حماد صبح: هل تكون إسرائيل أكبر مستفيد من الحرب الروسية – الأوكرانية؟ حماد صبح

السبت 05 مارس 2022 10:38 ص / بتوقيت القدس +2GMT
حماد صبح: هل تكون إسرائيل أكبر مستفيد من الحرب الروسية – الأوكرانية؟ حماد صبح



لها في كل عرس قرص ، وفي كل مأتم ميت، تلك هي إسرائيل. كانت هي الرابح الأكبر من عاصفة “الربيع العربي” بالتنسيق مع الغرب وعدد من الدول العربية التابعة له، ومن أبرز مظاهر ربحها علنية التطبيع ورسميته مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، وظهور كثير من جوانب علاقتها السرية الطويلة مع النظام السعودي إلى العلن، ولا نتحدث عن عظم إفادتها من الخراب والتمزق اللذين عصفا بسوريا وليبيا واليمن. وكل هذه الفوائد والأرباح لم تدفع فيها دولارا واحدا ولا قطرة دم.

كل الرياح في ” الربيع العربي ” الذي حرفه ثلاثي الغرب  والدول العربية التابعة وإسرائيل هبت في الاتجاه الذي تريده سفنها، وهو أن تكون آمنة وقوية ومهيمنة، ويدور الحديث عن صيرورتها وكيلا للغرب في هذه الهيمنة لانشغال أميركا بالصين وروسيا . وأضافت الحرب الروسية _ الأوكرانية دفعا قويا لهذا الانشغال جاذبة إليه كل أوروبا. ومن البداية لم تخفِ إسرائيل انحيازها لأميركا وأوروبا في الحرب، ولم يربكها سوى قلقها على مآل تنسيقها العسكري مع روسيا في سوريا ، وسارعت روسيا في جو موقفها الحرج عسكريا وسياسيا إلى بيان أنها ستواصل التنسيق العسكري مع إسرائيل في سوريا. وكان ذلك مكسبا رئيسيا أوليا لها، لإسرائيل.
واتجهت لنيل مكسب جديد ، فأعلنت أنها مستعدة للوساطة بين روسيا وأوكرانيا إلا أن الاثنتين تفاوضتا مباشرة الاثنين الفائت ، والمنتظر أن تتفاوضا اليوم، الخميس، وقت كتابة هذه السطور. وتركز إسرائيل على هدف كبير هو جلب أكبر عدد من يهود أوكرانيا الراغبين في النجاة من أخطار الحرب، ويقدر عددهم ب 200 ألف، وتريد إسكان هؤلاء المجلوبين في النقب.
ووصل فعلا عدد منهم، وجاهر بعضهم بأنه يحب بلاده أوكرانيا ، وهجرته منها مؤقتة ، وستعمل إسرائيل على جعلها دائمة. إنها كيان بدأ بالمهاجرين، وعاش على توالي وصولهم إليه ، وما كان قادرا على العيش بنموه البشري الذاتي في مواجهة النمو البشري الفلسطيني الحيوي ، وما زال هذا النمو في الطليعة: 8 ملايين فلسطيني في مواجهة 6 ملايين يهودي يضع كثيرون منهم أيديهم على جوازهم الأجنبي أو الإسرائيلي، ويتلقطون سوانح الهجرة ، ويتعاظم تلقطهم لها عند أي حرب بين إسرائيل وقوى المقاومة العربية. وفي الأخبار أن 30 مليونيرا يهوديا روسيا عزموا على الهجرة إلى إسرائيل جالبين معهم ثرواتهم الكبيرة ، وهذا ربح عظيم لإسرائيل، وخسارة عظيمة لروسيا، وفضح مخزٍ لولاء هؤلاء لوطنهم الأصلي روسيا . الوطنية الحقيقية تسطع وقت وقوع الوطن في حرب أو محنة ما ، والذين يفرون في مثل هذا الوقت خُواة النفوس من هذه الوطنية الساطعة الصادقة.
وكتبت مرة أن الإسرائيليين الذين هجروا وما زالوا يهجرون الفلسطينيين من وطنهم لا علاقة لهم بالحب والولاء للوطن وإلا لما جاؤوا إلى فلسطين مهاجرين مغتصبين تاركين أوطانهم التاريخية، ولما هجروا الفلسطينيين. وستواصل إسرائيل استغلال الحرب الروسية _ الأوكرانية لتكون  أكبر المستفيدين منها ، ومع كونها دولة ولدت بالحرب وعاشت بالحرب، وتتحين دائما سوانح  العدوان على سوريا وغزة ولبنان، وتقتل الفلسطينيين في الضفة، وتحاصر غزة ، والحصار شكل من أشكال الحرب، فلم يرَ رئيس وزرائها بينيت ما يخجل منه حين وصف الحرب بالأمر الفظيع متظاهرا بالحرص على وقف الحرب الحالية بين روسيا وأوكرانيا ومن يسمع كلامه ولا يعرف حقيقة دولته يتوهم أنه رئيس وزراء دولة محبة للسلام ولا صلة لها بالحرب والعدوان، ولكن من لا يعرف من هي إسرائيل حربا وعدوانا وشرا؟! وفي المقابل، لا نرى إلا انحيازا من دول عربية لأميركا والغرب في مواجهة روسيا، أوترددا حائرا بين الطرفين ، والدولة الوحيدة التي حسمت موقفها مع روسيا هي سوريا.
لا نعادي أوكرانيا ولا نريد لشعبها سوى الخير، لكننا لا نريد أن تستفيد إسرائيل من هذه الحرب ، ولا نريد أي فوز  للغرب العدواني  فيها ، ومن منافعها  أنها عرت ضراوة عنصريته والازدواجية المتطرفة الجائرة في موازينه في الحكم  على ذات الأحداث وفق الأطراف التي تشترك فيها . يتجاهل جرائم أميركا وإسرائيل ، ويستفظع ما تفعله روسيا في أوكرانيا ، ويحشد العالم لمواجهته ، ويصفه بجرائم حرب ، وجرائم ضد الإنسانية ، ويدفع محكمة الجنايات الدولية للنظر فيه.
كاتب فلسطيني