التعليم مراقبة صارمة.
في الفصل الثاني- الحياة تحت الحكم العسكري: يقول الباحثون أن آلية الحكم العسكري كانت “شموليّة” عملت على تقنين التواصل بين العرب أنفسهم وبينهم وبين اليهود دون قاعدة محددة مثل منع  العرب حضور دورات تدريبية في المستعمرات اليهودية. يعرض الباحثون 14 وثيقة، واحدة تعود إلى (24. 6. 1954) يؤكد فيها الحاكم العسكري على عدم السماح للمهجرين العرب دخول أراضي قراهم، وعدم انتقال العرب للسكن في المستعمرات اليهودية. ونتيجة لهذه الآلية دبّ الفساد واستغلال ضباط الحكم العسكري للعرب. فمقابل خدمات معينة كان على العرب أن يدفعوا الرشاوى (ص 87- 132). كاتب هذه السطور اطلّع شخصيّا على عشرات الشكاوى التي قدمها العرب ضد ضباط الحكم العسكري لأنهم رفضوا تقديم خدمة إلى مقابل زيت زيتون، جبنة، لوز، مشروبات كحولية، خدمات منزلية وما إلى ذلك. استمر هذا الوضع حتى نهاية بداية الثمانينات عندما تنامى الوعي القومي ورفض الإذلال وتقديم شكاوى جنائية ضد المرتشين الذي اعتبرهم القضاء جنائيين.
يخصص الباحثون الفصل الثالث- الهدف الخفي: نهب الأراضي: للحديث أن نهب أراضي العرب كهدف الاساسي الاستعمار اليهودي في فلسطين. فبعد تهجير 750- 800 ألف فلسطيني خلال النكبة سارعت دولة إسرائيل إلى هدم مئات القرى المنكوبة وسن قانون “الحاضر الغائب” سنة 1950 بحسبه صادرت إسرائيل أراضي العرب الذي تواجدوا خارج قراهم يوم إعلان الدولة في (15. 5. 1948) حتى ولو كانت امرأة في المشفى أو زيارة أهلها في قرية أخرى. وتوالى سنّ القوانين والتعليمات بحسبها تسيطر إسرائيل اليوم على 97% من الأرض المحتلة سنة 1948، و80% من الأرض المحتلة سنة 1967. يؤكد الباحثون من خلال الوثائق التي حللوا وعرضوا بعضها فقط على أن الحكم العسكري كان الأداة لمنع عدوة المهجرين إلى قراهم والفلاحين إلى حقولهم وموارسهم، ويقولون إن نصوص أوامر وتعليمات الحكم العسكري كانت “نظيفة” “بلغة قانونية” جافة، ويعرضون 16 وثيقة بهذا الشأن. في وثيقة بقيت سريّة أكثر من التاريخ القانون للوثائق السريّة تعود إلى (5. 1. 1956) تؤكد الحكومة أن الاستيلاء على الأراضي هو لتوسعة الاستيطان فقط. لأهمية الأراضي قام بعض الحكام العسكريين بالسيطرة على بعض الأراضي والانتفاع منها ماليّا-كما نقرأ في شكوى الشيخ حمد سلامة جمعة الهواشلة من النقب، الذي اشتكى الحاكم العسكري في أكتوبر 1952. (ص 143- 178). يمكن القول هنا أن النقب الفلسطيني البالغة مساحته 11 مليون دونم كانت مغرية لقادة المستعمرين، الذين طردوا حوالي 90 ألف عربي بدوي منه وأبقوا على عشرة آلاف تم حشرهم في منطقة تدعى “السياج” سنة 1957. والكل يعلم أن الفاشي (أرئيل شارون) سيطر على مزرعة مساحتها 350 دونم من أرض النقب، وسماها “هَشِكميم”. كما سيطر العديد من الجنائيين اليهود على مناطق خالية في المدن وحوّلوها إلى مواقف سيارات، ومخازن حولوها إلى أكشاك ومطاعم باعوها بملايين الدولارات بعد 40- 50 سنة. وكلنا يعلم رفض إسرائيل إعادة مهجري أربع قرى (إقرث، كفر برعم، الغابسيّة والجلمة) في شمال فلسطين رغم صدور قرار من محكمة العدل العليا بإعادتهم.
