في معرض رده على ماوصفها “بالتكتيكات الوحشية” التي ينتهجها بوتين في أوكرانيا، طالب نائب رئيس وزراء بريطانيا أصدقاءه في حلف النيتو بضرورة توحيد الجهود لإفشال بوتين، هنا يمكن فهم كيف يفكر خصوم موسكو في المواجهة الحاصلة، فالأخبار التي تتضمنها العواجل على شاشات التلفزة، عن آلاف المقاتلين الأجانب ومنهم أمريكان، تطوعوا للقتال في أوكرانيا ضد القوات الروسية، ربطاً مع الأسلحة الدفاعية المتطورة من مضادات للدروع والطائرات التي باتت بحوزة حكومة كييف، وباتت تؤلم بها موسكو، على الأقل كما تنقله بعض الفيديوهات حول ذلك، يمكن توصيف المرحلة القادمة وفق نقطتين رئيستين :
الاولى هي مد حكومة كييف بكل عوامل ديمومة مقاومتها وانزال أكبر خسائر ممكنة في القوات الروسية، مع ايمان الأطراف الداعمة بأنه في لحظة ما لم تعد بعيدة، فإن القوات الروسية ستدخل العاصمة كييف مهما بلغت الأثمان، وعندها سيبدأ سيناريو المرحلة الثانية: وهو مد المجاميع المسلحة والكتلة الشعبية الأوكرانية المسلحة، بكل عوامل البقاء والدعم لمتابعة المهمة في إيلام الروسي بصورة أشد وأكثر ازعاجاً للجيوش النظامية عندما تواجه مجاميع تنتهج أسلوب حرب الشوارع والميليشيات .
تاريخياً وكما هو معلوم لم تواجه الولايات المتحدة الاتحاد السوفييتي عسكرياً، واستطاعت حشد قوات “جهادية” تحت مسمى محاربة المد الشيوعي التي آلامت كثيراً السوفييت في أفغانستان، وهي اي الولايات المتحدة تسير وفق ذات النهج في مقابل سلوك روسي ذاته، يجد فيه البعض وقوع في الحفرة مجدداً عندما قررت موسكو الدخول العسكري المباشر في أوكرانيا، والذي وفر بطبيعة الحال التربة الخصبة في أن يُعيد الأميركي نفس الكباش، وربما نفس الحصاد ، في الوقت الذي كان أمام الروس سيناريو أفضل، لجهة دعم الانفصاليين شرق أوكرانيا في لوغانسك ودونيتسك بأسلحة استراتيجية تحقق الغايات الروسية .
عبارة رددها كل من الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته بلينكن، لجهة أن بوتين في حربه على أوكرانيا يريد تغيير أسس العالم التي أرستها الحرب العالمية الثانية، ومن ثم الحرب الباردة، في إشارة لمحاولة موسكو نسف عالم القطب الواحد والشذ عن عصا الطاعة الأميركية، هنا تحديداً تتجلى الحرب الروسية على أوكرانيا بصورتها الأكبر والأعمق.
في معادلة أن الروس لن يكون لهم الجَلَد على تحمل حرب استنزاف طويلة الأمد عسكرياً واقتصادياً مع استمرار عقوبات الغرب، وكذلك الغرب الذي لن يكون قادرا هو الآخر على التحلي ” بصبر أيوب ” في عزل روسيا عن العالم والتبعات الاقتصادية الضخمة التي تترتب على اقتصاداته من جراء ذلك العزل، هنا يمكن القول أن تقسيم أوكرانيا إلى شرقية للروس وغربية محايدة، قد يكون الطرح الأكثر حضوراً في مشهدية الحرب الحاصلة، تماماً كما قال دوغ ماكريغر كبير مستشاري وزير الدفاع الأميركي الأسبق .
كاتب وإعلامي فلسطيني
Dr.mbkr83@gmail.com