أشرت في مقال “ما يحدث على أرض فلسطين تدبير رباني لأحداث ووقائع نعجز حاليا على التقاط رسائلها المشفرة، ولكن من المؤكد أن هذه الرسائل تقودنا حتما إلى نصر قادم و هذه مقدماته..و لماذا علينا التعامل بجدية مع تصريح الرئيس الأمريكي “جو بايدن” حول “الإمام المخفي”؟” إلى أن المعركة الدائرة حاليا – بفلسطين و بلاد الشام عموما-و الممتدة إلى “الملحمة الكبرى ” غايتها و هدفها مواجهة عدو واحد اختار أن يكون عدوا لله و حليفا لشيطان و عدوا لأدم و ذريته، و في هذه المعركة المسلمين و العرب هم نواة و العمود الفقري في هذه المعركة ، و على العرب و المسلمين أن يكونوا أهلا لقيادة و الانتصار في معركة الحق و الباطل، و سلاحهم في هذه المعركة كتاب الله و سنة رسوله ،بعيدا عن الزيغ و الهوى و التحريف..و على العرب و المسلمين أن يغيروا ما بأنفسهم و يعدلوا نظرتهم لأبعاد الصراع و خلفياته ، وتوسيع قاعدة الحلفاء و المناصرين، و البناء على القواسم المشتركة ، و تضييق الخناق على العدو الذي يستهدف بالدرجة الأولى الإنسان كيفما كان دينه و عرقه و لونه و جنسه ..ويستهدفه أساسا من خلال الإعلام أي أنه سيمارس الدجل و ما أدراك ما الدجل، حتى ترى الجنة نارا و النار جنة، و نعود بالله تعالى من الفتن ما ظهر منها و ما بطن و خاصة فتنة المسيح الدجال..
فالبشرية على أبواب مواجهة أكبر فتنة شهدها التاريخ ، فالبشرية ستواجه مسوخا لا كائنات أو مخلوقات سوية، و من بين هذه المسوخ من مسخهم الله قردة و خنازير ، فظاهرهم في صورة بشر و لكن باطنهم عكس ذلك ، تسكنهم أرواح شيطانية و مخططاتهم إبليسية جوهرها معاداة بني أدم .. فالمعركة القادمة “الطين” في مواجهة “النار” ومن المؤكد أن الطين سيطفيء نار العداوة والبغضاء التي أوقدها الصهاينة…
فهناك انقلاب في الموازين و المعايير إلى درجة أصبحت الفطرة السوية و الطهارة جريمة، و قد رأينا الهجمة التي تعرض لها اللاعب السنغالي المسلم “إدريس غانا غاي ” و الذي تمسك بفطرته قبل دينه ورفض دعم الشذوذ ولسان حاله يقول قول لوط عليه السلام لقومه : قال تعالى: “ولوطا إذ قال لقومه أتاتون الفاحشة وأنتم تبصرون، أينكم لتاتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون”.. فكان جواب فريقه أن تمت دعوته للتحقيق معه وهم يقولون بلسان حالهم جواب قوم لوط عليه السلام لنبيهم : قال تعالى: “فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون”.[ النمل: 56]
و المفارقة، أن هناك مغربي “مسلم” له شعبية واسعة في المغرب قبل إرتداء “القميص المدنس” و قبل ضمنيا أن يكون مع ما يغضب الله، في حين رفض زميله في الفريق “إدريس غانا غاي المشاركة و لو بالصمت و حتى إن كان رافضا للجرم ، و لكن إرتداء قميص يشجع على إشاعة ثقافة الشذوذ ابلغ من اي كلام ..قال الرسول عليه الصلاة والسلام: “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” و أضعف الايمان في حالة هؤلاء رفض إرتداء القميص المدنس …
فالدفاع عن الحق مكلف و أحيانا حتى الصمت غير جائز لأن الصمت يصبح جريمة، قال تعالى في سورة البقرة: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ )..
