تشير التحركات السياسية التي شهدتها الساحة الفلسطينية خلال اليومين الماضيين، بوجود مخاوف من إمكانية انفجار الأوضاع، قبيل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة، بعد أسابيع قليلة، وذلك على خلفية الهجمات الاستيطانية المتصاعدة في الضفة الغربية، فيما عبرت القيادة الفلسطينية عن عدم رضاها عما كشف من خطة أمريكية بديلة، عن فتح القنصلية في القدس الشرقية، كأول تراجع يسجل لوعود بايدن الستة التي لم يتحقق منها سوى وعد واحد. وطالبت برفع منظمة التحرير عن قائمة الإرهاب.
تهدئة قبل زيارة بايدن
وأكد مصدر سياسي فلسطيني، لـ “القدس العربي”، أن التحركات السياسية من جهات إقليمية وعربية ومن الإدارة الأمريكية، التي تلت زيارة الرئيس محمود عباس للعاصمة الأردنية عمان، مطلع الأسبوع الحالي، ركزت على ضرورة تهدئة الأوضاع في هذه الفترة، مع وعود لحلحلة الملفات المعقدة مع الجانب الإسرائيلي، خاصة وأن الإدارة الأمريكية شددت على ضرورة إنجاز “التهدئة” قبل زيارة الرئيس بايدن.
وخلال الاتصالات التي كان أبرزها الثلاثاء، باتصال هاتفي تلقاه الرئيس عباس من وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، الذي جاء بعد استقباله وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، ومدير المخابرات اللواء، أحمد حسني، طلب الوزير الأمريكي بشكل رسمي عودة الهدوء، ووعد بدفع عدد من مساعديه ومسؤولين في الإدارة الأمريكية من جديد للمنطقة، قبل الزيارة التي تشمل رام الله ولقاء الرئيس عباس.
وحسب ما أكد بلينكن للرئيس عباس، فإن الإدارة الأمريكية لا تريد أن تكون زيارة بايدن “شكلية”، وأنها تسعى لتحقيق الكثير من الاختراقات في ملف العملية السلمية المتعطلة في المنطقة، منذ فبراير 2014، لكن دون أن يقدم وعداً عن وجود خطة سياسية تشمل إطلاق مفاوضات، خاصة وأن الجانب الفلسطيني اشترط سابقاً بأن تكون تلك الخطة مسندة إلى قرارات الشرعية الدولية، ومحددة بسقف زمني.
لكن بلينكن، وحسب المعلومات التي وصلت “القدس العربي”، شدد على ضرورة عدم اتخاذ الجانب الفلسطيني أي قرارات جديدة في هذا الوقت، من شأنها أن تمثل “حرجاً” لإدارته حسب وصفه، قبل زيارة بايدن، وذلك بعد أن لوح الرئيس عباس من جديد، باللجوء إلى قرارات وخطوات جديدة، بينها تطبيق قرارات المجلس المركزي الأخيرة، والخاصة بسحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف العمل بالاتفاقيات الموقعة معها، وفي مقدمتها الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية.
وتحاول الإدارة الأمريكية حالياً إرضاء الفلسطينيين بـ”الحد الأدنى”، من أجل تمرير الزيارة، وهو أمر ظهر خلال حديث بلينكن مع الرئيس عباس، وذلك من خلال مزايا للجانب الفلسطيني، أقل بكثير من الوعود التي قطعها بايدن، لحل القضية الفلسطينية، وتمثلت وقت فوزه بإعلانه دعم حل الدولتين ووقف الاستيطان وإعادة الدعم المقدم للفلسطينيين، وكذلك دعم “الأونروا”، وإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس، وكذلك إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن.
والمعروف أن الإدارة الأمريكية لم تقم سوى بإعادة تقديم الدعم المالي، الذي كانت الإدارة السابقة برئاسة دونالد ترامب قد أوقفته عن “الأونروا”، فيما لم تنفذ أياً من وعودها الأخرى.
