أطلق الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) نتائج مقياس النزاهة في القضاء الفلسطيني في عدده الأول، والذي يعتبر الأول من نوعه في فلسطين، إذ بلغت العلامة النهائية (57 علامة من أصل 100 علامة) أي حصوله على تصنيف متوسط بناءً على نتائج ثمانين مؤشرا مستخدما في المقياس، ما يدل على أنّ وضع نظام النزاهة في القضاء الفلسطيني "مقلق".
جاء ذلك بحضور الائتلاف الأهلي لإصلاح القضاء وحمايته والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، وعدد من المؤسسات الحقوقية والمهتمين في الشأن القضائي.
وقد طور ائتلاف أمان مقياس النزاهة في القضاءالفلسطيني بناءً على عدد من المؤشرات القادرة على توصيف وقياس النزاهة في القضاء الفلسطيني، معتمدا على عدد من المعايير الأساسية المتعارف عليها وطنياً ودولياً ذات العلاقة بالسلطة القضائية باعتبارها إحدى السلطات الثلاث، ما يجعل المقياس أداة معيارية تعبر رقمياً عن مدى نزاهة القضاء وتحصينه ضد كلّ ما يمثل تهديداً لاستقلاله أو مناعته في مكافحة الفساد وقدرته وفاعليته في تأدية الدور المنوط به في تعزيز نزاهة الحكم وتحقيق سيادة القانون والعدالة وحماية حقوق المواطنين وضمان استقرار المجتمع.
شمل التقرير السلطة القضائية في دولة فلسطين تركيزاً على مجلس القضاء الأعلى والمحاكم النظامية والنيابة العامة في الضفة الغربية، إذ تضمنت عملية إعداد المقياس مراجعة تفصيلية للمبادئ الدولية المتعلقة بالشأن القضائي وللتشريعات الوطنية الفلسطينية الناظمة للسلطة القضائية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بمكافحة الفساد، إضافة إلى الأسس التي تتعلق بمبادئ الشفافية ونظم المساءلة وقيم النزاهة واستقلال القضاء.
نتائج المقاييس الفرعية لمجالات النزاهة في القضاء
حصل مجال الاستقلالية على 51 علامة أي تصنيف متوسط، فيما حصل مجال الفاعلية على 58 علامة أي تصنيف متوسط، بينما حصل مجال القدرة على 48 علامة أي تصنيف منخفض، ومجال التعيينات والشؤون الوظيفية على 65 علامة أي تصنيف متوسط.
أما نتائج المقياس الفرعية لقطاعيْ التشريعات والممارسات، فقد حصل قطاع التشريعات على 58 علامة (أي تصنيف متوسط)، فيما حصل قطاع الممارسات على 56 علامة (أي تصنيف متوسط).
أما نتائج المقاييس الفرعية حسب الأركان، فقد حصل ركن الشفافية على 67 علامة (أي تصنيف متقدم)، وحصل ركن مكافحة الفساد على 62 علامة أي (تصنيف متوسط)، أما ركن النزاهة فقد حصل على 56 علامة أي (تصنيف متوسط)، فيما حصل ركن المساءلة على 47 علامة (أي تصنيف منخفض).
على الرغم من احترام علنية المحاكمات واجراءاتها إلا أن عملية النشر للتقارير السنوية والقرارات الإدارية ما زالت ضعيفة
وأظهر التقرير ضعف تصنيف بعض المؤشرات التي أثّرت على نتائج المقياس، ومنها: عدم نشر قرارات مجلس القضاء الأعلى، وحدوث انقطاعات في نشر التقرير السنوي عن أعمال السلطة القضائية، كذلك عدم نشر بيانات واضحة عن موضوعات الشكاوى أو القضايا التي خضعت للتفتيش أو القضايا التأديبية، وعدم شمول التقارير السنوية الصادرة عن هيئة مكافحة الفساد لبيانات خاصة حول السلطة القضائية من حيث الشكاوى والبلاغات والقضايا التحقيقية والقضايا المحالة لمحكمة جرائم الفساد التي تتعلق بقضاة أو أعضاء نيابة أو عاملين في السلطة القضائية.
أشارت الدراسة أيضا إلى عدم سنّ قانون للحصول على المعلومات بوجه عام، وغياب آلية مكتوبة خاصة بالسلطة القضائية حول الحصول على المعلومات ذات العلاقة بالشأن القضائي، وعدم سنّ قانون يحدد شروط وكيفية التعويض عن الخطأ القضائي من دولة فلسطين، وعدم تحديث وتفعيل اللائحة التي تنظّم قواعد العمل في مجلس القضاء الأعلى، إضافة الى ضعف القواعد التشريعية المتعلقة بالتعيينات في السلطة القضائية من حيث تفصيل آليات الترشّح وطرق الاختيار بدقة ووضوح.
