المشكلة ليست في العري أو في "هزّ" صورة المقاومة الفلسطينية إنما هي رغبة دفينة في السيطرة على أجساد النساء وابقاء التكاذب مسيطراً على مشهد بات ممجوجاً.
عن أحداثٍ حقيقية يقدم الفيلم الفلسطيني “صالون هدى” إخراج هاني أبو أسعد، حكاية السيدة هدى التي قامت بدورها “منال عوض” والتي يجبرها الاحتلال الإسرائيلي على العمل لصالحه بعد تهديدها بإخبار زوجها عن خيانتها له. تصور هدى فتيات يأتين إلى صالونها عاريات بعد تخديرهن لتبتزهن لاحقاً مقابل العمالة لإسرائيل.
ريم أمٌّ شابة وزبونة قديمة لدى هدى، تذهب لتصفيف شعرها لتنقلب حياتها بالكامل بعدما استيقاظها عارية وقيام هدى بتصويرها، مهددة بإرسال الصور لزوجها.
لكن الحملة الهائلة التي يتعرض لها الفيلم التي وصلت إلى حد إدانته من قبل جهات فلسطينية رسمية لم تجد ما تنتقده سوى جسد النساء، وظهوره في سياق درامي في الفيلم.
اختيار النساء يرتبط بشكل أساسي برجالهن
حين تُسأل هدى في الفيلم كيف تختار الفتيات تقول: ” اخترت كل وحدة جوزها خرا”. وهي شتيمة تصف النساء بها الرجال العنيفين، أي أن هدى تختار نساءً يمتلكن نقطة ضعف أساسية، لتغدو قوة الزوج وعنجهيته وسيلة أساسية للسيطرة عليهن وبالتالي يسهل تجنيدهن. المسألة بسيطة في قصص الابتزاز الجنسيّ، يختار المبتزون ضحاياهم استناداً إلى عائلاتهن وأزواجهن، وكلما غاب الرجل الحرّ والعائلة الداعمة بات ابتزاز النساء أسهل، وبمعنى آخر ما كانت النساء ليتعرضن للابتزاز لو وقفت عائلاتهن معهن.
ككل عمل جديد يكسر تابوهات مجتمعية، يبدو أن الفيلم هزّ الكثير من الثوابت الأخلاقية الهشّة لدى جزء من الجمهور، فالقضية الفلسطينية لا تتحمل “إباحية كهذه” حسب المعترضين، الذين أطلقوا حملات شرسة فبحسبهم ليس صحيحاً تصوير الفلسطينيات “المناضلات” بهذه الطريقة، كما أن طريقة عرض الفيلم لتعاطي المقاومة الفلسطينية مع قضية هؤلاء النساء لم تعجب الكثيرين، والبعض وجد أن الفكرة جيدة لكن طريقة التصوير هي المرتبكة، يعني كمن يقول تحدث عن الابتزاز الجنسي من دون أن تظهر الجسد واكتب عن الجسد دون كلمات تصفه!
كل هذا يعني أن الإشكالية باختصار هي في جسد المرأة العاري ورغبة المجتمع التقليدي في السيطرة عليه، وكل جدل جديد يحدث حين يشعر الرجل أن سلطته على أجساد نساءه في خطر.
تعاني هدى في الأصل من مشاكل عائلية مع زوجها، وبعد خيانتها له، باتت فريسة سهلة، ليس لأنها خانت زوجها بل لأنها ستُحاكم بطريقة قاسية ولو أنها تملك الخيار، ربما تركته، لكنه سيقتلها إذا عرف عن خيانتها.
إذاً هدى أمام خيارين، إما الموت على يد زوجها أو العمالة لصالح الاحتلال، ببساطة عرف الاحتلال كيف يسيطر على النساء انطلاقاً من رجالهن، وفي حين تضعها الأعراف في مواجهة قاسية “فالإسرائيلي من خلفها والزوج من أمامها”، هل يعني هذا أن الزوج و”العدو” يتساويان في هذه اللحظة؟
بصورة مجازية نعم، فالاحتلال يسيطر على الأرض والزوج يسيطر على النساء، ولا يريد الاعتراف أنه منح المحتل مفتاح السيطرة على النساء.
الفتيات الفلسطينيات لسن بخير
القضية ليست بين النساء والاحتلال فقط إنما هي بشكل أساسي بين أزواج هؤلاء النساء والاحتلال، تهدد هدى ريم قائلة: “إذا حكيتي لجوزك أو لأي حدا تاني، المخابرات بترحمش رح تفضحك وبنتك رح تدفع التمن غالي”.
