تترقب الأوساط الإسرائيلية ما تصفها بـ"الغيوم السوداء" التي تحيط في سماء العالم والشرق الأوسط، مما يجعلهم يتحسبون لحملة لا مثيل لها، الأمر الذي يستدعي من دوائر صنع القرار في تل أبيب تحضير الرأي العام الإسرائيلي بكل ما هو ضروري لمواجهة المخاطر القادمة.
من بين الأخطار المتوقعة تفاقم الأحداث الأمنية، وتنامي موجات الطاعون، وارتفاع الأسعار في الاقتصاد الإسرائيلي، التي يفترض أن تتسبب بإزعاج الحكومة، وفضيحة التنصت على المكالمات الهاتفية من برنامج بيغاسوس، وفضلا عن كل ذلك حالة عدم جاهزية الجيش للمواجهة العسكرية القادمة التي يحذرون منها، رغم القدرات القتالية المتوفرة، والمعدات التكنولوجية التي يحوزها الجيش.
يوسي أحيمائير الكاتب اليميني في صحيفة "معاريف" ذكر في مقال أن "الإسرائيليين اليوم يعانون من الضائقة الأمنية بمستوى أقل، لكن المعاناة الحقيقية تتركز في الضائقة الصحية والاجتماعية، مع التقليل من دور الحكومة التي يصعب الوثوق بها في سبيل وقف تدهور أوضاع مواطنيها، مع فشل محاولات التصحيح لإصلاح الخلافات الداخلية، وغياب أي دور للصحافة الاستقصائية، التي تكشف الزوايا المظلمة".
ورأى أن "الانشغال الإسرائيلي المفرط بموضوع الصحة، لا يجب أن يصرف انتباههم عن الموضوعات المهمة التي يتم دفعها لهوامش الأخبار، من خلال دفن الإسرائيليين لرؤوسهم في الرمال"، في إشارة إلى الوضع الأمني، وتراجع استعداد جيش الاحتلال للمواجهة المقبلة.
وأوضح أن الجمهور الإسرائيلي لديه حالة من اللامبالاة بالتهديد الحقيقي الذي يواجهونه ليس من كورونا، أو ارتفاع أسعار المحروقات، أو الاختناق على الطرقات، بل من التهديد الرهيب الذي يمثله أعداؤهم القريبون والبعيدون، ويستعدون بجدية للحملة القادمة، وهم مجهزون بأحدث الأسلحة، وأكثر خبرة في القتال، وإصرارًا على الخروج لجولة أخرى على أمل الانتصار.
وترتبط هذه المخاوف الإسرائيلية بتحذيرات صادرة عن أوساط عسكرية نافذة حاولت زعزعة الثقة العمياء التي تعيشها قيادته الحالية في الجيش الإسرائيلي والحكومة والرأي العام، ولكن دون جدوى، رغم أن هذه التحذيرات تحمل مخاوف مفادها أن إسرائيل على وشك وقوع كارثة كبرى، لأن الجيش لم يكن في مثل هذا الوضع العصيب الذي هو عليه اليوم، خاصة في المجال اللوجستي، والخوف أن يتسبب فلسطينيو48 في أعمال عنف متكررة عدة مرات أكثر مما وقع في أيار/ مايو الماضي.
في الوقت ذاته، تواصل هذه التحذيرات إشعال الأضواء الحمراء التي تؤكد عدم وجود من يحمي المستوطنات في الشمال من صواريخ حزب الله، ومن عناصره الذين سيعبرون الحدود، ويسيطرون على التجمعات الاستيطانية هناك، بجانب ما ستتلقاه الجبهة الداخلية من آلاف الصواريخ، وما سيلحق بإسرائيل من قتل وتدمير على نطاق واسع، وهذه أصعب حرب ستشهدها إسرائيل على الإطلاق، لأنها ستكون متعددة المشاهد، وفقا لحديث الجنرال يتسحاق بريك مفوض شكاوى الجنود السابق في الجيش.
مع العلم أن جيش الاحتلال اليوم بالكاد يستطيع التعامل مع ساحة ونصف، وليس أمام خمس جبهات، كما سيكون في الحرب القادمة، صحيح أننا أمام صورة مروعة يرسمها بعض الإسرائيليين، ممن يثيرون مخاوف قد تكون مبالغا فيها، لكن السلطة التنفيذية من رئاسة الحكومة وقيادة الجيش ووزارة الحرب ترد على كل ذلك بالاستخفاف، وتكرار عبارة "التحقق من المزاعم".
كل ما تقدم، وفق ما يقوله الإسرائيليون أنفسهم، وبغض النظر عن وجاهته أو مبالغته، لكنه مدعاة لأن يشعروا بالقلق، ومدى جاهزية أنفسهم في مواجهة التحدي الأكثر أهمية الذي يواجههم، بهدف منع تحقيق ما يصفونها بـ"النبوءة المروعة"، لأن إسرائيل لن تكون خارج هذه الصورة الحربية الدامية، والكارثة الرهيبة التي ستداهمها ليست سوى مسألة وقت، وهذه مرة أخرى تقديرات إسرائيلية بحتة.
عربي 21