ما بين سفينة سانتا ماريا وأوكرانيا.. كورونا العنصرية تجتاح العالم..

الثلاثاء 01 مارس 2022 03:48 م / بتوقيت القدس +2GMT
ما بين سفينة سانتا ماريا وأوكرانيا.. كورونا العنصرية تجتاح العالم..



كتبت دانة زيدان:

” هذا العالم يسحق العدل بحقارة كل يوم” راحت كلمات غسان كنفاني ترن في أذني وأنا أتابع نشرات الأخبار الأجنبية وتغطيات الصحافة للأحداث في أوكرانيا. فجأة صارت صور الشعب الأوكراني وهو يركض للملاجىء الحديث الوحيد للصحافة، وبات الأوكراني الذي يفجر نفسه لمنع تقدم القوات الروسية بطلاً قومياً يُحتفى به في كل المنصات، والأطفال الذين يولدون في الملجأ المُجهز تحت المستشفى يثيرون مشاعر الصحافة التي تقيم الدنيا ولا تقعدها تعاطفاً معهم.

لم أصدق عيني حين رأيت صاحبة نظرية “الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط” مجرمة الحرب كونداليزا رايس تحاضر عبر قناة “فوكس نيوز” بأن روسيا تجاوزت كل الخطوط الحمراء بغزو أوكرانيا، داعية لتشديد العقوبات وتسليح الجيش الأوكراني ونشر قوات الناتو وما إلى ذلك. رايس التي تلاعبت بالحقائق من أجل تبرير الغزو الأمريكي للعراق  وأفغانستان. الغزو الذي خلف مليون شهيد عراقي، ومئات آلاف المصابين، وملايين اللاجئين حتى اليوم. مهندسة سياسة التعذيب الأمريكي في السجون مثل أبو غريب، التي ترأست جنباً إلى جنب مع رمسفيلد الاجتماعات الخاصة بمسائل التعذيب الجنسي للمعتقلين كجزء من ممارسات الاستجواب، بشحمها ودمها تُنظّر وتحاضر بالغزو، وجرائم الحرب، واللاجئين!
كشفت هذه الحرب بما لا يترك مجالاً للنقاش بأن الرجل الأوروبي هو الذي يحدد من يستحق اللجوء ومن يستحق التعاطف بينما تروج ماكينة إعلامه لذلك بكل جسارة. فتارة يخرج مراسل قناة “سي بي اس” الأمريكية عبر نشرات الأخبار متأثراً لأن “أوكرانيا ليست العراق ولا أفغانستان، بل بلد أوروبي متحضر من المستبعد أن يحدث فيه حرب!” وتارة أخرى تغلب المشاعر مراسلة القناة الأمريكية “ان بي سي” وهي تتحدث عن اللاجئين الأوكرانيين الذين عبروا الحدود لبولندا كونهم “بيض ومسيحييون ومشابهون لجيرانهم”. أما صحيفة “نيويورك بوست” التي لا تنفك توصف الشعب الفلسطيني بالإرهابي، عنونت خبرها كالتالي: “بطلاً أوكرانياً يفجر نفسه لمنع الجيش الروسي من التقدم” ورئيس الوزراء البلغاري قالها بصراحة وصفاقة بأنه لا يخاف موجة اللجوء الحالية، لأن “اللاجئين الأوكرانيين أذكياء ومتعلمين عكس موجات اللجوء السابقة التي حملت أشخاص غير معروف ماضيهم”.
كشفت لنا العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بأن العنصرية لازالت تعشعش في دواخل الكثير رغم كل الشعارات الفضفاضة، والجمعيات، والقوانين. وبأن الرجل الأبيض الذي حملته سفينة سانتا ماريا بقيادة كولومبوس لأراضي دخلها على اشلاء أهلها ودمائهم ترك خلفه أحفاداً يحملون الإرث العنصري حتى اليوم، فيمنعون ذوي البشرة السمراء من ركوب القطارات، ويستقبلون اللاجىء صاحب العيون الزرقاء بالحب والورود، ويتركون السوري والعراقي والليبي -الذي دمروا بلده هم- لسمك البحر ينهش اشلاءه.
لا يتسع المجال لذكر أمثلة أكثر للعنصرية التي مارسها الإعلام والسياسيين و”النخب” الغربية في الأيام الماضية دون مواربة، ولا تجميل. السؤال هنا، هل تتعلم السلطة الفلسطينية الدرس بأن الرأي العالمي ذو المعايير المزدوجة لن يرضى عنها مهما تنازلت للاحتلال ومهما تملقت الغرب وركعت للأمم المتحدة؟ وبأن المولوتوف إرهابي إن كانت اليد التي تلقيه فلسطينية، وبطولي إن كانت بيضاء شقراء، ولن يغير ذلك شيئاً في نظرهم. وبأن مقاطعة الرياضيين الصهاينة ستبقى “معادة للسامية” بينما ستكون عملاً أخلاقياً حين تكون الضحية أوروبية.
لم تتعلم السلطة الدرس من أبطال عملية ميونخ الذين كتبوا في وصيتهم الجماعية: “إلى رفاقنا، وأهلنا، وإلى الرأي العام العالمي الذي لا يساوي عندنا شيئاً”. ولا من العدو الصهيوني الذي لا يلقي بالاً للرأي العالمي ويمارس الجرائم في وضح النهار وعلى مرأى من ذات العيون الملونة التي تبكي الشعب الأوكراني اليوم. فهل تتعلم السلطة الفلسطينية من أوكرانيا وروسيا والعالم الغربي أم سنبقى نقرأ مزاميرنا على داوود؟
كاتبة أردنية
Dana.zeedan@gmail.com