مشكلة فتح القنصلية
وعلمت “القدس العربي” أن الجانب الفلسطيني طلب خلال اللقاءات والاتصالات التي عقدها في إطار ترتيب زيارة بايدن للمنطقة، مع مسؤولين أمريكيين زاروا تل أبيب ورام الله، أن يتوج بايدن زيارته بافتتاح القنصلية في القدس الشرقية التي تقدم خدمات للفلسطينيين، والتي كان الرئيس السابق دونالد ترامب أغلقها في إطار خطته السياسية المعروفة باسم “صفقة القرن”، التي كان يريد فرضها، وهي خطة تهضم حقوق الفلسطينيين، وتشطب حق العودة، وتعترف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال.
وخلال تلك اللقاءات لم يقدم الجانب الأمريكي أي وعد بعودة فتح القنصلية، رغم تكرار الطلب، ليتسرب بعد ذلك من خلال الإعلام العبري عن “خطة بديلة”، تحاول من خلالها الإدارة الأمريكية إرضاء الجانب الفلسطيني، وعدم إغضاب حكومة تل أبيب، التي ترفض عودة فتح القنصلية.
وقال المصدر السياسي الفلسطيني المطلع على تلك الاتصالات لـ “القدس العربي”، إن الإدارة الأمريكية رغم الوعود الكبيرة التي قطعتها لصالح القضية الفلسطينية، إلا أنها لم تقدم حتى اللحظة أي شيء ملموس على الأرض، وأن اللقاءات والاتصالات التي لم تنقطع لا يسمع فيها الفلسطينيون سوى الوعود. وذكرت تقارير عبرية أن إدارة الرئيس بايدن تراجعت عن فكرة فتح قنصلية تخدم الفلسطينيين في القدس الشرقية، مقابل اتخاذ خطوات لتحسين العلاقات، تشمل تعيين هادي عمرو كمبعوث خاص للفلسطينيين بدلاً من منصبه الحالي كنائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.
وحسب الخطة سيبقى عمرو في واشنطن ولكنه سيعقد اجتماعات متكررة في المنطقة، للعمل مباشرة مع وحدة الشؤون الفلسطينية التابعة للسفارة الأمريكية في إسرائيل، حيث كانت هذه الوحدة سابقاً تابعة مباشرة لوزارة الخارجية، مما يعني أنها لم تكن جزءاً هرمياً من السفارة، قبل أن يدمجها الرئيس السابق ترامب في السفارة، حيث يهدف بايدن حسب ما ذكر لاستكمال زيارته المرتقبة للمنطقة، بسلسلة الخطوات التي من شأنها أن تعوض الفلسطينيين عن خطوة عدم إعادة فتح قنصلية منفصلة لخدمتهم.
وهذه الخطة تشمل فصل الجزء الخاص بالفلسطينيين من السفارة الأمريكية في القدس المحتلة، إلى قسم آخر لا تتبع سلطاته للسفير بل لهادي عمرو، وحسب ما يتردد فإن مسئولين أمريكيين قالوا إن هذا الحل سيكون مؤقتاً، لحين فتح القنصلية، فيما يرفض الفلسطينيون ذلك، خشية من أن تكون الموافقة تنازلاً عن المطلب، وتحويل الحل المؤقت إلى دائم.
وبدا الأمر هذا غير مريح للفلسطينيين، الذين يصرون على عودة فتح القنصلية، في إطار تثبيت الحق بأن القدس الشرقية التي احتلت عام 1967، هي عاصمة الدولة الفلسطينية، وأنها جزء من المناطق الفلسطينية المحتلة.
وفي دلالة على ذلك، شدد الرئيس الفلسطيني، خلال الاتصال الذي تلقاه من بلينكن، على ضرورة إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية ومكتب منظمة التحرير في واشنطن بصفتها شريكاً كاملاً وملتزماً في عملية السلام، وعلى ضرورة رفع منظمة التحرير الفلسطينية عن القائمة الأمريكية للإرهاب.
