من جديد عاد ملف قطاع غزة “الساخن دومًا”، ليتصدر المشهد السياسي في إسرائيل، بعد تصريحات مثيرة للجدل صدرت عن أعلى مسؤول في الجيش الإسرائيلي، فتح معها باب التساؤلات على مصرعيه حول توقيتها وأهدافها الخفية، ومصير غزة التي يعاني سكانها من ويلات حروب سابقة لم تُشفى بعد، ومخاوف من استغلال الأزمة الحاصلة بين روسيا وأوكرانيا وإنشغال العالم، لتوجيه ضربة عسكرية قوية للقطاع.
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، لم يُخفي مخططات بلاده التي تُحاك بسرية ضد قطاع غزة، رغم حالة “الهدوء الحذر” الحاصلة خلال الشهور الماضية، وذكر بكل صراحة عن طرح فكرة إعادة احتلال القطاع من جديد، على غرار العملية العسكرية التي نفذها جيش الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة عام 2002، في محاولة للقضاء على الانتفاضة الفلسطينية الثانية، في حينها.
وقال كوخافي في مقابلة أجراها مع هيئة البث الإسرائيلي (“كان 11”) عرضت مقتطفات منها على الموقع الإلكتروني للقناة، وذلك بمناسبة مرور 20 عاما على عملية العسكرية الإسرائيلية “الدرع الواقي”، والتي شهدت توغل قوات الاحتلال في المدن الفلسطينية: ” يمكننا أن نفعل ما فعلناه في عام 2002 اليوم في العام 2022 في غزة أيضًا، وبطريقة أكثر فاعلية”، وأضاف “لا يوجد مكان لا يمكننا الوصول إليه”
وتابع حديثه “قدرة الجيش الإسرائيلي على احتلال المدن الفلسطينية وإدارتها أعطت القيادات السياسية والقيادات العسكرية الرفيعة الإسرائيلية، وكذلك القيادات القيادات الميدانية في الجيش الإسرائيلي، ثقة واسعة بأن الجيش قادر على الوصول إلى كل مكان”.
وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، قال كوخافي إن: “خيار اجتياح قطاع غزة برا، سيتم في حال “الضرورة القصوى”، وذلك في رد على الانتقادات الموجهة للجيش لعدم نشر قوات برية في قطاع غزة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع في أيار/ مايو الماضي.
التهديد الإسرائيلي لم يتوقف عند تصريحات كوخافي، بل قالت صحيفة “معاريف” العبرية، في تقرير سابق لها، إن جيش الاحتلال أعد سيناريو لشن عدوان على قطاع غزة، وهو يستعد له على قدم وساق، اذ يجري البحث عن مرشحين لموقع حاكم عسكري للقطاع، وإقامة معسكرات اعتقال ضخمة لاستيعاب آلاف المعتقلين، لفترات طويلة جدا.
يذكر أن “الدرع الواقي” هي العملية العسكرية التي قام بها الاحتلال، باجتياح المدن الفلسطينية في أعقاب تنفيذ الاستشهادي عبد الباسط عودة من مدينة طولكرم شمال غرب الضفة المحتلة في الـ 27 من آذار/ مارس 2002 عملية في فندق باراك في نتانيا.
وفي الثاني من نيسان/ أبريل عام 2002 باشرت قوات الاحتلال بإحكام حصارها على مخيم جنين بالآليات العسكرية، وقطعت عنه الكهرباء والمياه والاتصالات تمهيدًا لاجتياحه، حيث حشدت آلاف الجنود والدبابات والمجنزرات والجرافات للبدء بتدمير المخيم.
كما اجتاحت قوات الاحتلال المدن الفلسطينية الكبرى، بما في ذلك مدينة نابلس، حيث دارت معارك استشهد خلالها عشرات الفلسطينيين، وفرضت حصارًا على مقر الرئاسة الفلسطينية، حيث تواجد الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، الذي بقي محاصرًا في المقر حتى نهاية أيام حياته.
ويشير المحلل السياسي، تيسير محيسن، إلى أنّ التهديدات الإسرائيلية بإعادة احتلال القطاع بعد الانسحاب منه منذ سنوات طويلة لم تتوقف، إذ إنها حاضرة في كل الفترات، وهي ترتفع حسب سخونة الأوضاع الميدانية، معتبرَا أن هذا النهج نهج طبيعي من قبل الاحتلال، كنوع من رد الفعل وامتصاص لغضب الشارع الإسرائيلي تجاه السخونة في حالة الاشتباك الحاصلة.
ويوضح محيسن، أنه في كل العلاقة البينية بين الاحتلال وقطاع غزة لا زال موقف الاحتلال متذبذباً ومتردداً من ناحية حسم نهائي لطبيعة وشكل التوجه، فهناك أصوات تريد التعامل مع غزة على طريقة تقديم متطلبات إنهاء وتخفيف حدة الحصار وتقديم مجموعة من التسهيلات في مقابل الحصول على هدوء على جبهة غزة، وهناك من يرى ضرورة التعامل بنظرية لا يصلح إلا القوة.
وفي 12 سبتمبر من عام 2005، سحبت إسرائيل قوّاتها ومستوطنيها، وتركت وراءها أكثر من 24 ألف دونم، بعد أن كانت المستوطنات تنتشر في 21 منطقة من محافظات غزة الخمس، وتضم نحو 6 آلاف مستوطن كانوا يقيمون على مساحة عمرانية تُقدَّر بـ6 آلاف دونم.
والانسحاب من غزة، أو ما يسمّيه الاحتلال “فكّ الارتباط الأحادي”، جرى في صيف 2005، عندما كان أرئيل شارون في منصب رئيس الوزراء.
ويعيش في غزة أكثر من مليوني فلسطيني، يعانون أوضاعا معيشية صعبة للغاية، بسبب حصار إسرائيلي متواصل منذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالانتخابات التشريعية في 2006.
"رأي اليوم"