أشخاص يتحدثون عن المواجهة القادمة..غسان زقطان

الإثنين 14 فبراير 2022 11:33 ص / بتوقيت القدس +2GMT
أشخاص يتحدثون عن المواجهة القادمة..غسان زقطان



ثمة أشخاص كثر يجلسون في الظلال الكثيفة للمكاتب صاحبة القرار في هياكل السلطة، حيث تتراكم الملفات وتنمو الأفكار في التقارير ويتحدث الخشب بطلاقة العارف وثقة المعصوم عن الزلل، مكاتب مغلقة تفتقر للنوافذ وضوء النهار، أشخاص يواصلون تعليق ستائر ثقيلة على الجدران لأن هناك من يصرخ في الشارع.
أشخاص يجلسون بثقة حول موائد المقاهي حيث يتغذى متقاعدون نشطاء على إعادة تدوير الدواليب، وزج زمنهم الشخصي بحمولاته من الناس والشوارع والحوادث في حركة الدواليب، كما لو أنها طاقة التدوير وغايتها، حيث يتشمس زمن كامل من المبالغات المحتملة والطرائف التي تخفف ضجر الفراغ، وتترك شيئا من البهجة على الأشجار التي تركتها البلدية على جوانب الأرصفة.
أشخاص يجلسون على مقاعد الممرات خفيفة الإضاءة، المقاعد غير المريحة غالبا، التي يمكن ملاحظتها أمام الغرف ملتصقة بالحائط وباردة وطلاء رمادي، التي حصلت عليها بعض الفصائل لأسباب غير وطنية في الغالب وغير وحدوية، فصائل متقاعدة وأشخاص عابرون للزمن يكتفون بالعيش تحت الضوء الشاحب للممرات التي تؤدي إلى الغرف.
أشخاص يتقلبون على جنوبهم بحبور العارف في التكايا التي وفرتها لمناصريها سلطة حماس الحاكمة في غزة، هم نفس أشخاص الممرات الذين ظهروا في الفقرة السابقة، ولكنهم هنا أكثر طاعة، يواصلون بدأب ودون ملل وضع جداول تربوية، ومناهج لتوضيح "الوطنية" وطرق مجربة لتأهيل الشعب وتهذيب سلوكه وملابسه ومشيته وعلاقته بالأشياء؛ البيت والعمل والمقهى وطرق السير على شاطئ البحر المتبقي في ساحل الجنوب، ويوزعون الصفات والألقاب وأوصاف الهجاء والمديح، بينما يواصل الزعماء الجلوس على منصات القفز على أكتاف الاحتجاجات والأولاد العائدين من المواجهات بطلقات في القلب والأطراف، يتحدثون عن المواجهة القادمة، يطلقون أسماء مريحة ومبهجة على الموت، ويمجدون المشاة الذين سقطوا في حروب لم تحدث.
تجار وأصحاب رؤوس الأموال، ومقاولو عمال وحملة السلاح الطائش والسلاح المغدور... يتحدثون عن المواجهة التي ستحدث.
بينما المواجهة تنهض على الأرض بدونهم، وحيدة لا تنتظر أحدا، وكثيرة لا تتكئ إلا على كتفيها، تنهض دون أن تنتظر إشارة، من أقصى عنابر السجون؛ عوفر ومجدو وأسرى الأحكام الإدارية وعلى تلال الشمال في بيتا وجبل صبيح وكفر قدوم والنبي صالح، وكيسان في بيت لحم، وفي شوارع القدس وعتبات الشيخ جراح، في الأغوار ونابلس وجنين ومسافر يطا وبيت أمر وصوريف والخان الأحمر وبورين ........ إلى ما لا آخر له.