نشر موقع “بوليتيكو” تقريرا أعدته سارة ويتون وكريستينا غارلاند، تساءلتا فيه عن نهاية اللعبة في أوكرانيا: سلام، انقلاب، أم سوريا أوروبية؟
وأشار الموقع إلى أن إعلان موسكو يوم الثلاثاء أنها ستحول تركيزها بعيدا عن كييف إلى منطقة دونباس أعطى صورة عن محاولة الرئيس فلاديمير بوتين تحديد طموحاته بانتصار متواضع، إلا أن التكهنات تراجعت مع استئناف قواته القصف على العاصمة الأوكرانية. وبإصرار الناتو التدخل نيابة عن أوكرانيا، بات المسؤولون الأوروبيون ينظرون إلى ثلاثة فئات أو سيناريوهات حول الطريقة التي سيتوقف فيها النزاع. ومهما كانت نتيجة أي منها: الإطاحة ببوتين، تسوية سلمية أو جمود في الأزمة، فلا عودة للنظام الدولي السابق.
أولا: الإطاحة ببوتين، تحدثت الكاتبتان عن تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن في وارسو، والتي خرج فيها عن النص المكتوب: “بحق الله، يجب ألا يبقى هذا الرجل في السلطة”. ونطق بايدن بما كان يفكر به معظم القادة الغربيون الذين سئموا من نزعة بوتين المحاربة وتهديده النووي ولا يصدقون أي كلمة يقولها. وقال السفير الأمريكي السابق في موسكو، مايكل ماكفول، إن بوتين الذي تدفعه الأيديولوجيا “ليس شخصا مفكرا ويأخذ بعين الاعتبار الكلفة والعدد” مما يعني أنه لم يكن لدى الغرب ما يفعله لردع بوتين عن شن الحرب في المقام الأول ولا حتى إقناعه.
وعليه تحلم واشنطن في مرحلة ما بعد بوتين وكيف ستبدو. وبناء على هذه الرؤية، فالمقاومة الأوكرانية وبدعم كاف من الغرب وبدون تصعيد الحرب، ستكون قادرة على توريطه في حرب مستعصية. ولكي يواصل الحرب، يحتاج بوتين لتجنيد أعداد جديدة من الجنود سيعودون في أكياس الموتى، ولا تستطيع آلة الدعاية التي يديرها تبييضها، بشكل سيدفع أمهات الجنود القتلى للخروج إلى الشوارع كما فعلن أثناء غزو أفغانستان. إضافة إلى معاقبة الطبقة المتوسطة التي اعتادت على ماكدونالدز بشكل يدفعها لمعارضة الحرب.
وكما قال مسؤول غربي، فستحاول النخبة الروسية خلق دائرة إعدام دائرية لروسيا في حربها الكارثية في أوكرانيا، وستكون هناك محاولات لتوجيه أصابع الاتهام للأخرين. وهناك أدلة مهمة حول الانزعاج من الطريقة التي توسع فيها الغزو ووصل إلى النخبة بشكل عام”. وفي النهاية، سيقوم الجنرالات والجواسيس، ومعظمهم تحت الإقامة الجبرية، بمنح بوتين جرعة السم والتخلص منه. وستخرج النخبة المؤيدة للغرب من وسط التظاهرات في موسكو، والتي ستتزامن مع الانقلاب. وسيعطي الزخم الروسي والانتصار الأوكراني نكهة للديمقراطية الليبرالية التي شوهدت بداية التسعينات من القرن الماضي. وستكون أوكرانيا درسا مهما ليس لموسكو فقط، ولكن للصين ورئيسها شي جين بينغ، الذي قد يكون أكثر تفكيرا في مجال تحليل الكلفة من بوتين.
ولكن المجلة تقول إن هذا الحلم يقف أمامه الواقع، فآخر مرة أطاح فيها الروس بزعيم عليهم كانت عام 1917، وفي غياب المعارضة المنظمة، فلا ضمان أن يكون الزعيم الجديد بعقلية مختلفة عن بوتين. ومن الخطأ التفكير أن تجربة روسيا ستغير من مواقف الصين بشأن تايوان. وستجد الصين راحة في أن اقتصادها أقوى من روسيا، وصعوبة فطم الغرب عن الطاقة الروسية، وكذا تردد الناتو بالمخاطرة بأمن أعضائه والدفاع عن أوكرانيا.
السيناريو الثاني: التسوية، فقد كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مصمما على إمكانية التوصل لتسوية. ولكن المسار نحو التسوية متباين، ولا يوجد وضوح حول التنازلات التي يمكن للأوكرانيين والغرب تحملها وقبولها. فالدول الأوروبية الغربية تريد إعادة الوضع الاقتصادي لطبيعته، ووسط الإشارات عن تلاشي أثر العقوبات، يجب أن تكون العقوبات أقوى، وهذا لن يضر روسيا فقط.