و لست أخفي تضامني وإعجابي و تأييدي لهذا المسلم الحق “إدريس غانا غاي” الذي إختاره الله تعالى لإفشال “مكر الماكرين” و تلاعبهم بعقول الناشئة، و كشف نفاق و خنوع بعض من يتم تسميتهم بالمشاهير و المؤثرين، بل و نفاق و انتهازية بعض من يحسبون زورا عن الإسلام ، لكن شاءت إرادة المولى أن ينقلب السحر على الساحر، فموجات التضامن مع هذا الرجل “إدريس غانا غاي” أفضل جواب على أن البشرية لازال بها أخيار من كل الديانات و الجنسيات و الأعراق…
فأين هم أصحاب الترحم من عدمه على الصحفية شيرين ؟ هل التطبيع مع فعل قوم لوط أمر عادي؟ أيهما أخطر ؟ أم أنكم من هواة وأتباع الكيل بمكيالين؟ وحتى أسد قوس “الترحم” شخصيا تبنيت موقف الحياد فعندما أذكر شرين أحرص على عدم ربطه بأي وصف سلبي أو إيجابي و نترك أمر ذلك لخالقها.. حتى نخرج من هذا النقاش “الملغوم”.. المهم أن مسألة التطبيع مع الفاحشة مسألة أخطر بكثير و تمس أبناءنا و أحفادنا لأن في ذلك تحريف للفطرة، أم أنكم تخشون أن يتم وصفكم ب ” المتطهرين” ؟ أم أنكم من دعاة الحرية الجنسية؟
ذلك أنه لا ينبغي تضليل الناس بدعوى الحرية الجنسية و أن الاختيارات الجنسية مسألة شخصية و غيرها من الشعارات “الزائفة” و “المنحرفة” و “المضللة”، فمسألة الحرية بوجه عام مسألة نسبية، فليس هناك حرية مطلقة على الإطلاق فيما عدا حرية الإنسان في نفسه، وحتى هذه الحرية مقيدة بتعاليم الله الخالق، فإن أساء الإنسان إلى نفسه فسوف يحاسبه الله على ذلك، أما الحرية المطلقة فإنها تعني الفوضى المطلقة، إن الحرية لا بد أن تكون لها حدود تقف عندها ولا تتعداها، فحرية الشخص يجب أن تقف عندما تبدأ حرية الآخر حتى لا يحدث تصادم بين الحريات ويبدأ الصراع، هذا فيما يتعلق بالحرية بصفة عامة، أما فيما يتعلق بحرية الرأي أو التعبير فهي لا تخرج عن الأصل العام وهو أنها ليست مطلقة وإنما مقيدة بعدم تجاوزها إلى الإساءة إلى الآخر باسم الحرية، وإلا أصبحت الحرية مصدرًا للصراعات، فأي إساءة إلى الآخر أو تجاوز في التعبير عن الرأي الموضوعي وتخطي هذا التعبير إلى الإساءة إلى الآخر لا تدخل في تعريف الحرية، وإنما تعتبر من قبيل الإهانة والإساءة ..
و ما دام الموضوع موضوع حرية لماذا لم تعط الحرية للذي لا يريد أن يلبس “القميص المدنس” ، فقد كان على نادى الفريق أن يحترم حريته، و يتركه يلعب من دون الإشارة إياها إلى المثليين !!المشكل أن أغلب اللاعبين كانوا سيختارون موقف هذا اللاعب !! فالشذوذ و الفاحشة متواجدة لدى البشر وقد شاعت في قوم لوط و أخبرنا القرأن بالعقاب الذي أنزله على قوم لوط فهي فاحشة محرمة و كبيرة من الكبائر في الإسلام، و تناقض الفطرة السليمة، وهذه الممارسات شاذة تمارس في كل زمان و مكان و لكن ” إذا ابتليتم فاستتروا” ، فالإساءة كل الإساءة و الظلم الذي ليس بعده ظلم، و الطغيان الذي ليس بعده طغيان، أن يتم الضغط باتجاه تغيير فطرة الإنسان بذريعة حرية الاختيار…فأي زمن وعصر هذا يا ترى؟؟
من هذا الذي أطلق عليك إسم عصر التقدم والازدهار والحرية والتكنولوجيا وكلمة الحق…فلا تقدم بعقول فارغة خاوية وأحذية غالية و أخلاق متدنية، فلا تقدم يقارن نفسه بما خلفه في المجتمع من مشاكل عويصة وتخلف رهين باعتقاد بعض العقول اللاراقية أنها متقدمة علميا ومتميزة لا علاقة ….ولا إزدهار في ظل ما نعرفه من سياسات خطيرة لا تكلف نفسها عناء التفكير فيما ستخلفه من أضرار للفرد أو جماعة أو الشعب بصفة عامة ….
