الحرب بين روسيا وأوكرانيا، هل تؤسس لمرحلة جديدة؟ صادق الشافعي

السبت 05 مارس 2022 10:37 ص / بتوقيت القدس +2GMT



طوال الأيام الأخيرة الماضية، ظل وما زال تركيز الاهتمام والمتابعة في معظم، إن لم نقل كل، دول وشعوب العالم، مركزا بشكل استثنائي على الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وظل هذا الاهتمام وحتى الآن، مقترنا بالخوف والهم والقلق، ومقترنا أيضا بالغموض وصعوبة القدرة على التنبؤ بمسار المعارك وطريق تطورها إن لجهة العنف ودرجة الإيذاء والتدمير، وإن لإمكانية تطورها وتمددها خارج الحدود الأوكرانية، إلى أراضي دول أخرى وناسها.
ويتصاعد الخوف والقلق إلى درجة أن يصل تطور هذه المعارك إلى حرب عالمية ثالثة، أو إلى درجة أقل: إلى حرب قارية يخوضها الاتحاد الأوروبي وحلفه العسكري «الناتو» ضد الدولة الروسية.
مع كل يوم جديد يحمله استمرار الصراع والمعارك تتعمق مشاعر الخوف والهم والقلق، وتزيد باطراد متواز مع مسار تعمق الصراع وتوسع دائرة ومساحة الأعمال العسكرية ومناطقها، وأيضا دولها.
والأهم أن مسار تعمق الصراع المذكور لا يوازيه أي مسار لبحث جاد عن وقف للقتال وعن وقف لإطلاق النار ولا عن اقتراحات ومشاريع وعن حلول وتفاهمات من أي نوع.
لكن هذا المسار يتوازى أيضا مع مشاريع وإجراءات تتبناها، بل وتبدأ في تطبيقها فعلا دول حلف «الناتو» ضد روسيا، وهي إجراءات تصب زيتا شديد قوة الإحراق إلى نار الصراع المشتعلة.   
في مقدمة هذه الإجراءات الحرب الاقتصادية المفتوحة وبلا قيود أو محددات التي تشنها هذه الدول ضد روسيا، بل وتدعو دولا ومؤسسات اقتصادية عالمية أخرى إلى تبنيها وشنها ضد روسيا واقتصادها بالذات.
وقد حققت في هذه الحرب الاقتصادية بداية ناجحة تمثلت أساسا في وقف قدرة روسيا على التعامل بنظام «سويف SWIFT» العالمي، وهو ما يخلق لها صعوبات قوية وقاسية - وربما مانعة أو معيقة كثيرا - في تعاملاتها التجارية والاقتصادية الأساسية والمهمة مع دول العالم ومع البنوك والمؤسسات المالية والاقتصادية العالمية.
واضح من سير وتطور المعركة أن القيادة الروسية قد أعدت للمعركة ضد «أوكرانيا» إعدادا مدروسا وشاملا من كل الجوانب العسكرية والسياسية والتحالفية والاقتصادية الداخلية والخارجية. وأنها حددت بدقة الأهداف التي تريد تحقيقها والمدى الذي تسعى للوصول إليه. ويبدو أن من ضمن هذه الحسابات الرهان أن دول حلف الأطلسي والدول الغربية بشكل عام لن تكون في وارد المشاركة القتالية العسكرية المباشرة ضد روسيا. ويبدو أن سير المعارك حتى الآن يشير إلى صحة هذا الرهان وان الدعم والمساندة من هذه الدول يقتصر على الدعم الاقتصادي - كما تمت الإشارة - وعلى السياسي والإعلامي والمادي، وعلى إمدادات ومعدات عسكرية لدعم قدرة أوكرانيا على الصمود في وجه الهجوم الروسي.
ويبدو واضحا أيضا أن القيادة الروسية في إعدادها للمعركة قد حفظت مساحة مهمة للدور الصيني بصرف النظر عن نوع هذا الدور وتعبيراته وتطبيقاته من جهة وتوقيتاته من جهة أخرى.
لجهة التعبيرات أو التطبيقات فيبدو جليا أن الدور الصيني سيكون أساسيا ومهما في مساعدة روسيا على التصدي للحصار الاقتصادي من قبل دول الغرب، حيث تبدو السوق الصينية قادرة وجاهزة ومستعدة لاستيعاب كميات كبيرة (إن لم يكن كل) المنتجات الروسية التي فرضت عليها دول الغرب المقاطعة.
ولجهة التوقيت، فإن الصين ستستفيد من معركة روسيا الحالية ضد أوكرانيا ودول الغرب الداعمة لها وتجيرها لصالح معركتها المؤجلة لاستعادة «تايوان» الصينية إلى حضن الوطن الصيني وتحت سيادته.
إن المعركة الدائرة حاليا، بالذات بشكلها السياسي المدعوم من دول الأطلسي ودول الغرب وقواها بشكل عام، تسلط ضوءا كاشفا بقوة عن ازدواجية المعايير لدى هذه الدول والقوى.
ففي حين تتصدى هذه الدول والقوى للحرب الروسية كما تسميها على أوكرانيا وتؤكد على استقلالية أوكرانيا ووحدة أراضيها وسيادتها الوطنية الكاملة عليها، فإنها ومنذ سنوات طويلة وفي مراحل زمنية مختلفة ومتغيرة تمارس سياسة «غض الطرف» والسكوت عن استيلاء وضم دولة الاحتلال الصهيوني أراضي يصنفها المجتمع الدولي عبر قرارات واضحة وصريحة ومكررة صادرة عن مؤسساته الرسمية والجامعة، يصنفها أنها أراض «تحت الاحتلال».
بل تسكت على عمليات الاستيلاء والضم وتتعامل معها كأمر واقع.
يحصل ذلك، في الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر سياسة الاستيلاء والضم التي تستمر وتواصل في تبنيها وممارستها وبتوسع مستمر ومتزايد منذ سنوات الاحتلال الأولى.
وحصل ذلك في إعلان إسرائيل سيادتها على كامل هضبة الجولان السورية المحتلة منذ العام 67 وإعلان ضمها الكامل والنهائي لها. ووصل الأمر في هذه الحالة بالتحديد إلى إعلان الرئيس الأميركي ترامب اعتراف الولايات المتحدة بسيادة دولة الاحتلال عليها.
وحصل ذلك أيضا في أراض مصرية.
من الصعب جدا التنبؤ بمسار هذه الحرب وتطورها ونتائجها ولكنها تطرح السؤال الأهم:
هل ستؤسس هذه الحرب لمرحلة تنتهي بها هيمنة الغرب وعلى رأسه أميركا على العالم وتفرده بتقرير مصائر الدول ومقدراتها وشعوبها؟