كرة النار الروسية في فيينا هل تنقذ بوتين في أوكرانيا؟ عمر هواش

الإثنين 14 مارس 2022 10:18 ص / بتوقيت القدس +2GMT
كرة النار الروسية في فيينا هل تنقذ بوتين في أوكرانيا؟ عمر هواش



كرة من نار رمت بها موسكو على طاولة المفاوضات النووية في فيينا، يعتقد كثيرون أنها أحرقت بعضاً مما كان متاحاً من فرص للتوصل لاتفاق، ذلك أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وفي لحظة حاسمة كان فيها العالم يترقب خبر التوصل لاتفاق في فيينا، فاجأ الجميع بمن فيهم الإيرانيين، بطلب ضمانات أمريكية مكتوبة  بحيث أن العقوبات الغربية المفروضة على بلاده بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، لن تؤثر على حق روسيا في التعاون الاقتصادي مع إيران.
طالبت طهران موسكو على لسان المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زاده، بتقديم إيضاحات عبر القنوات الدبلوماسية، وبدى أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني متفهماً للمطلب الروسي حين قال في تغريدة إن “ردود الفعل الإيجابية والسلبية للدول المنخرطة في مفاوضات فيينا ترمي إلى تأمين المصالح ونحن ندرك ذلك”، لكن ذلك لم ينزل برداً على كرة النار الروسية التي أشعلت في الداخل الإيراني المنتقدين لدور موسكو في الملف النووي، ما اضطر السفير الروسي في طهران “ليفان جاغاريان” للقول إن هناك “سوء تفاهم” موضحاً بعد أيام في مؤتمر صحفي بأن “روسيا تأخذ مصالحها بعين الاعتبار وينبغي ضمان التبادلات “الاقتصادية” مع إيران”.
فما هي هذه المصالح الاقتصادية الروسية في إيران التي انبرت لأجلها موسكو على هذا النحو على حين غرة، وهل تستحق أن تكون ورقة تزلزل طاولة المفاوضات النووية ؟
ضَمن الاتفاق النووي الموقع عام 2015 لروسيا شراء كل ما يفيض عن 300 كغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67%، كما تشتري إيران وفقاً للاتفاق اليورانيوم عالي التخصيب من روسيا لاستخدامه في مفاعلاتها للأبحاث، كما أن الاتفاق يسمح لروسيا بدعم إنتاج النظائر المستقرة المشعة للاستخدامات العلمية في مفاعل فوردو.
أما من تداعيات الإحياء المأمول للاتفاق النووي، فثمة تعاون عسكري اقتصادي يتمثل في تطلع طهران لإبرام صفقات تسلح مع موسكو كشراء مقاتلات تدعم خاصرتها الجوية، وشراء طائرات مدينة روسية، فضلاً عن طموحات طهران في استثمارات روسية في القطاع النفطي الإيراني في حال رفع العقوبات، حیث كشف وزیر النفط الإيراني خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى موسكو في كانون الثاني/ يناير الماضي عن اتفاقيات وصفها بالهامة في مجال الطاقة مع روسيا، إلا أن الطرف الآخر أي روسيا ربط ذلك برفع العقوبات الأمريكية، وهنا الجدير بالذكر أن موسكو دانت انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018 وإعادة فرض العقوبات على إيران إلا أنها امتثلت لتلك العقوبات حيث جمدت شركة “روس نفط” استثمارات ضخمة بمبلغ 30 مليار دولارفي مجال النفط في إيران، ومنذ التوقيع على الاتفاق النووي لم تبع روسيا لطهران أي طائرة سواء كانت مدنية أو عسكرية.
كما يمثل بناء وحدتين جديدتين في مفاعل بوشهر للطاقة النووية جنوب إيران وجهاً من أوجه التعاون الاقتصادي الهام بين طهران و موسكو لكنه يواجه عقبات وتأخير في العمل بسبب العقوبات الأمريكية وضعف إيران في تمويل المشروع.
