الحرب في أوكرانيا كشفت خللاً كبيراً في المنظومة الدولية،أولها استمرار وجود الأحلاف العسكرية والذي أقلق روسيا على مدى سنوات طويلة بعد تفكك حلف وارسو،وعندما قررت أمريكا بكل غباء استقطاب أوكرانيا إليه وإيقافه على حدود روسيا،فجُنّ جنون بوتين وشنّ حربه على عجل،لإيقاف هذا التهديد الماثل على حدوده.
أما ثاني عناصر هذا الخلل فهو حق الفيتو الذي يمثل خرقاً وشرخاً كبيراً في بنية المنظومة الدولية وتشريعاتها،هذا الحق الذي احتمت به إسرائيل طويلاً وأفلتت من تطبيق كل القرارات الدولية فيما يخص فلسطين لا بل تجاوزت ذلك إلى العربدة والطغيان.
ما سيترتب على ذلك هو ضرورة إعادة النظر في حق الفيتو هذا،وحتى لو لم يترجم ذلك إلى واقع،فإن مجرد وضعه على الطاولة يثير رعب إسرائيل.
ليس ذلك فقط ولكن إسرائيل ترى في سقوط أوكرانيا نذير شؤم بسقوطها هي،لماذا؟
لسبب بسيط وبديهي أن كل المنظومة الدولية التي تعول عليها إسرائيل فشلت في توفير الحماية لأوكرانيا وتركتها لمصيرها.
إسرائيل التي تعي جيداً أنها لن تصمد أمام هجمة عربية مماثلة،في حال تغيرت الأنظمة السياسية الضامنة،وهو الأمر الذي لا تستبعده إسرائيل في ظل الإرهاصات القائمة في واقع المجتمعات العربية ولذا سارعت لضرب طوق التطبيع،ولكنه تناوش من مكان بعيد لا فائدة ولا جدوى عملية منه،فما هي قيمة التطببع مع دولة كالإمارات سكانها خمسة ملايين هندي أو مع المغرب التي تقبع على الطرف القصي للجغرافيا العربية،
وحتى محاولاتها لوضع إطار فكري لهذا التوجه كالديانة الإبراهيمية،تعرف إسرائيل جيداً أنه طرح لن يحدث أي أثر في العقيدة الإسلامية الراسخة في وجدان الشعوب،وحتى سيف اللاسامية الذي سلطته على رقاب أوروبا بدأ يتهاوى وهي تعرف ذلك وتدركه جيداً.
إسرائيل التي أعلنت يهوديتها فشلت في خنق الصوت ومحاصرة الوجود الفلسطيني داخلها بمثل هذا الإعلان.وإذن فقد جاءت الحرب الاوكرانية لتضيء كل هذه الحقائق وترفعها أمام عيون إسرائيل الخائفة والمتخوفة طوال عمر وجودها.
لا بل إن رفض اليهود الأوكران للهجرة التي دعتهم إليها،قد رسّب هذه الحقيقة وأيقظ هذا التوجس لديها.
التوجس من الزوال القريب،وهو الموجود أصلاً في دخيلة وعقيدة إسرائيل لدرجة أنه حتى تنبؤات الشيوخ بزوالها في 2022،كافية لإثارة رعبها وجعلها تتحسس رأسها.
ولهذا السبب سارعت إسرائيل إلى إعلان الوقوف مع أوكرانيا في اللحظات الاولى للحرب،مغامرة بفقدان حليف أو نصير روسي مهّد لها لقصف سوريا وحزب الله وجبهة المقاومة بارتياح ودون خشية العواقب.
ولهذا راجعت إسرائيل موقفها الأول وعادت لتقف في البين بين.
باختصار فإن إسرائيل تتحسس رأسها وهذا يعني ببساطة أن القادم أسوأ بالنسبة إليها وعلى ضوء هذا التحسس علينا أن نحدد مواقفنا مما يجري في هذا العالم فنقرأ دوافعه ونقطف نتائجه وثماره ولا نتعامى عن هذه الحقائق والله ولي التوفيق.
كاتب اردني