يصنف الإعلام العربي الرسمي والغربي الجهات التي تدعمها إيران في المنطقة على أنها وكيل (بروكسي بالإنجليزية) للأخيرة، كما لو أنهم جزء من وحداتها العسكرية يأتمرون بأمرها دون أن تكون لهم إرادة مستقلة يقررون من خلالها مصالحهم ومصالح بلدانهم.
هذا التوصيف يلغي الظروف التاريخية التي تأسست من خلالها العلاقة بين إيران والجماعات التي تدعمها، ويلغي التقاء المصالح بينهما وتعمقها مع الزمن ويتنافى مع الحقائق القائمة على الأرض أيضاً.
غير أن رفض التوصيف لعدم صحته لا يعني بأن هذه الجهات لا تراعي مصالح إيران خلال صراعها مع خصومها أو أعدائها.
إيران المُهددة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة بشكل دائم، وجدت أن من مصلحة أمنها القومي تقوية جماعات في المنطقة تشاركها نفس العداء لخصومها ويعملون ضدها.
مشاركة الطرفين لنفس الأيديولوجيا أو الطائفة هنا ليست العامل الحاسم، ولكنها عامل يُسهل التواصل بينهما لأنهم يتحدثون بلغة مشتركة ولديهم تصور شبه موحد بشأن ما يجب أن يكون عليه حال المنطقة إن لم يكن حال العالم.
عندما انطلقت المقاومة اللبنانية لتحرير ارضها من الاحتلال الإسرائيلي، وتحديداً حزب الله اللبناني، لم تجد هذه المقاومة جهة عربية تحتضنها او تدعمها، لكنها حصلت على التدريب والتسليح والدعم المالي من إيران، واستمر ذلك الى يومنا هذا.
إيران التي اقتطعت هذه المساعدات من الأموال التي يجب أن تسخرها لشعبها، لم تقم بذلك لأسباب أيديولوجية على أهميتها، ولكن لأسباب لها علاقة بأمنها القومي.
ما ينطبق على دعم إيران لحزب الله ينطبق على دعمها لحركتي «حماس» و»الجهاد الإسلامي». حركة «حماس» رأت في وقت من الأوقات أن من مصلحتها الابتعاد عن إيران وحلفائها، وغادرت سورية من أجل ذلك، لكنها اضطرت في النهاية لإعادة ترميم علاقاتها مع إيران بعد أن اكتشفت بأنه لا الدول العربية ولا تركيا على استعداد لمساعدتها لقتال إسرائيل.
تركيا التي تقيم علاقات مع إسرائيل يقال بأنها طلبت من بعض الشخصيات المحسوبة على جناح «حماس» العسكري مغادرة أراضيها حتى لا تتضرر علاقاتها بإسرائيل او الولايات المتحدة. أما ما يتعلق بالدول العربية، فإن الدولة الوحيدة التي قدمت لهم مساعدة مالية كانت قطر، ولم تقدمها مباشرة لحركة «حماس» ولكن مباشرة للناس في غزة وبعد موافقة إسرائيل على ذلك لحسابات أمنية خاصة بها.
هذا الغياب للدعم العربي لحركات المقاومة هو الذي دفعها لتطوير وتوطيد علاقاتها مع إيران.
في العراق لم تشكل إيران الحشد الشعبي، وهو تشكل بناء على فتوى من المرجعية الدينية العراقية لقتال «داعش» بعد أن سقطت الموصل في يدهم دون قتال مع الجيش العراقي. إيران قامت بعد ذلك بتدريب وتسليح الحشد الشعبي لأنه مثّل لها خط الدفاع الأول عن نفسها من «الدواعش».
من الطبيعي أيضا ان يعادي الحشد الشعبي الولايات المتحدة لأنه كما الغالبية العظمى من العراقيين يرى أميركا قوة احتلال وخراب... صدام حسين كان شخصاً ديكتاتورياً ودموياً، لكنه وفر الأمن للعراقيين وخلق شبكة أمان اجتماعي لهم وقام ببناء بنية تحتية في العراق متطورة نسبياً. بالمقابل، الاحتلال الأميركي شرد ملايين العراقيين خارج بلدهم، قتل وتسبب في مقتل مئات الآلاف منهم، أفقد الناس الإحساس بالأمان، دمر البنى التحتية، وتسبب في ظهور نخبة فاسدة أفقرت العراقيين.
