الحرب الروسية - الأوكرانية: المعايير المزدوجة والنفاق الغربي..

الأربعاء 02 مارس 2022 11:19 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الحرب الروسية - الأوكرانية: المعايير المزدوجة والنفاق الغربي..



بقلم أشرف العجرمي:

2022-03-02

يستمر الهجوم الروسي على أوكرانيا الذي بدأ منذ ما يقارب الأسبوع وتتطور الحرب التي يتوقع أن تطول ليس بسبب قدرة الجيش الأوكراني على الصمود، بل بسبب الدعم غير المسبوق الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا، وكأنها تريد توريط روسيا أكثر فأكثر في حرب استنزاف طويلة، تخسر فيها بشرياً واقتصادياً بصورة مؤلمة ربما تقود لانهيار الاقتصاد الروسي.
ويمكن القول إن سلسلة العقوبات المفروضة على روسيا هي أيضاً غير مسبوقة بحجمها وتنوعها، وهي تطال تقريباً كل المؤسسات الاقتصادية الروسية وكل قطاعات الاقتصاد باستثناء النفط والغاز اللذين لن يستمرا في التصدير إلى أوروبا بعد تطبيق منع روسيا من استخدام نظام سويفت لتحويل الأموال. كما تطال العقوبات رجال الأعمال والسياسيين الروس.
السلطات الروسية تقول إن «العملية الخاصة» في أوكرانيا ستستمر حتى تحقق أهدافها التي تتمثل في نزع سلاح أوكرانيا وجعلها محايدة بمعنى عدم دخولها إلى حلف «شمال الأطلسي»، وأيضاً التخلص ممن تقول عنهم إنهم «النازيون الجدد» أو «القوميون المتطرفون» أي السلطة الحاكمة في كييف.
والغرب بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة أوروبا وحلف «الناتو» ودول مثل كندا واليابان وغيرهما يريد تلقين روسيا درساً قاسياً على اعتبار أنها تهدد أوروبا ودول حلف «الناتو». والآن تذهب الأمور بعيداً نحو تدمير الاقتصاد وحتى دفع روسيا نحو الانهيار.
ولأول مرة يقوم الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات عسكرية مباشرة لدولة في حالة حرب، حتى ألمانيا خرجت عن قواعدها التي تعمل بها منذ الحرب العالمية الثانية بإرسال سلاح مباشرة لدولة تخوض حرباً.
عملياً الولايات المتحدة الأميركية ودول «الناتو» تتحمل المسؤولية عن اندلاع هذه الحرب لأنها تجاهلت خرق أوكرانيا لاتفاق «مينسك 2»، ولم تأخذ المصالح الأمنية الروسية بالاعتبار، وقامت بتسليح أوكرانيا ودفعها لاستفزاز روسيا.
وقد اعترفت الولايات المتحدة بأنها قدمت خلال عام ما يقدر بمليار دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا وكذا فعلت ولا تزال دول عديدة، وغالبية الدول الغربية الآن تتسابق في تقديم شتى أنواع المساعدات لأوكرانيا بما فيها الأسلحة الفتاكة بمئات ملايين الدولارات. والحرب الآن في الواقع ليست روسية - أوكرانية بل روسية - غربية على أراضي أوكرانيا وعلى حساب الدولتين الأوكرانية والروسية. ولهذا من المنطقي أن تطول وتتعقد وتجبي الكثير من الخسائر طالما أن الغرب يغذيها.
وما يجعل الحرب تطول أكثر هو تعهد روسيا بالحفاظ على حياة المدنيين وعدم المساس بهم، ويلاحظ بعد حوالى أسبوع من بدء الحرب أنه لا توجد خسائر كبيرة بين المدنيين، وتستغل السلطات الأوكرانية هذا بوضع منظومات سلاح مختلفة في الأحياء السكنية.
وقد يقود هذا إلى خسائر بشرية كبيرة لاحقاً في وسط المدنيين، إذا استمرت الحرب لفترة طويلة حسب التوقعات. ولكن بالرغم من كل الدعم الغربي لا يزال الروس يتقدمون في هجومهم على مختلف المحاور ونحو المدن الأوكرانية بما فيها العاصمة كييف.
ويبدو أنه مع الوقت سيكون من الصعب على الغرب إيصال المساعدات العسكرية إلى كييف في ظل الحصار الذي تفرضه روسيا على المدن وفي الجو والبحر أيضاً.
روسيا ذهبت بعيداً في تهديدها للغرب بعد إعلان حالة الاستنفار النووي القصوى وبعد مطالبة الولايات المتحدة بسحب سلاحها النووي من أوروبا.
ويبدو أن أميركا لا تريد الوصول إلى حالة من الصدام المباشر مع روسيا. وربما لهذا السبب يقول «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية) إنه يريد إنشاء قناة اتصال مع روسيا حول استخدام الجو.
وترى روسيا في الحرب الدائرة أنها حول أمنها القومي ووجودها وأنها لن تسمح بتحول أوكرانيا إلى تهديد استراتيجي عليها مهما كلف ذلك من ثمن. وتقول إنها استعدت لمواجهة العقوبات الغربية التي على ما يبدو ذهبت بعيداً أكثر من التوقعات الروسية.
الحرب مؤلمة ومكلفة، ومن مثل الفلسطينيين يعلم التكلفة الباهظة للحرب. ولكن ما نشهده هذه الأيام هو في غاية الغرابة، خاصة تباكي الغرب على حقوق الشعب الأوكراني على اعتبار أنه يلتزم بالدفاع عن حقوق الإنسان.
وإذا كنا لا نتمنى لأي شعب في العالم أن يعيش الحرب والصراع، ولكن من حقنا أن نتساءل: أين هذا الغرب المتباكي على حقوق الأوكرانيين من حقوق الشعب الفلسطيني؟. والحقيقة المرة التي يمكن استنتاجها من هذا الموقف الغربي هو الكيل بمكيالين والتعاطي مع الأزمات الدولية ومع مبادئ حقوق الإنسان بمعايير مزدوجة مليئة بالكثير من الكذب والنفاق. وأن المواقف الأميركية والأوروبية تهتم أكثر بالصراعات المتعلقة بمصالحها فقط بعيداً عن الاهتمام بمبادئ حقوق الإنسان.
فأين أميركا وأوروبا والغرب من إسرائيل التي تنتهك حقوق الفلسطينيين على مدار الساعة وقتلت آلافاً منهم وهجرتهم من ديارهم ولا تزال تخضعهم لاحتلال بربري ودموي وتنتهك كل القرارات والأعراف والمواثيق الدولية.
والأمر المؤلم أن إسرائيل لا تزال تحظى بحصانة دولية على كل جرائمها وتحظى كذلك بالرعاية التفضيلية في أوروبا وأميركا ويقدم لها كل أشكال الدعم بما في ذلك الأسلحة الفتاكة والمتطورة التي تقتل بها المواطنين الفلسطينيين.
ومن الذي دمر العراق وقتل مئات الآلاف من المواطنين الأبرياء بناء على كذبة، ودمر ليبيا وأفغانستان وقبلها يوغوسلافيا؟.
وفي الواقع لا توجد عدالة في هذا الكون بل مصالح تكون في معظم الأحيان ظالمة وغير متوازنة وتعتمد على القوة ليس أكثر.