حذّر المعلق في صحيفة “الغارديان” سايمون جينكنز، رئيسَ الوزراء البريطاني بوريس جونسون من الحرب، ومحاولة بناء مقارنات مع الماضي. وقال: “لا، حرب أوكرانيا ليست بريكسيت، لا، الروس ليسوا نازيين، كما أنهم ليسوا الأوكرانيين. لا، جونسون ليس تشرتشل أو بيرسيلز (سياسي إغريقي) ولم تبدأ الحرب العالمية الثالثة إلا إذا اخترنا بدايتها. ومقارنات كهذه هي بغيضة وفارغة عندما يتم استخدام التاريخ فيها كدليل على الحاضر أو المستقبل”.
والمشكلة الوحيدة التي لا يستطيع الكاتب تحملها في مقاومة أوكرانيا المدهشة لروسيا هي لجوء الرئيس فولدومير زيلينسكي للمقارنات التاريخية، وهذا أمر مفهوم في محاولته لإقناع الناتو بقبول بلاده كعضو فيه ودعم قضيته ضد روسيا. فالمعركة هي معركة وجود. ولكن استحضار صور القرن العشرين الملطخة بالدماء ليست الطريقة لعمل هذا. وبالنسبة لجونسون، فتصويره الكرملين بأنه على قدم المساواة مع الاتحاد الأوروبي، وهي منظمة تريد أوكرانيا الانضمام لها، فهو مثل تصويره أحمقا في ملعب يدير البلاد.
ولا ينكر الكاتب أن معظم الحروب هي نتاج تاريخ مشوه أو يحرف لخدمة طموحات أفراد أو جماعات يسكنها الجشع أو الشعور بالكرامة. فقد كان فلاديمير بوتين ناجحا في تصوير توغلاته السابقة في شبه جزيرة القرم ودونباس بناء على موضعتها في السياسات المحلية. ولكن غزو أوكرانيا يبدو أمرا مرتبطا بهوس شخصي، وقام على قراءته للتاريخ، ويحتاج إلى قمع كبير وخداع أكبر للحصول على موافقة الشعب الروسي.
وكان الخداع محلا للمقارنات المستمرة بين حملة الناتو “الصدمة والترويع” على بغداد في عام 2003، وهي مقارنة لم يستطع الرقيب الغربي تحملها من قناة “روسيا اليوم”. وهناك طريقة سهلة لمساعدة أوكرانيا بدون التصعيد العسكري: إلغاء ديْنها الأجنبي. وحذر التاريخ الناتو عام 1989 بعدم استفزاز روسيا ورهابها بعد هزيمتها في الحرب الباردة وتوسيع حدوده إلى دول البلطيق. لكن الناتو تجاهل التحذير.
أما اليوم، فقد قرأ الناتو التاريخ بطريقة مختلفة، ورفض دعم أوكرانيا عسكريا. ورفض الانجرار لمحاولات بوتين الذي يريد تصوير الناتو كمعتدٍ. وبعمله هذا، كان على الناتو تحمل مقارنات الصقور الذين رأوا في رفض الناتو دعم أوكرانيا بأنها لحظة مثل عام 1938 التي استرضت فيها دول أوروبا ألمانيا النازية.
لكن جو بايدن، الرئيس الأمريكي ليس نيفيل تشامبرلين (رئيس الوزراء البريطاني الذي وقّع على اتفاقية مع هتلر)، كما أن بوتين ليس هتلر ولا نابليون أو ستالين. ومقارنة بوتين بهتلر أمر مغر، لكن الإغراء هو السماح بطغيانه على المنطق. وربما انتظرنا سنوات لكي يقول علماء النفس رأيهم في أفعال بوتين، لكننا نعيش في عام 2022 وليس ثلاثينات القرن الماضي.
ولا يوجد شيء أخطر من منح التاريخ الأولوية لكي يتفوق على الجغرافيا. فالتاريخ ذاتي وانتقائي. أما الجغرافيا، فهي في الحقيقة ملكة العلوم. فكما كانت أوكرانيا دائما ضحية الجغرافيا، فربما كانت روسيا ضحية لحدودها مع توقف طموح بوتين لاستعادة المجد التاريخي في أوحال السهل الأوروبي العظيم. ويظل الناتو مخلوقا من مخلوقات القرن العشرين، إلا أن منظريه الإستراتيجيين نظروا على الأقل للخريطة، وفهموا أن حدود روسيا مع أوكرانيا ليست المكان الأمثل لبدء حرب واسعة ستكون بدون مثيل لها في التاريخ.