سيد القمني .. و المحامي المدقدق ..محمد الوحيــــــدي

الأحد 13 فبراير 2022 01:33 م / بتوقيت القدس +2GMT
سيد القمني .. و المحامي المدقدق ..محمد الوحيــــــدي





كالعادة في عالمنا ، تزداد متابعة الشخص بعد موته ، و يزداد الإهتمام و الجدل و تتضاعف الشهرة و ربما يكسب ورثته أكثر من بيع منتوجه " الفكري" أضعاف ما إستفادوا في حياته ، و هذه طبيعة الإنسان ، نحب الجدل و نهوى لعبة الإختلاف ..و أياً كان ، فالرجل بذل جهداً خارقاً على مدى عشرات السنين في إثبات وجهة نظره ، التي تحولت إلى " معتقد " و مدرسة ، و أسماها البعض صاغراً بالفكر و الفلسفة .. و ما علينا من كل هذا .. 
ولا ينكر أحد ، و لا حتى يستطيع و إن حرص أن ينكر أن القمني من المثقفين العالمين القارئين الحافظين لتاريخ و ثقافات و فلسفات ، و مؤلفاته خير دليل على ذلك ..
الرجل ببساطة لا يقبل بقياساته العلمية المادية بالرويات التاريخية ، حتى تلك التي يعتبرها الناس مقدسة ، مثل التوراة و الأناجيل و المصحف ، ناهيك عن الحواشي من تلمود و أحاديث و غيرها .. و ينسب الكثير ، بل الكثير جداً من الروايات " المقدسة " و يؤصلها بأنها إقتباسات كلية أو جزئية من هرطقات و شعوذات و أساطير وحكايات الأولين شرقاً و غرباً .. و تخلص من قراءة أدبياته أن فكرة الإله أساساً هي فكرة بشرية و حاجة إنسانية و أن الأنبياء و الرسل بعضهم " نصاب ، أو ساعٍ لحكم و سلطان ، أو يداري على " خطيئة بإدعاء القدسية ، و أن ( بالذات ) الإسلام دين عنف و قتل و إحتلال وقهر  و يتخصص في إثبات وجهات نظره بالشريعة و إختلاف أحكامها و المذاهب و كمتابع أو قارئ تشعر من كلامه أن " مجلس قيادة الثورة " يعني النبي و الصحابة كانوا " دافنينه سوا " و أنهم كانوا يمررون لبعضهم البعض الأخطاء و لا يطبقون على أنفسهم الأحكام ( مثل ما حصل مع خالد بن الوليد و إبن عمر بن الخطاب إلخ ) .. 
* الغريب العجيب أن الرجل الذي > يرفض بكل قوة < أن يؤجر عقله ، ويصر على إحترام مخه و يرى الأشياء كما هي بواقعية و بحثية علمية دقيقة ، و يعتمد على التدقيق و التمحيص ، تراه يصر  ( إلحاحاً ) على أن يعتمد بنسبة مائة في المائة على ( روايات ) في تقرير الحالة ، و من ثم ( الحكم ) عليها ولا يعطيك مجالاً حتى للرد بمتشابهات من الروايات ، أو متناقضات ، أو حتى أن تحتكم أنت و هو إلى قاعدة ( نبذ الرواية كلياً ) . و ظهر ذلك الإعتماد الإنتقائي على روايات بعينها ، جلياً في كتابه الحزب الهاشمي و غيره . 
* تراه في تفسيراته و تأويلاته لآيات الله في المصحف ، لا يتورع أن ( يخبص في العمار ) و ( يخبط في الحلل ) كما يقال بالعامية المصرية ، فتفسيراته تحتوي على عوار شديد ، و أخطاء لغوية ، أو علّ الأقرب للصواب أن أقول ( فهم مخطوء بالكلية " للغة ، و إجتزاء و بعد عن ( منطق نقدي سليم ) . فكلنا قرأنا - ربما - عن تلك الحجج الواهية التي ذاع صيتها منذ الخمسينات ، على يد بعض ( المفكرين ) من أدباء و شعراء و باحثين على ما أسموه أخطاء لغوية ، أو منطقية ، أو تناقضات علمية أو إقتباسات وما زالت - للاسف - تلاك و تمتضع  و تجتر إلى يومنا هذا من قبل بعض المتفذلكين أو المتهوسين أو صهاينة المسيحية أو من مدعي الإلحاد و العلمانية ، و ( العلمانية الحقيقة منهم براء ) على قنوات مشبوهة أو كتابات ركيكة ، و قد تم الرد عليها ، منذ عهود بعيدة ، و تمحيصها و تبيانها . 
* و بمتابعة بعض الحلقات التي تعرض فيها القمني للمناظرة من قبل خصوم في الفكر ، لا تجد من الرجل إلا العصبية و السفسطة و كثير من السفاسف ، و للأسف لا تجد من مناظريه إلا مبادلة الحكم بحكم و الهجوم بهجوم ، فيتوه المشاهد و يحتار قلب المتابع ، و في النهاية هذا هو عين ما يريده القمني عملاً بالمقولة القديمة المجددة لهاري ترومن  : إن لم تستطع إقناعهم ، فشتت أفكارهم .. و عل التعبير بالإنجليزية أكثر دقة : 
Harry S. Truman: “If you can't convince them, confuse them.”
* الحقيقة أن سيد القمني ، باحث ، و بذل جهداً مضنياً و عنيداً في إثبات وجهات نظره ، وقد صادف في كثير من مفاصل رحلته البحثية عناصر ينادي بها كثيرون من الدعاة إلى التجديد و التنوير و الفهم الأصح للقرآن و الرسالة الأخيرة ، و للدين بشكل عام . 
* لكن الفارق - في رايي المتواضع - بين الباحثين عن الحق و بين القمني ، أنه أضاع عمره في البحث عن ما يثبت رأيه ، و ليس ما يحقق العدالة المعرفية . وهو في ذلك إنما وضع نفسه و تاريخه و علمه للأسف في نفس درجة القمص زكريا و غلمانه و جواريه ، فكان إهمالهم أوجب و نسيانهم خير رد عليهم ، لأنك لو حتى جئتهم بالبينة موثقة بكل أساليب التوثيق ، لن يرعووا و لن ينتهوا .. فكان - سيد القمني- في جهده مثل ذلك المحامي الحذق ( المدقدق ) الذي يعرف كيف يقلب الأمور ، و يأتي بأسباب براءة المجرم من سقطات فم أو أفعال أقارب الضحية .