لن نتكلم في هذا المقال عن مواقف سيد القمني من الدين والاسلام والفقهاء والشريعة والازهر ,,,, فذلك ليس موضوعنا هنا. وعلى كل حال هو حر في افكاره وآرائه. ولكن المشكلة بنظرنا ان انتقادات سيد القمني – ومجموعة اخرى مثله – للتراث الديني وللشيوخ وللمؤسسات الاسلامية لم تكن في سياق خلق وعي مقاوم لظاهرة الاستعمار وسيطرته علينا ولا لمواجهة متلازمة التخلف والتبعية عن طريق مشروع للتحرر الوطني والاستقلال الاقتصادي .. بل تشعر ان هدفهم هو فقط خلق فئة ونخبة ملحدة كارهه للدين ومعادية للذات الوطنية ومؤمنه بعلمانية مشبوهة ليس لديها مشكلة مع الصهاينة وترى امريكا منارة الحرية في العالم والجيش الامريكي جيش تحرير.
سوف نقصر كلامنا هنا على موقف “المفكر التنويري” و “الحداثي” المزعوم من اسرائيل والقضية الفلسطينية. وسوف نعتمد على مقابلة طويلة له اجراها معه أحد المواقع الالكترونية وموجودة كاملة على اليوتيوب. وسوف نُبقي على اللهجة العامية المصرية في كلامه.
*****
يبدأ القمني حديثه بامتداح الرئيس التونسي بورقيبة صاحب الدعوة المشهورة للسلام مع اسرائيل والاعتراف بها عام 1965, فيصفه بـصاحب ” الوعي النافذ والرؤية الواضحة”. والسبب ان اسرائيل ” مش حنقدر نعمل لها حاجة. والحل ان احنا نعيش في سلام مع بعض”. ويضيف “اسرائيل كان عندها استعداد لفكرة التعايش , قبل ما تبتدي الحروب والمعارك والدنيا دي”. علماً بأن اسرائيل عام 1965 لم تكن حمامة سلام كما يحاول ان يصورها بل كانت وحشا ضارياً خاض حرباً وارتكب مجازر لا تحصى ضد العرب سنة 1948 وشاركت في العدوان الثلاثي على بلده مصر سنة 1956 واحتلت سيناء دون اي استفزاز.
*****
ويردد القمني مونولوج عاطفي تجاه اليهود الذين يعتبرهم اصحاب فلسطين الشرعيين ! فيقول ” هم مضطهدين في العالم وما صدّقوا لقيوا الحتة بتاعتهم, راجعين لها تاني يقعدوا فيها”. فعند القمني تصبح فلسطين : الحته بتاعتهم!
*****
ينتقل القمني الى ترديد مقولة دعائية من اسوأ وأحقر ما يكون, وهي أن الشعب الفلسطيني باع ارضه للصهاينة! فيقول عن اليهود في فلسطين ” وابتدوا يشتروا . هم مدخلوش خدوا الحاجة من الناس. اشتروا اشتروا اشتروا . معاهم فلوس . وانت بعت! ترجع تقول لأ انا عايز بيتي ؟! مش انت بعت! “.
ولن نكلف انفسنا عناء الرد على هذه الفرية الساقطة التي يرددها القمني بكل وقاحة, وسنكتفي بذكر الحقيقة التاريخية ان اليهود عندما اعلنوا “دولة اسرائيل” عام 1948 كانوا حينذاك يمتلكون 6% فقط من ارض فلسطين (اشتروا اغلبها من اقطاعيين من لبنان وسورية)! والباقي استولوا عليه بقوة السلاح والمذابح.
*****
ثم يبدأ القمني حفلة ردح وتسفيه للزعيم القومي العربي جمال عبد الناصر. فيقول ” عبد الناصر خد الموقف انه من اليوم اللي طلع : انا هحارب اسرائيل و هازيلها من الوجود. مهو إزاي انا أبقى سلطان العرب. إزاي انا أبقى الزعيم الاوحد في المنطقة. هي دي. التجارة دي. اسرائيل. نلعب اللعبة دي”. إذن يدعي القمني ان كل سياسة جمال عبد الناصر في التصدي لاسرائيل ومواجهتها كانت مجرد “تجارة” و”لعبة” ! وينسى القمني أن اسهل الطرق امام عبد الناصر لكسب الرضى الامريكي/البريطاني/ الاسرائيلي كان الخضوع والاستسلام ولو فعل ذلك لما حاربوه وتآمروا عليه. ينسى القمني ان مواجهة اسرائيل أمر خطير وصعب وله ثمن باهظ دفعه عبد الناصر, وذلك ليس بفعل تاجرٍ كما يصوره.
*****
ويبذل سيد القمني جهدا كبيرا لغرض في نفسه : محاولة الفصل التام بين مصر ومحيطها العربي عموما , وفلسطين خصوصاً. ويبدو القمني متهافتاً وتافهاً وهو يؤكد ان مصر ليس لها اي علاقة بما يجري في فلسطين وكأن اسرائيل لم تكن تشكل تهديدا على الاطلاق للأمن القومي المصري ! ومسألة تهديد الكيان الصهيوني للأمن القومي المصري ليست بدعة من بنات افكار جمال عبد الناصر بل هي بديهية يدركها أبسط الناس ثقافة ووعياً , وحتى الملك فاروق وباشاواته , النحاس والنقراشي, أدركوا ذلك فقرروا خوض الحرب في فلسطين.
