كانت أحداث حي الشيخ جراح ونضالات أهله وتصديهم لاعتداءات المستوطنين ومن ورائهم ومعهم دولة الاحتلال وساكنوها وأجهزتها وقواتها، كانت هي المفجر الذي أشعل معركة "سيف القدس". فهل ستكون بأحداثها المتواصلة المفجر لمعركة سيف قدس جديدة؟
كل المؤشرات والمقدمات تدفع بهذا الاتجاه وتقود إلى هذا الاحتمال.
لا يضعف من قوة الاحتمال كل الأحاديث والتأكيدات المقللة من قوته أو حتى النافية له، وبصرف النظر عن الجهة التي أتت منها والدوافع من ورائها.
على رأس المقدمات والمؤشرات المذكورة يقف استمرار عربدة المستوطنين في الشيخ جراح واعتداءاتهم على أهلها وإصرارهم على طردهم من أراضيهم وبيوتهم ومصالحهم ليحلوا محلهم.
ويتلقى المستوطنون في اعتداءاتهم المتواصلة ومكشوفة الأهداف هذه كل الدعم من دولة الاحتلال وأجهزتها بالذات من مجلس نوابها وأعضائه أو أحزابها، سواء كان هذا الدعم بشكل مباشر ومفضوح واستفزازي، أو على شكل غض الطرف والتواطؤ مع اعتداءات المستوطنين والسكوت عنها أو حتى تشجيعها. كما يتلقون الدعم طبعا من قوى أمن دولة الاحتلال على اختلاف تسمياتها.
هذا الدعم من دولة الاحتلال يأتي طبيعيا ومنسجما مع سياساتها الاحتلالية والتوسعية بشكل عام، ومنسجما بشكل خاص مع قناعتها المعلنة بكل صفاقة ووضوح وتحدي بأن القدس الموحدة بشرقها وغربها ومقدساتها وحاراتها هي العاصمة لدولة الاحتلال الموحدة. وما يستتبعه ذلك من سياسات وقوانين وممارسات وإجراءات واعتداءات لفرض هذه الحقيقة في ارض الواقع. وتسعى في سبيل ذلك وبشكل خاص وبكل الوسائل، وفي مقدمتها وسائل القمع والعنف والمصادرات، إلى طرد سكانها الأصليين وإغلاق كل مؤسساتهم فيها، أو حصرهم في أضيق مساحة من حارات القدس الشرقية، وحصر وتقييد وتقنين حركتهم وتواصلهم مع المقدسات الإسلامية الموجودة في المدينة.
وتستغل دولة الاحتلال في تعاملها مع أحداث الشيخ جراح الظرف الدولي الحالي، من وضع الانشغال الذي يعيشه العالم بالأحداث الجارية في أوكرانيا وحملة التهديد والتصعيد التي تقودها الولايات المتحدة ومعها حلف "الناتو" ضد روسيا. وتستفيد أيضا من حالة السكون والصمت التي يعيشها معظم دول العالم وهيئاته ومؤسساته، مع استثناءات محدودة، لكنها مقدّرة ومحمودة.
ليس شرطا أن يكون تفجر الوضع على نفس النسق والطريقة العسكرية البطولية التي خاضتها القوى الفلسطينية ضد دولة الاحتلال ومؤسساتها العسكرية والأمنية وفرضت فيها حقائق سياسية مهمة إلى جانب إنجازات الصمود الشعبية العظيمة.
المرجح أن يأتي تفجر الوضع على شكل فعل جماهيري فلسطيني متنوع يقوم به أهل الوطن في كل ارض الوطن وفي المهاجر والشتات، ومعهم قواهم السياسية والنضالية والمجتمعية. إن دولة الاحتلال تتحسب لمثل هذا التفجر وتراقب مقدماته وعوامله وتحاول استباقه والإسراع في المبادرة إلى التعامل معه والتصدي المبكر له. يشهد على ذلك، حديث دولة الاحتلال المتخوف عن اقتراب شهر رمضان وان الشهر الفضيل سوف يشهد مستوى أعلى من التكاتف بين القوى الفلسطينية بشكل عام وفي كل مناطق الوطن بشكل خاص. وان هذا التكاتف سترافقه زيادة في منسوب الفعل النضالي الموحد وفي تنوع أشكاله ضد الاحتلال بشكل عام. وأيضا، في الدفاع عن القدس والتصدي لكل ما تتعرض له من اعتداءات وما يخطط لها من سياسات تقود إلى ضمها وتحقيق حلم دولة الاحتلال بأن تصبح العاصمة الموحدة لدولتها الموحدة.
إن تخوف دولة الاحتلال من تطور مستوى النضال الوطني الفلسطيني وجماهيريته ومستوى فعله وتنوع أشكاله النضالية في وجه الاحتلال ودولته وأدواتها لم يعد مجرد حلم أو تخوف وتطير أمني بلا أساس يقوم عليه.
إن مقدمات التطور وتعبيراتها تظهر بوضوح ملموس في تصاعد النضالات الوطنية ضد الاحتلال بكافة أشكالها وتنوعها وعلى امتداد مساحة ومناطق الوطن الفلسطيني التاريخي وتمتد إلى تجمعاته خارج الوطن.
وبالتأكيد فإن القدس بأهلها ومقدساتها وحاراتها وبكل ما تحمله من عبق القداسة والوطنية والنضال والصمود تحتل موقع المركز في هذا التطور النضالي.
إن الحديث عن حقيقة تطور مستوى النضال الوطني الفلسطيني لا يمكن أن يكون معزولا عن قواه المنظمة المناضلة.
وسيكون هذا التطور أعلى وأكثر إيلاما للعدو وانجح بالتصدي له وإفشال مخططاته مع كل تقدم ونجاح تحققه هذه التنظيمات في درجة ومستوى التوافق فيما بينها وفي عملها المشترك في إطار مؤسساتها وهيئاتها الجامعة وبهدي رؤية برنامجية واحدة وأطر جامعة وموحدة.