لم تقل هدى المخابرات ستقتلك أو تعتقلك، بل أنها ستفضحها وستسرب صورها العارية. يدرك الاحتلال أن مواجهته ليست مع النساء إنما مع رجالهن وكما تعتبر مجتمعات أن المرأة مجرد أداة لإنجاب المقاومين، كذلك يستخدمها الاحتلال لتقويض المقاومة، فحتى الرجل الذي يحقق مع هدى يحاكمها على خيانتها لزوجها، إذ وبرأيه لولا أنها لم تخنه لما كان الاحتلال تمكن من ابتزازها. يسألها بسخرية: “ليش لتخوني جوزك؟”، إلّا أن هدى المتمرسة بالرجال وبالمعاناة ترد عليه دون تفكير: “ليش أنت بتعرف جوزي؟ جرب عيش معه يوم واحد ورجعلي”.
على الجانب الآخر، قدمت المقاومة الفلسطينية طوال عقود النساء على أنهن كائنات مقدسة، أمهات ينجبن الشهداء. اختصار النساء بهذا الدور كان ثقيلاً، إذ تجاوز العديد من المشاكل المجتمعية والتي تعيشها النساء في دوائرهن الصغيرة كالأسرة، ليتجاهل الجميع أن أم الشهيد تتعرض للضرب وأخت المقاوم تُمنع من أبسط حقوقها والفتيات الفلسطينيات لسن بخير، ولكي تأخذ دورها الحقيقي في المقاومة يجب أن تشعر بوجودها كفرد في مجتمعها، كيف يمكنهن محاربة القمع وهن مقموعات؟
وكيف يمكن تجاوز الاحتلال وما يمارس عليهن داخل المنازل شبيه بممارسة الاحتلال، فإجبارهن على البقاء في المنزل أو ضرورة طلب الإذن قبل الخروج، هي ممارسات شبيهة بممارسة المحتل، الذي يمنع كذلك الفلسطيني من التنقل؟ ويمنحه تصاريحاً للعبور من منطقة إلى أخرى!
العميلات ضحايا المجتمع قبل الإسرائيلي
تختصر هدى كل هذا عندما تقول للمحقق: “المجتمع الي بمارس الظلم على حاله سهل كتير يحتلوه”، الظلم ليس محصوراً بالمحتل الإسرائيلي، فحتى “المقاومة” تسعى لقتل النساء العميلات واللواتي لم يخترن أن يكن هكذا لولا أنهن وجدن في هذا المجتمع تحديداً وانتمين لعائلات ذكورية، وعلى الرغم من إدراك المقاومة أن هؤلاء النساء هنَّ ضحايا المجتمع قبل الاحتلال، إلا أنها تودُّ التخلص منهن، وهذا ما يربك محقق هدى فيقول: “يمكن مجتمعنا غلط لكن حل الغلط مش بالغلط”.
المحقق يدرك أن حياة هدى مع زوجها بائسة وليس لديها خيار سوى الخيانة، كما يدرك تماماً أن هؤلاء الفتيات هن ضحايا هذا المجتمع بالدرجة الأولى لكن الحل هو قتلهن، وهو الحل الذي تستخدمه في العادة العائلات لمسح “عارها” حين تتخطى إحدى بناتهم حدودها.
هل الهرب من الحقائق هو الحل، وهل تكذيب الأحداث تارة ووصفها بالمبالغة تارة أخرى هي الحل؟ على الرغم من الأحداث حقيقية! ألم يشاهد المعترضون حجم الانتهاكات اليومية من المحتل ومن “المقاوم” بحق المجتمع الفلسطيني؟ أم أن الأمر يصبح مبالغاً فيه فقط حين يتعلق بجسد النساء! وهل تصوير المشهد عارياً بالكامل يجعل منه استعراضاً؟
مع أنه يمكن للمشاهد تخيل المشهد كاملاً حتى لو لم يعرض، لكن ما الفرق؟ بما أن النساء يتعرضن لأنواع مخيفة من الاستغلال، والمشهد العاري وكل التفاصيل التي صوِرَتْ هي جزء أساسي من عملية الابتزاز، والتي منحت القصة زخماً أقوى وتأثيراً أكبر، هل لو بانت بعض أجزاء جسد الممثلة فقط سيمر الأمر؟ في الغالب لا، لأن المشكلة ليست في العري أو في “هزّ” صورة المقاومة الفلسطينية إنما هي رغبة دفينة في السيطرة على أجساد النساء وابقاء التكاذب مسيطراً على مشهد بات ممجوجاً.