الأجواء السياسية في تركيا تتهيأ لمرحلة ما بعد أردوغان، ويعزز ذلك ما يشاع حول نيته إبعاد قياديي حماس من على الأرض التركية، وهو الأمر الذي أوحى به تقاربه الأخير مع كل من الإمارات العربية وإسرائيل، والدعم المالي السخي الذي قدمته الإمارات له لإنقاذ الليرة التركية من الإنهيار.
ويطفو على سطح السجال سؤال:
كيف تردى الإقتصاد التركي وانهارت الليرة وتفاقم التضخم وأصبحت حياة المواطن التركي معاناة يومية بعد أن رفعت الحكومة سعر الغاز.
وسواء كان الضغط الغربي الأمريكي حيث تمتلك دول غربية حصة كبيرة من أسهم البنك المركزي التركي، وهذا إرث لم يفكر أو لم يتمكن أردوغان من التخلص منه، أو سواء كانت السياسات الفاشلة ،من مثل تخفيض سعر الفائدة بشكل حاد بقصد جذب الإستثمار، والتي أدت إلى عكس المطلوب تماماً، لأنه كما يعرف الإقتصاديون فإن التوقعات والتوجسات في مناخ سياسي متوتر هي التي تحكم وليس المعادلات الاقتصادية والحسابات، ففاقم انخفاض أرباح البنوك وضع الركود، ولم تتنام بالمقابل الاستثمارات كما كان مفترضاً، فدخل الوضع الاقتصاد بين حدي مقص.
ومعروف أن الأوضاع المعيشية هي التي تحدد اتجاه الناخبين أكثر من غيرها.
وعلى ضوء ذلك فربما يخسر أردوغان الإنتخابات ويغادر مقعد الرئاسة، ولكن الأهم من ذلك أنه ترك أثراً لن يمحى من بعده في وجدان وحياة الشعب التركي وأحيا انتماء تاريخياً كان ميتاً، وأنهى التغريبة التي عاشها شعبه في عهد الدكتاتوريات العسكرية، وأحيا في نفوسهم كبرياء الهوية الدينية الإسلامية التي تربعوا على عرش زعامتها حقباً طويلة من الزمن.
هذا الأثر لن يمحى ولن يسلمه الشعب التركي لأي حاكم جديد أو يسمح له بتجاوزه.
وقد حصن أردوغان هذه الإنجازات بتطهير الجيش والمؤسسات الأمنية وأجهزة الدولة من المعادين لهذا التوجه واستبدلهم بالموالين، ولذا لن تلعب هذه الأجهزة أي دور في الإنقلاب عليه، لا بل ربما ستحرسه وستقف سدّاً منيعاً في وجه من سيحاول المساس به.
وبخلاصة واختصار، لو اقتصرت إنجازات أردوغان على الإشارة بإصبعه إلى الطريق الجديد لكان هذا الإقتصار تحولاً تاريخياً إلى نهج سيسير عليه وطنه وشعبه من بعده وهذا هو شأن السياسي الملهم على مر العصور: إضاءة الطريق أمام الشعوب وتعبئتها لمواصلة السير على هذا الضوء، وهذا ما فعله أردوغان بالضبط مبتدءاً بهدم السقيفة القديمة المتداعية وحرق أخشابها في أتون التجديد و البعث الروحي على حرارة هذا التوقد.
كاتب اردني