تدخل السلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية في السلطة القضائية
وقد أضاءت نتائج المقياس على اختلال مبدأ عدم قابلية القضاة للعزل بتدخلات تشريعية من السلطة التنفيذية، ما أدى لظهور ما يعرف بحالة "العزل المبطّن"، مشيرة في الوقت ذاته الى وجود مظاهر للتدخل السلبي من الأجهزة الأمنية في شؤون السلطة القضائية كشرط السلامة الأمنية عند التعيين والمماطلة في تنفيذ قرارات الإفراج عن محتجزين والمسّ بحرمة المحاكم.
وقد أظهرت النتائج انتقاص من تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص في التعيينات نتيجة تدخل السلطة التنفيذية في نتائج المسابقة القضائية، وغياب التطبيق الفعلي لمبدأ الفصل بين السلطات ما يظهر في الواقع علوية السلطة التنفيذية على بقية السلطات وفرض هيمنتها ويضعف من نزاهة الحكم. كما أشارت الدراسة في متنها الى اختلال مبدأ الأحكام القضائية واجبة التنفيذ نتيجة عدم التزام السلطة التنفيذية بتنفيذ أحكام القضاء الإداري في حالات عديدة دون بطء أو تأخير وعدم وجود سياسة لمحاسبة من يعطل تنفيذها، إضافة الى تحكّم السلطة التنفيذية في موازنة السلطة القضائية؛ فهي من تحدد سقف الموازنة وتقصرها على الرواتب والنفقات التشغيلية دون التطويرية وتقوم بإقرارها في ظل حلّ المجلس التشريعي.
التزام العاملين في السلكالقضائي بالذمم المالية
وأشار المقياس الى التزام العاملين المكلّفين في السلطة القضائية بتقديم إقرارٍ بالذمة المالية لدى هيئة مكافحة الفساد ووجود سجلّ خاص بالذمة المالية للقضاة. فيما أظهرت نتائج المقياس عدم شمول نظام التعامل مع الهدايا للقضاة وأعضاء النيابة العامة من جهة، وعدم كفاية الأحكام الواردة في مدوّنة السلوك القضائي بهذا الخصوص، وعدم تفعيل هذا النظام في السلطة القضائية بالنسبة للعاملين حتى اليوم من جهة أخرى.
توصيات مقياس القضاء الفلسطيني
وقد أوصت نتائج المقباس مجلس القضاء الأعلى بوضع آلية لنشر قراراته دورياً، ونشر بيانات واضحة حول القضايا التفتيشية والتأديبية ضمن تقريره السنوي، إضافة الى توفير وضمان حقّ القضاة في حرية التعبير والتجمع على نطاق أوسع، وشمول التفتيش القضائي لقضاة المحكمة العليا من الناحية العملية، واستحداث آلية لحفظ ملفات الدعاوى بصورة صارمة تضمن عدم التلاعب فيها.
كما أوصى المقياس السلطة التنفيذية (الرئاسة ومجلس الوزراء) بوقف كلّ أشكال الهيمنة أو فرض النفوذ التي تظهر من خلال التشريعات أو الممارسات تجاه تدخّل السلطة التنفيذية في القضاء بما فيها التعيينات وإدارة الموارد ومتطلّبات توفيرها وفق حاجات القضاء، وضمان احترام تنفيذ الأحكام القضائية من قبل مؤسسات الدولة المعنية بإنفاذ القانون ومحاسبة من يعيق أو يعطل تنفيذها.
فيما أوصت نتائج المقياس النائب العام العمل على رفع فاعلية ودور نيابة جرائم الفساد، موصية هيئة مكافحة الفساد بنشر بيانات محددة عن الشكاوى والقضايا المتعلقة بالسلطة القضائية ضمن تقاريرها السنوية.
كما أن على منظمات المجتمع المدني توحيد جهودها عبر استحداث آلية دائمة لتعزيز المساءلة المجتمعية للسلطة القضائية على أساس مبدأ استقلال القضاء، والتعاون مع مجلس القضاء الأعلى لإعداد منهاج متخصص حول النزاهة ومكافحة الفساد ضمن مناهج التدريب والتعليم القضائي.