وفي الفصل الرابع- استغلال، عفن وفساد- يقول الباحثون، بعد خسارة العرب مصادر عيشهم وثروتهم وتعميق تبعيتهم لمؤسسات الدولة اضطروا للعمل في المزارع والورش والمصانع والمؤسسات اليهودية، التي كانت (نقابة العمال العامة- الهستدروت) أكبر مالك ومؤثر في حياة الدولة الاقتصادية. في الوقت التي سمحت الدولة للـ(هستدروت) فتح فروع ومكاتب لها في المستعمرات اليهودية، حظرت عليها ذلك في القرى العربيّة. فبات الحكم العسكري هو وسيط التشغيل في المؤسسات التابعة الــ(هستدروت) والدولة. نتيجة ذلك نتج نوعين من الفساد، الأول- وهو قيام ضباط الحكم العسكري بمنح عطاء، رخصة عمل، قرض بنكي، شراء جرّار أو سيّارة لمن يريدون والذين يقدمون خدمات لهذا الحكم. والثاني- سرقة غلال الفلاحين، رشاوى العمال وطلبة الجامعات للحصول على إذن خروج أو قبول جامعي. يعرض الباحثون وثيقة تعود إلى تاريخ (25. 3. 1951) سلسلة من أنواع الفساد مثل قيام بعض رجال الشرطة اليهود إصلاح سيارات الشرطة في الكراجات العربيّة.. وغياب توثيق لعديد من الأحداث. كما ويعرض وثيقة تعود إلى (14. 12. 1951) تؤكد قيام بعض ضباط الحكم العسكري بإقامة شركات وشراكات مع تجار عرب غير مُعلن عنها وغير قانونيّة. تؤكد هذا رسالة أرسلها أهالي أم الفحم إلى وزير القضاء بتاريخ (12. 6. 1951) يؤكدون فيها أـن الحاكم العسكري التاجر أخذ أموالا ولم يسلم البضاعة المتفق عليها، ولم يعيد إليهم أموالهم (ص 181- 221). مما لا شكّ فيه أن عيون الدولة المخابراتية كانت تعلم علم اليقين بما يجري. فصمتت لأن الهدف كان ولا يزال تعميق ضبط وتبعيّة العرب ليس بالقوة العسكرية والقانون، بل عن طريق إفسادهم، لأن الفساد هو كحصان طروادة والسوس الذي ينخر ويهدم الداخل ببطء.
وتطرق الفصل الخامس- فرّق تسد: سياسة الفصل الذي اتبعها الحكم العسكري: إلى السياسة التي اتبعتها الدولة تجاع العرب. يقول الباحثون أن المجتمع العربي في فلسطين كان مقسماً دينيا وطائفيّا، اجتماعيا وحمائليّا وهويّات مختلفة الأمر الذي أضعفه، ومنها دخلت إسرائيل لتعزيز الفرقة فيه، ومنع إقامة أطر وطنيّة قطرية جديدة، وقمع أية محاولة من هذا النوع مثل، قمع الشيوعيين في مظاهرات العشريّة الأولى للدولة سنة 1958. أولت الدولة كذلك أهمية خاصة لتوسيع الفرقة بين العرب واليهود، فمقابل الوحدة والعمل والمشترك زرعت بذور الشك والفرقة بينهم. للتأكيد على هذه السياسة يعرض الباحثون 19 وثيقة، واحدة نها تعود إلى حرب “المباي” الحاكم في أيلول 1951 الذي يؤكد على: “يجب الاستمرار في استنفاد كل إمكانيات سياسة التفرقة والتقسيم الطائفيين التي أعطت ثماراً جيدة في السابق ونجحت حتى الآن في خلق الحواجز ـ حتى لو كانت مصطَنعة في بعض الأحيان ـ بين أجزاء معينة من السكان العرب”!  وفي أيلول 1959 أكدت وثيقة أخرى على ما جاء في السابقة بالقول: “سياسة التقسيم والتفريق في المجتمع العربي، التي انتُهجت حتى الآن، أتاحت للدولة خلال السنوات الماضية منذ إقامتها منع اتحاد الأقلية العربية في كتلة متراصّة ودفعت زعماء كل واحدة من الطوائف إلى الانشغال بقضاياهم الطائفية بدلاً من القضايا العربية العامة والمشتركة” (ص 223- 259). لا تزال سياسة فرق تسدّ تشكل عموداً مركزيّا في أعمدة حكم عرب في فلسطين التي سلخت المعروفيين الدروز، فرضت عليهم الخدمة العسكرية الإلزامية ومنحتهم مكانة خاصة، لكنها متدنيّة مثل مكانة بقيّة العرب. وقبل عدة سنوات سمحت للمسيحيين الذين يرغبون الانسلاخ عن قوميتهم التسجيل في البطاقة الشخصية “أرامي” التي قبل تسجيلها فرد واحد فقط… واليوم تواصل على قطع طرق تواصل عرب 1948 وأخوتهم في مناطق السلطة الفلسطينية بمنع المتزوجين شمل عائلتهم في حدود دولة إسرائيل.