حتى في ذروة التعاون الإيراني الروسي بعد تطبيق الاتفاق النووي لم یتجاوز التبادل التجاري بين البلدين ملياري دولار، واعتبر إعلان السفير الإيراني في موسكو كاظم جلالي فی الثالث من آذار/ مارس الجاري بلوغ الرقم إلى أربعة مليارات دولار رقماً قياسياً جديداً، لذا لايمكن القول إن هذا الحجم المتدني للتبادل التجاري هو ما دفع موسكو للمطالبة بضمانات أمريكية مكتوبة تصون مصالح اقتصادية روسية في إيران على قلتها.
ما الهدف من المطالب الروسية إذا؟
هناك رؤيتان:
الأولى: المدافعون عن تعزيز علاقات بلادهم مع روسيا في إيران، يقولون إن الضمانات التي طالبت بها موسكو تصب في صالح طهران، وأن تقديم هكذا ضمانات لروسيا يؤمن تطبيق واشنطن للاتفاق المحتمل في فيينا، وبالتالي عدم انسحاب أي إدارة أمريكية مقبلة منه، وهو ما يلتقي مع مطالب طهران بضمانات أمريكية، هذا الفريق يقول إن على روسيا أيضاً أن تطالب بضمانات للتعاون العسكري والاستثماري مع إيران.
الثانية: المنتقدون لسياسة روسيا في الاتفاق النووي، وهم يستندون إلى حد بعيد على التسجيل الصوتي المسرب لوزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف والذي كشف فيه عن أن روسيا لم تكن مع إبرام الاتفاق النووي عام 2015 بل وأنها كانت تعرقل ذلك، يقول هؤلاء إن روسيا تريد أن تحول إيران وملفها النووي إلى ورقة تساوم بها الغرب في ظل حربها على أوكرانيا، ولاتريد للملف النووي أن يغلق في هذا التوقيت.
هل من مصلحة روسيا إعادة إحياء الاتفاق النووي في ظل حربها على أوكرانيا؟
التوصل لاتفاق في فيينا:
– سيكون أحد مفاتيح النصر بيد الرئيس الأمريكي جو بايدن في سياساته الخارجية، الباحث عن إنجاز ما في الداخل على أبواب الانتخابات النصفية الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، لذا فإن إبرام اتفاق مع طهران هو انتصار أمريكي لن يقدمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره الأمريكي جو بايدن.
– ليس من مصلحة بوتين أن يعود النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية، فالعقوبات الأمريكية قلصت الصادرات النفطية الإيرانية حتى نحو مليون برميل يومياً، ورفع العقوبات سيتيح لطهران تصدير نفطها المخزن والعائم منذ سنوات ما يعني تعويض النقص في النفط الروسي الذي قد ينجم عن العقوبات الأمريكية.
عدم التوصل لاتفاق في فيينا أو تأخير ذلك :
– فشل المفاوضات النووية في فيينا وإحالة ملف طهران إلى مجلس الأمن الدولي ربما يكون أكبر هدية قد يبحث عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتخفيف وطأة الضغوط عنه، فذلك سيعني خلق أزمة جديدة في العالم، وانتقال الضخ الإعلامي والسياسي من أوروبا وتحديدا من أوكرانياً نحو الشرق الأوسط وتحديداً إلى إيران، السيناريو قد يكون أفضل لبوتين إذا قررت إسرائيل (حليفة روسيا) تنفيذ تهديداتها ضد المنشآت النووية الإيرانية، مدعومة بدعاية غربية مسبقة تحمل طهران مسؤولية انهيار المفاوضات.
الآن وقد علقت المفاوضات، لاتبدو إيران في موقف جيد، ولا أمريكا كذلك، لكن طهران رسمياً تظهر حريصة على الحفاظ على علاقاتها مع موسكو، لذا توجه وسائل إعلامها المقربة من مراكز صنع القرار للقول إن المطالب الروسية قضية جديدة لم تكن متوقعة، بل وتضيف أنها فرضت أجندة جديدة على جدول أعمال المفاوضات، لكنها تؤكد على أن العائق الأساسي في عدم التوصل لاتفاق حتى الآن يكمن في عدم اتخاذ واشنطن قراراتها السياسية في عدة قضايا أساسية وملحة، وليس المطالب الروسية.
صحفي فلسطيني
hawacho@aljazeera.net