لا نـزال فـي الـبـدايـات الأولـى..صادق الشافعي

السبت 12 مارس 2022 01:00 م / بتوقيت القدس +2GMT



هذا هو الجواب الواثق على السؤال عن الحرب الدائرة في أوكرانيا ومسارها:
«إننا لا نزال في البدايات الأولى». يؤكد صحة هذا الجواب انه لا يلوح في الأفق ولا في مسالك السياسة ودهاليزها أي مقدمات مهما كانت متواضعة وتحمل الدرجة المطلوبة من الجدية والمصداقية لأي حل يمتلك الحد الأدنى من مقومات القبول او التوافق المبدئي قبل الحديث عن مقومات النجاح.
 ولا توجد مقدمات تحمل عوامل تطور ذاتي وموضوعي لأي مشروع حل.
على العكس من ذلك فإن الأمور يزداد تعمق مسارها في خطين متوازيين: خط زيادة العنف وزيادة عمقه ومساحته، يوازيه خط  زيادة تعقد آفاق امكانيات الحل التوافقي السياسي وسيرها باتجاه الاستحالة.
هذا يعني بالنتيجة، ان الحال في أوكرانيا مرشح لزيادة في التعقيد، وزيادة في العنف – وربما التمدد- بكل ما يصاحبه من ويلات تقع اساسا على رؤوس الناس العاديين.
في هذا الحال يمكن التقاط عدد من الملاحظات تختلف في رؤيتها وفي درجة أهميتها بين طرف وآخر:
الملاحظة الأولى، حول الصين ودورها.
حتى الآن، لم ترم الصين بثقلها في الحرب الدائرة لجهة المبدأ، وكما هو متوقع، يبدو الموقف الصيني أقرب الى روسيا. لكن تعبيرات هذا القرب ما زالت محدودة وضعيفة التأثير.     
ويبقى أهم التعبيرات ان الصين قادرة على استيعاب كل المنتجات الروسية التي بدأت الدول الغربية الإعلان عن مقاطعة شرائها، إضافة الى تعبير موقفها التصويت برفض ادانة روسيا في مجلس الامن الدولي دون ان يصل هذا الموقف الى استعمال حق النقض (الفيتو) وهي واحدة من الدول الخمس التي تمتلك هذا الحق.
بعض التعبيرات الاخرى يبقى في مجال التوقعات والاستنتاجات مهما كانت درجة قوتها. لكن الموقف الصيني لم يصل حتى الآن الى تبني وقيادة تحرك سياسي عالمي يتبنى مشروع حل واقعي ومنصف يوقف الحرب الدائرة، ويمنع إمكانية امتدادها وتوسعها، ويعالج مسبباتها بحكمة وموضوعية.
الصين لا تعطي أي تفسيرات لموقفها ولا تقدم إشارات تساعد على تفسيره. ويبقى الموقف الصيني بذلك قابلا لتفسيرات مختلفة وربما متضاربة: هل تنتظر الصين حتى تستوي «الطبخة» وتنضج شروط الحل؟
هل تنتظر الانكشاف الواضح، وربما الفاضح، لكل الأطراف المعنية بالحرب الدائرة بشكل مباشر أو غير مباشر؟
هل تراهن على دخول قوى الى جبهة المناهضين للحرب والباحثين عن حل واقعي وعادل؟ هل تنتظر اكتمال حساباتها لخوض معركتها الوطنية الخاصة لاستعادة جزيرة تايوان الى ارض الوطن الصيني وتحت سيادته الوطنية؟
الملاحظة الثانية، عن الموقف العربي الموحد تجاه الحرب الدائرة.
لم يصدر أي موقف عربي موحد حول الحرب الدائرة واطرافها وتفاعلاتها واحتمالاتها.
صحيح ان معظم الدول العربية اكتفت بإعلان مواقف منفردة لها عبرت عن موقفها في تصريحات مسؤولين فيها او في بيانات. لكن لم يحصل ان صدر موقف معلن عن مجموع الدول العربية، ولا حصل ان تم عقد اجتماع عربي عام مخصص لمناقشة هذه الحرب والخروج برؤية مشتركة لها ولأسبابها ودوافعها ومخاطر استمرارها وتطورها وامتدادها. وهذا ما يضيف تعبيراً جديداً لحال الضعف والعمل المشترك في النظام العربي العام.
الملاحظة الثالثة، لقد سلطت هذه الحرب ضوءا ساطعا على حال القصور والاتكالية الذي تعيشه عدد من الدول العربية - والى جانب العديد من دول العالم الاخرى- لجهة الاعتماد بنسب عالية (وبعضها جدا) على الاستيراد من الخارج في تأمين احتياجات مواطنيها من المواد الغذائية الأساسية (الاستراتيجية)، وبالذات مادتي القمح والذرة. وهما المادتان اللتان يعتمد عليهما في توفير رغيف الخبز اليومي للمواطن.
ان هذه الملاحظة تشير الى قصور او خلل في التخطيط والبرمجة وتحديد الأولويات وضمان توفرها الدائم وفي كل الظروف. وهي تشير أيضا الى الضعف الشديد الذي قد يصل حد الانعدام في التعاون بين الدول العربية والتخطيط المشترك باتجاه التكامل لتحقيق احتياجات كل بلد ومتطلبات التنمية فيها، وبالذات ما يتعلق منها بالاحتياجات الأكثر أساسية لعيش المواطن وتأمين احتياجات معيشته وخاصة خبزه اليومي. وإذا كانت دولة  - او دول - عربية ما لا تملك من الأراضي الزراعية ما يكفي او يصلح لزراعة قمح بمساحات تكفي لسد حاجة مواطنيها من الخبز، فلماذا لا يتم التعاون وتبادل المنفعة مع دول عربية تملك فعلا تلك المساحات المطلوبة من الأراضي، ويتم التفاهم والتعاون معها لزراعة القمح  بمساحات تكفي لتغطية حاجة الدولة المعنية، وعلى قاعدة تبادل المصالح والاحتياجات فيما بينها، بأمل الوصول الى درجة التكامل الاقتصادي بين الدول العربية او أكبر عدد ممكن منها.