محاربة «داعش» والعداء لأميركا سمح للعلاقة بين إيران والحشد الشعبي بأن تستمر وتتعزز مع مرور الأيام.
في اليمن وسابقاً للحرب التي بدأت في آذار العام ٢٠١٥، لم تكن هنالك علاقات قوية بين حركة أنصار الله وإيران، لكن بعد الحرب كان هنالك لقاء مصالح اتسعت باستمرار الحرب.
قرار مجلس الأمن رقم ٢٢١٦ الذي صدر بعد شهر من الحرب بين الحوثيين و»التحالف العربي» بقيادة العربية السعودية، طالب الحوثيين بتسليم أسلحتهم للحكومة الشرعية والعودة الى محافظة صعدة من حيث أتوا.
الدولة الوحيدة في العالم التي قررت دعمهم كانت إيران، ومن هنا تعمقت العلاقة بينهم.
هذا السرد التاريخي البسيط، لا يشير إلى أن إيران هي من شكل هذه الجماعات (حزب الله، حماس، الجهاد، الحشد، وأنصار الله). هذه الجماعات كانت موجودة سابقاً للدعم الإيراني لها، لكن التقاء المصالح بينهما واستعداد إيران لدعمهم مالياً وعسكرياً، كان السبب في استمرار العلاقات بينهما وتطورها وتجذرها مع الزمن.
هذا على الأقل ينفي عن هذه الحركات صفة الوكيل، ويجعلها أقرب الى الحليف من أي «مفهوم سياسي» آخر.
الحقائق أيضاً تؤكد ذلك. مثلاً، ليس لإيران مصلحة في استهداف الإمارات العربية. إيران تستخدم موانئ الإمارات وفق تقارير غربية لتهريب نفطها وبيعه للصين ولدول أخرى. إيران لديها ثمانية آلاف شركة تعمل في الإمارات، والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين جيدة جداً. لذلك ليس من المعقول أن يكون الحوثيون قد أخذوا إذناً من إيران لاستهداف الإمارات بصواريخهم وطائراتهم.
لكن الحلفاء أيضاً يراعون مصالح بعضهم البعض، لذلك ورغم ادعاء الحوثيين بأنهم استهدفوا إمارة دبي، إلا أن جميع التقارير الصحافية تقول بأن إمارة أبو ظبي وحدها هي من تم استهدافه. السبب يعود على الأغلب الى أن مصالح إيران وتجارتها هي مع إمارة دبي وليس مع إمارة أبو ظبي.
هل هذا يعني بأن الحوثيين هم وكلاء لأنهم قاموا بمراعاة مصالح إيران.. بالطبع لا، لكنهم يدركون أن عدم قيامهم بمراعاة مصالح إيران في عملهم ومن تلقاء نفسهم، سيحرمهم من دعمها لهم.
لا يوجد هنا تناقض لأن هذا السلوك قائم ومتعارف عليه أيضا بين الدول. كم دولة عربية مثلاً تجرأت على معارضة خطة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية؟ الدول الحليفة للولايات المتحدة التي عارضت الخطة، اختارت لغتها في حينه بعناية فائقة. أكدت على حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته وفق المبادرة العربية دون أن تأتي على ذكر خطة ترامب لا من قريب ولا من بعيد حتى لا تُغضب حليفها.
هل تمثل الجماعات التي تدعمها إيران قوة ضاربة لها في المنطقة؟
هذا سؤال فيه الكثير من الغموض، وبالتالي لا يمكن الإجابة عليه كما هو والمطلوب جعله أكثر وضوحاً. وبالتالي فإن السؤال هو: هل يتدخل هؤلاء لدعم إيران إذا تعرضت لهجوم أميركي أو إسرائيلي؟
الجواب، بالتأكيد سيتدخلون لكن ليس بصفتهم وكلاء، ولكن بصفتهم حلفاء، لأن هزيمة إيران، تعني لهم استفراد أميركا وإسرائيل بهم وتدميرهم، وهي تعني بالنسبة للحوثيين خسارتهم لحربهم.
على عكس الوكلاء، الحلفاء لديهم مساحة كبيرة من الاستقلالية وهم بالتالي أحرار في قراراتهم وتصرفاتهم الى أن تصل لمستوى يمكن أن يتسبب في إلحاق الضرر بالحليف، عندها يتم «ضرب الفرامل» ذاتياً، لأن حسابات الربح والخسارة تفرض نفسها.