ويعالج الفصل السادس- نحو إلغاء الحكم العسكري: المداولات التي دارت في أروقة أذرع السلطة عن أهميته وعدمها وضرورة إلغائه التي تمت فعليّا سنة 1966. يعتقد أن الباحثون أن الذي سرّع على إلغاء الحكم العسكري هو استقالة (بن جوريون) سنة 1963 ومجيء (ليفي أشكول) بدلاً منه الذي فتح ملف إلغاء الحكم العسكري، وإقرار بعض أذرع السلطة أن فرض الحكم العسكري قاسيّا دون أي سبب أو حجّة صحية من ادعاءات الدولة.. في المقابل، في أروقة الحكم غير العلنيّة، تم بلورة تعليمات جديدة خاصة بالعرب فقط، ألا وهي الإبقاء على أنظمة الطوارئ الانتدابية لسنة 1946.. باختصار: وضعت السلطات تعليمات وأنظمة جديدة عمّقت السيطرة والرقابة عليهم. للإشارة إلى ما حصل من نقاش يعرض الباحثون سبعة وثائق أهمها مقطع من ثلاث صفحات في الكنيست بتاريخ (20. 2. 1962) الذي يقولون عنه بأنه “رغو” (ص 261- 287). وفي الخاتمة يقرّ الباحثون أن آثار الحكم العسكري لا تزال ماثلة في ذاكرة وحياة عرب 1948 (ص 293- 297). ومن تداعيات الحكم العسكري التي لا تزال إلى يومنا الراهن، السيطرة على مصادر قوة، نفوذ ووعي عرب 1948 وتتمثل في بما يلي:
1- مصادرة أراضيهم حيث لم يبق بحوزتهم سوى 3% منها في حين يمثلون حوالي 20% سكان الدولة. فعلى الأرض المستقلة تنشأ الشعوب والحضارات والوعي المُستقل، لذا حرموا عرب فلسطين من السيطرة على أراضيهم.
2- في المقابل أنتجت إسرائيل تبعيّة كليّة لمصادر حياة وعيش العرب فيها عن طريق منعهم من بناء صناعات متوسطة وثقيلة، وسمحت له بصناعات خدمية في قراهم المستعمرات اليهودية.
3- تمنع إسرائيل حراك سياسي يتجاوز شرعية دولة إسرائيل وفقا لحدود ارابع من حزيران 1967.
4- تسيطر إٍسرائيل بالكامل على جهاز تربية وتعليم العرب لدرجة توصل الباحثون في الموضوع إلى نتيجة أن التعليم العربي في فلسطين لا يزال تحت الاستعمار من الإمبراطورية العثمانية إلى يومنا الراهن.
بكلما أخرى: هكذا حطمت إسرائيل المجتمع العربي في الـ48 وحوّلته إلى مجاميع مخصيّة يقف على رأس هرم حراكها السياسي بعض المخلوقات ممن تعتقد أن أجدادها هم من أملوا “دولة اليهود” على (هرتسل)، هؤلاء يخجل الإنحطاط من دونيتهم وخسّتهم.