بدأت إسرائيل العام 2022 وهي تواجه مروحة واسعة من تهديدات الأمن القومي في بيئتها الإستراتيجية وفقاً لتقدير معهد إسرائيل لأبحاث الأمن القومي للسنة الجارية الذي اشار لثلاث جبهات كمصادر اساسية لهذه التهديدات (إيران والجبهة الشمالية، والجبهة الفلسطينية، والجبهة الداخلية).
وفيما زادت التقارير الدولية خاصة التقارير التي صدرت بعد صدور التقدير الإستراتيجي السنوي الإسرائيلي والتي تقدم إسرائيل كدولة أبارتهايد من قائمة تهديدات الأمن القومي، فقد جاءت العملية الروسية في أوكرانيا كتطور ينطوي على تهديدات تهدد قدرة إسرائيل على تنفيذ المخططات المقترحة لمواجهة ومعالجة التهديدات التي فصلها التقدير السنوي، لا سيما وأن تبني إسرائيل المتسرع للموقف الأمريكي في أوكرانيا أو الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ على حد وصف وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، قد يحرم إسرائيل من حرية العمل في سوريا ضد أهداف إيرانية وسورية.
ما تقدم يفسر تفضيل إسرائيل لخيار الوقوف على السياج (Siting on the fence) الفاصل بين المعسكرين المتحاربين على أرض أوكرانيا، كما يفسر زيارة بينت المفاجئة لموسكو ولقائه رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين صباح يوم السبتالماضي الموافق الخامس من مارس/أذار ثم توجهه للقاء رئيس الوزراء الألماني الجديد أولاف شولتس، ومكالماته الهاتفية مع الرئيس الأوكراني زيليتسكي، الأمر الي يشير الى أن زيارة بينت لموسكو قد جرى تنسيقها مسبقاً مع كل من ألمانيا وأوكرانيا وقبلهم واشنطن.
وعلى الرغم من عدم إفصاح اي من الطرفين الروسي والإسرائيلي لتفاصيل ما دار في اللقاء يوم السبت بين بوتين وبينيت، إلا أن الإعلام الإسرائيلي قد أظهر أن تقديم إسرائيل كوسيط بين روسيا والناتو في معالجة تداعيات العملية على العالم بأسره كأحد الأهداف التي تسعى إسرائيل لتحقيقها من هذه اللقاء، وأفصح البعض من المحللين الإسرائيليين عن جملة من الأهداف الأخرى يقف على راسها مساعدة موسكو في تهجير اليهود الأوكران إلى إسرائيل، علاوة على ضمان عدم مساس روسيا بحرية عمل الجيش في سوريا، إضافة إلى تفهم روسيا لموقفها من محادثات فينا حول الإتفاق النووي مع إيران.
تجدر الإشارة هنا إلى أن عدم الإشارة إلى موضوعة الأبارتهايد كواحد من اهداف الزيارة، إلا أن تركيز كبرى الصحف الغربية كصحيفة ليفجارو الفرنسية على ربط بوتيين بمفهوم النازية والخوف من أن يواجه يهود أوكرانيا وروسيا مصير الحرب العالمية الثانية يكشف عن أن إسرائيل قد شرعت في تطوير حملتها الدعائية لمواجهة مفهوم الأبارتهايد بمفهومي معاداة السامية والنازية، لا سيما وأن مفهوم الإرهاب لم يعد مفهوماً جاذبا للرأي العام العالمي في تأمين التعطف والتضامن مع إسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين.
ويمكن الإستدلال على صحة ذلك من خلال تركيز رئيس الوزراء بينيت في لقائه مع عدد من أعضاء اللوبي اليهودي الأمريكي أثناء زيارتهم لإسرائيل الشهر الماضي على الدعاية الإسرائيلية (الهاسبرا) وضرورة تطويرها وتحديثها في مواجهة حملة معاداة السامية المتصاعدة حول العالم، والأهم في تحصين الشباب اليهودي الأمريكي من الإنزباح نحو أعتبار إسرائيل دولة أبارتهايد.
وفي شأن تطوير مضمون وأدوات هذه الدعاية صرح عضو الكونجرس عن ولاية فلوريدا تيد ديوتش أن تطوير الهاسبرا اليهودية هي مهمته الرئيسة كرئيس للجالية اليهودية في أمريكا، إذ انه لن يرشح نفسه لعضوية الكونجرس في الجولة القادمة من الإنتخابات وسيتفرغ إدارة شؤون الجالية اليهودية الأمريكية في أكتوبر القادم.
وتأسيساً على ما تقدم يتبين مدى إنزعاج إسرائيل والحركة الصهيونية من موجة أعتبارها دولة عنصرية، ويثبت بالمقابل أهمية تطوير هذا الربط في إستراتيجيات الفلسطينيين الجديدة في صراعهم مع الإحتلال الإسرائيلي، وهنا ينبغي التبيه أن إكتفاء الفلسطينيين بمجرد إعتبار إسرائيل دولة أبارتهايد يضرب مشروعم التحرري في الصميم، إذ أنه مشروع قد صمم على النضال القائم على أن ضد الإستعمار والإحتلال ذو الطبيعة العنصرية الأبارتهادية وليس ضد طبعة هذا الإستعمار فقط.