وأي حرية هذه الذي تم فهمها عكس ما تقصده، لم تخبرنا الحرية يوما أنها تمرد و خروج عن دائرة الأدب و الأخلاق بتاتا، حقا هي مساحة ثقة تعطى للذات لكن في حدود، فحريتنا تنتهي عندما تبدأ حرية الأخر فلا تحملوا هذه الأخيرة مالم تخبركم عنه..و لا حداثة و تقدم بدون أخلاق، ولا أخلاق بدون تدين …
و أحيانا أجد نفسي مضطرا لاستحضار “الانا ” و ليس ذلك نوع من النرجسية او حب الظهور ، على العكس إطلاقا انا شخصيا من انصار ” الخبزة المغطية كتخمر” ، لكن أجد نفسي – في بعض الاحيان- مضطرا إلى التأكيد على بعض الجوانب التي لها صلة بتكويني ، تعليمي في الأساس غربي -أسيوي ، لكن مدعوم بتكوين و فهم عميق للإسلام، و عندما اتكلم في أمور لها صلة بالإسلام فليس تطاولا او تنطعا او كلام عن غير علم أو تزمت و رجعية، و لكن لأني تخصصت فيه بعد رحلة طويلة في دراسة التجربة التنموية الصينية و غيرها من التخصصات التي شملت الاعلام و الهندسة المالية و إدارة المقاولات و إدارة الأزمات و مارست هذه المعارف اكاديميا كرجل تعليم أو في إدارة مشاريعي الخاصة و العائلية على أرض الواقع…
لكن نقطة التغيير في هذا المسار الأكاديمي و المهني، كانت عندما توجهت لدراسة الإقتصاد الإسلامي و التخصص فيه، و ما دفعني لسلك هذا المنحى هو رغبة في حفظ كتاب الله ، لكن هذه الرغبة توجت بدكتوراه في الإقتصاد الإسلامي…
و الغاية من فتح هذا القوس ، هو أن بعض من يرفعون شعار الحداثة و العقلانية و العلمانية و التقدم، يعتقدون أن الإسلام يتعارض مع هذه القيم، و اقول عن علم، بالعكس الإسلام في جوهره يحمل رؤية اكثر شمولية، لكن من الخطأ الاعتقاد أن الحداثة هي الحرية المطلقة و تشجيع الانحلال و التفسخ ، فلا حداثة و تقدم بدون أخلاق، ولا أخلاق بدون تدين، باعتبار أن هذا الأخير هو مصدر القيم النبيلة والأخلاق الحسنة ولكم في رسول الله الأسوة الحسنة، حيث يقول: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، كفاكم استهتارا بالدين الإسلامي، فهو ليس كما تروجون، قبل أن يتم إطلاق التهم جزافا حاولوا القراءة بدون تحيز مسبق و بدون أفكار مسبقة و بعقل منفتح و ستدركون بأن الإسلام رمز السلم والسلام بل هو مستقبل الإنسانية ، و منقذها من التيه و فقدان البوصلة..
الحديث طويل ومتشعب بخصوص عصرنا الراهن والمهزلة التي خلفتها العقول البشرية من دمار حتمي لا مفر منه من وجهة نظري….
“إليكم 10 دقائق جلست أشاهد قصة “القميص المدنس” و كيف يسير هذا المجتمع وكيف سيدمر نفسه بنفسه حربا باردة للأسف “، إننا نعاني من مجاعة فكر عويصة حيث أصبحت مجاعة الفكر اليوم أفجع من مجاعة العيش تتخللها جاهلية عصبية عمياء.. هيهات ثم هيهات على زمن فيه المعروف منكر والمنكر معروف.. إننا نعاني من جاهلية عصبية عمياء، جاهلية أشد وأمّرّ من الجاهلية الأولى حيث أصبحت فيها العبادات طقوس خاوية!! ، خالية من معناها الحقيقي، جاهلية تتمادى في فرض وجودها تحت شعار مجتمع “علمي” “حداثي”، “مثقف”،”متطور”، “منفتح”، “متسامح” و غيرها من المصطلحات الفضفاضة ..
وأي تكنولوجيا و إعلام ووسائط تواصل إجتماعي هذه التي دمرت كوكبا باسره بطريقة باردة، حقا ساهمت التكنولوجيا و ثورة الاتصالات في الرفع من تقدم البلاد وتسهيل التواصل والحصول على المعلومات بطريقة سهلة سلسلة بعيدة كل البعد عن التعقيد، غير أنه معظمنا إستعمل هذه الأخيرة في أمور لاعلاقة لها بما يحمله إسمها من معنى والذي تجلى فيما خلفته مواقع التواصل الاجتماعي من نشر للصور والفيديوهات التي لا تمت بأي صلة للتكنولوجيا بشكل خاص وللمجتمع بشكل عام، منها المخلة للحياء وغيرها من قبيل أخر؛ أرهقت عقول الشباب غباءا وإنحرافا وساهمت في تدمير وتدهور أخلاق المجتمعات لبنة لبنة .. و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..
إعلامي وأكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني والشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية والسياسات العامة..