يسفّه القمني الموضوع, فيقول ان الصراع في فلسطين بين اليهود والعرب انما هو صراع بين ابناء “سام” بينما المصريون هم ابناء “حام” ! ثم يضيف ” انتوا ولاد سام بتتخانقوا مع بعض, مالي انا ومال خناقتكم ؟! أنا ابن حام, أخشّ يا عبد الناصر المعركة دي ليه ؟! أنا مال أهلي ؟”!
ثم يبدأ يتفوّه بترّهاتٍ حول تاريخ اليهود في جزيرة العرب. يقول ” 80% من سكان الجزيرة كانوا يهود. نسبة قليلة مسيحيين ونسبة قليلة وثنيين. ثم حصل حرب بينهم وبين محمد , أنا مالي أنا ؟! معركة في الحجاز , الاتنين عرب دا عبد الرحمن ودا عبد الرحمن متلاقيش كوهين ولا راشيل في جزيرة العرب. أنا مالي أنا ؟ هو انت مهمتك يا مصري الدفاع عن الانبياء؟ انت مكلف تدافع عن الانبياء؟”.
ويحرص القمني بكل قوته على نفي عروبة فلسطين, فيغوص اكثر في التاريخ ليؤكد ان الكنعانيين , الذين كانوا موجودين قبل العبرانيين في فلسطين, ليسوا عرباً. يقول ” دلوقتي لو اتكلمنا عن الحقوق, العّبّط اللي كانوا بيقولوه : لأ قبل اليهود دا كان موجود الكنعانيين العرب. مكنش في عرب يا عم. الكنعانيين مش عرب. عرب ايه اللي كانوا موجودين؟!”. والهدف واضح تماما من حرص القمني على نفي عروبة الكنعانيين: فما دام ان سكان فلسطين القدماء (الكنعانيون) ليسوا عرباً وما دام انهم غير موجودين اليوم فإذن تكون فلسطين هي حق لليهود وحدهم , وهم موجودون اليوم ! يضيف القمني ” يقول لك : لا لا مش اليهود الاسرائيليين هم اصحاب المكان, العرب الكنعانيين! هنا مصيبتنا الدائمة. نحن آلهة نظيفة جدا نمسك التاريخ نعكسه ونزبطه عشان نطلع مش غلطانين”.
وأما من هم العرب بنظر القمني ؟ يقول لنا ” هم بنو المشرق, او بنو اسماعيل, شذاذ الآفاق اللي كانوا دايرين يجروا في الصحرا بيموّتوا بعض”. وطبعا “شذاذ الافاق هؤلاء لا حق لهم بفلسطين حسب رأي “المفكر” النرجسي المنتفخ سيد القمني.
*****
ويعود سيد القمني الى جمال عبد الناصر, ليوجّه له تهمة صهيونية , قديمة وباطلة, وهي انه طرد يهود مصر , البريئين المساكين دون ذنب اقترفوه! يقول ” تيجي في 56 انا أمشّي مصري من بلده عشان دينه ؟! دي مذبحة كرامة ووطنية. يعني بالزبط زي ما تيجي النهارده تقول احنا هنطرد المسيحيين من مصر. هي كده. انت طردت مصري معبده موجود في مصر من ايام رمسيس الثالث”.
وهذا كلام كذب ومردود عليه. أولاً : ان اليهود الذين كانوا في مصر في الخمسينات اغلبيتهم الساحقة, اكثر من 75% منهم ليسوا من اليهود المصريين القدماء , بل هم من الجنسيات الايطالية والفرنسية والبريطانية وغيرهم من الاوروبيين. وجمال عبد الناصر طرد رعايا بريطانيا وفرنسا من مصر اثناء فترة العدوان الثلاثي, وهذا امر مفهوم وطبيعي بالنسبة لرعايا دول العدوان اثناء فترة الحرب. وهؤلاء الرعايا كان منهم اليهود من جنسيتهم الذين ذهبوا معهم. واما اليهود المصريون القدماء فلم يطردهم جمال عبد الناصر , هذا كذب ولم يحصل. غاية ما هناك انه كان يتم اعتقال من يشتبه بتعاونه مع الصهيونية والمخابرات الاسرائيلية. ويتناسى القمني فضيحة لافون والتجسس الاسرائيلي واعمال التفجيرات التي قام بها عملاء اسرائيل في اوساط يهود مصر .
*****
ويختم القمني مونولوجاته بفقرة خصصها لمدح يهود مصر. حيث يقول ان أباه الذي كان تاجراً يتعامل مع اليهود قال له ” بعد اليهود ما مشيوا, التجارة (في مصر) باظت خلاص. مبقاش فيها ضمير. دا كلام ابويا”.
*****
نكتفي بهذا القدر, فهو يوضح مدى الانحطاط الذي بلغه سيد القمني في نظرته ومواقفه من القضية الفلسطينية.
كاتب من الاردن
* رابط مقابلة سيد القمني على اليوتيوب ( من دقيقة 18 الى 33 بشأن القضية الفلسطينية):
https://www.youtube.com/watch?app=desktop&v=ZNqVEJZpwXo&feature=youtu.be