تحذيرات فلسطينية
وأشار بيان صدر عن مؤسسة الرئاسة الفلسطينية إلى أن الاتصال بحث آخر المستجدات والوضع الخطير الذي وصلت إليه الأحداث في الأراضي الفلسطينية، والتصعيد الإسرائيلي المتواصل ضد الشعب الفلسطيني في القدس، ومقدساته الإسلامية والمسيحية.
وحذر الرئيس الفلسطيني باتخاذ خطوات جديدة، مؤكداً أن الوضع الحالي “لا يمكن السكوت عنه أو تحمله، في ظل غياب الأفق السياسي والحماية الدولية لشعبنا الفلسطيني، وتنصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي من التزاماتها وفق الاتفاقات الموقعة وقرارات الشرعية الدولية، ومواصلة الأعمال أحادية الجانب، وبخاصة في القدس، والاعتداءات المتواصلة على المسجد الأقصى المبارك من قبل مجموعات المتطرفين من المستوطنين”.
وأكد للوزير الأمريكي أن الأفعال الإسرائيلية في القدس تنتهك بشكل صارخ الوضع الراهن “ستيتسكوا” التاريخي، كما أكد أن سلطات الاحتلال تواصل طرد الفلسطينيين من أحياء القدس وهدم منازلهم وقتل الأطفال والمواطنين العزل، كما تستمر في أعمال الاستيطان.
وقال إن القيادة الفلسطينية بصدد اتخاذ إجراءات لمواجهة هذا التصعيد الإسرائيلي، في ظل عجز المجتمع الدولي عن إرغام إسرائيل الامتثال لقرارات الشرعية الدولية، ووقف ممارساتها الإجرامية والاحتلالية، لافتاً إلى أعمال “التطهير العرقي والتمييز العنصري” التي تمارسها سلطات الاحتلال، “في ظل الصمت الأمريكي على هذه الاستفزازات والممارسات الإسرائيلية التي تنتهك بشكل صارخ القانون الدولي”.
وطالب في ذات الوقت الإدارة الأمريكية بأن تقوم بـ”تحويل أقوالها إلى أفعال”، وعدم الاكتفاء بسياسة التنديد والاستنكار والصمت على هذه الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب، وقال للوزير الأمريكي: “الوضع على الأرض لم يعد مقبولاً إطلاقاً”.
بدوره، أكد وزير الخارجية الأمريكي التزام إدارة الرئيس بايدن بحل الدولتين ووقف التوسع الاستيطاني والحفاظ على الوضع القائم ووقف طرد الفلسطينيين من أحياء القدس ووقف الأعمال الأحادية من الجانبين، مؤكداً التزام الإدارة بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس.
وأكد أيضاً على تصميم إدارة الرئيس بايدن على تحسين الأوضاع للفلسطينيين وإعطاء الفرصة للعمل خلال الفترة القادمة لوقف التصعيد وخلق البيئة المناسبة، وبهدف إعطاء أمل للفلسطينيين وشعوب المنطقة كافة.
وكان الرئيس عباس قد التقى عصر أمس الثلاثاء، وقبل تلقي الاتصال الليلي من بلينكن، بوزير الخارجية الأردني ومدير المخابرات العامة، اللذين زارا رام الله ومكثا فيها لعدة ساعات، حيث أطلعهم على آخر مستجدات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، والتصعيد الإسرائيلي الخطير ضد الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
وقال إن الوضع الحالي “لا يمكن القبول باستمراره ولا يمكن تحمله” في ظل غياب الأفق السياسي، والحماية الدولية للشعب الفلسطيني.
بدوره، أكد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، دعم الأردن الثابت للقضية الفلسطينية ولحقوق الشعب الفلسطيني، وتعليمات الملك عبد الله الثاني بمواصلة التنسيق والمشاورات لحشد دولي لمواجهة الممارسات الإسرائيلية التي تنتهك الوضع التاريخي في الحرم الشريف والتوسع الاستيطاني وجرائم المستوطنين، وقال إن الجانبين الفلسطيني والأردني سيواصلان الاتصالات والمشاورات مع المجتمع الدولي وبخاصة الدول المعنية بهذا الخصوص.