فزيادة أسعار المعيشة هي التهديد الاكبر لإعادة انتخاب ماكرون. وحذر المستشار الألماني أولاف شولتز من أن تجنب النفط والغاز الروسي سيؤدي إلى ركود اقتصادي. وقالت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي في حديث للقناة الناطقة بالروسية وتدعمها الولايات المتحدة “كرنت تايمز”: “لو تفاوضنا على تسوية لهذا النزاع يخرج القوات الروسية من أوكرانيا ويحمي السيادة الأوكرانية ووحدة أراضيها ويؤكد على إعادة بناء أوكرانيا، فعندها يمكن وقف العقوبات”. وأضافت: “قد نشاهد سيناريو نتدخل فيه لإخراج القوات الروسية من أوكرانيا والتراجع عن العقوبات”.
وعبّر فولوديمير زيلينسكي عن انفتاح بشأن التراجع عن انضمام بلاده للناتو، وربما كان بوتين قادرا على انتزاع أراض والاحتفاظ بالقرم ودونباس بدون اعتراض أوكراني مقابل انسحاب القوات الروسية من بقية البلاد. وسيناريو كهذا يثير خوف العواصم الأوروبية مثل باريس وبرلين، فلو انقسمت أوكرانيا إلى قسمين، فسيتحمل الغرب مسؤولية إعادة تعمير الجزء الحر، مما يعني خلق نموذج ألمانيا الغربية والشرقية لمقارنة الجزء الشرقي بالغربي من أوكرانيا والحياة القاسية فيه تحت حكم روسيا.
إلا أن الواقع يشير لخرق بوتين كل تعهد قدمه خلال الشهر الماضي، سواء الانسحاب من كييف أو المعابر الإنسانية لخروج اللاجئين. وحتى لو نفذ بوتين وعوده، فأي مكاسب تحققت من خلال نزاع غير مبرر ستقوض أمن النظام الوطني القائم على القانون. وستنظر دول شرق أوروبا التي كانت صقورية بشأن التدخل الروسي إلى أي تسوية مع بوتين تهديدا لأمنها.
السيناريو الثالث: حرب بلا نهاية. وفي هذا السيناريو ستستمر الحرب لعقد حسب تقدير وزارة الدفاع الأمريكية. وبالتأكيد، لا توجد إشارات عن استعداد الطرفين لمفاوضات جدية. ويرفض الرئيس زيلينسكي أي تنازلات إلا حين تتراجع القوات الروسية إلى مناطق ما قبل 24 شباط/ فبراير. وتحقيق وضع الحيادية في الدستور، يحتاج إلى استفتاء من الصعب تنظيمه في ظل الظروف الحالية.
وفي الوقت نفسه، يبدو أن الرئيس بوتين منعزل عن الأوضاع في أوكرانيا. وبحسب الاستخبارات الغربية، فالمقربون منه لا يقدمون له صورة حقيقية عن الواقع. ويبدو النزاع الأن وكأنه سوريا في أوروبا الشرقية. ويقف الناتو موحدا ومصمما في رفضه إرسال قوات وإسقاط الطيران الروسي. ولا يستطيع الأوكرانيون رغم عواطفهم وحماسهم للدفاع عن وطنهم مواصلة القتال.
وقال مسؤول غربي: “سنصل إلى نقطة يقرر فيها الروس أنهم حققوا ما يريدون في ماريوبول ويتطلعون للأمام وينتقلون إلى الشمال ويحاولون شن عملية عسكرية واسعة” ضد القوات الأوكرانية في دونباس. ومع سيطرة الروس على ماريوبول، فآخر أمل لدى الأوكرانيين هو حرب العصابات. وهذا يعني نقل القوات العسكرية المنظمة بعيدا عن جبهات القتال، أي “تغيير مكلف للوضع” كما تقول جينفر كافاريلا، من معهد دراسات الحرب.
وبدون أي أمل للسيطرة على أوكرانيا، سيتجه بوتين نحو التدمير المنظم. ولن يفوز بوتين، لكن أوكرانيا تخسر سكانها واقتصادها. ولكن الواقع يشير إلى أن استمرار الحرب وعدم مشاركة الناتو في وقفها، سيزيد من تدفق اللاجئين غير القادرين على العودة. ولن يكونوا القادمين الجدد، فقد سبقتهم موجات من الشرق الأوسط وأفريقيا ووسط آسيا التي تعاني من مخاطر انهيار الاقتصاد الروسي ووقف تدفق الطعام، مما سيعيد النقاش حول الهجرة في الديمقراطيات الغربية.