هآرتس- بقلم حنين مجادلة - أمس استيقظت على صورة شابين يقفان كتفاً بكتف وهما يبتسمان، فتيان مجتهدان. كان غازي أبو سبيتان وأحمد الصياد من شرقي القدس، في الثلاثينيات عندما سقطا من ارتفاع 40 طابقاً في موقع بناء في في تل أبيب، وماتا. لم يعرفا أنها ستكون الصورة الأخيرة لهما في مكان عملهما هذا، قبل تعليقها بمكان ما في العزاء. مثلهما عشرات الأشخاص، إذا لم يكن المئات، من ضحايا فرع البناء الذي هو أحد الساحات القاتلة للرجال والشباب العرب تحديداً. فيما يلي قائمة جزئية لقتلى مذبح اللامبالاة العام اليهودي: عامل (40 سنة) توفي جراء سقوطه من ارتفاع 20 متراً في موقع بناء لشركة “ي.د” في النقب، في عسقلان؛ وعدلي عادل بيروتي، عامل بناء فلسطيني (50 سنة) قتل لانهيار سقف مبنى في شارع زوروبابل في تل أبيب؛ ولو تسونغ وا، وهو عامل بناء صيني، قتل بعد سقوطه من ارتفاع في موقع بناء لشركة “سيلع افيف” في “رمات غان”؛ ونبيل الحليس، عامل بناء فلسطيني (24 سنة)، مات نتيجة سقوطه في موقع بناء لشركة “دانيا سيبوس”، لصالح قطار إسرائيل في شارع 431 قرب ريشون لتسيون… وليست هذه سوى قائمة صغيرة.
رائحة موت قتلى فرع البناء تصاحبها رائحة عنصرية؛ لأنكم إذا بحثتم بعدسة مكبرة فلن تجدوا عمالاً يهوداً؛ فهو “عمل عربي” أو صيني، لا يهم. لذلك، هناك لامبالاة عامة للإهمال والاستخفاف بحياتهم، سواء من قبل المقاولين أو رجال الأعمال، وقولنا فيهم بأنهم لا يحرصون على اتباع الإجراءات واللوائح سيكون قولاً لطيفاً لوصف جرائمهم، لأنهم المسؤولون عن حياة عمالهم، وموتهم سيجثم على ضمائرهم، إذا كانت لهم ضمائر؛ أو من ناحية وزارة العمل ووزارة الاقتصاد والحكومة، المسؤولين عن سلسلة طويلة من إخفاقات الرقابة وإنفاذ القانون وتجميد إجراءات سن تشريعات ضرورية بشأن الأمان.
هذه السلطات أيضاً لا تنفذ قواعد الأمان، ولا تحدد اللوائح ولا تشكل أداة ردع فعالة أمام شركات المقاولة. ولم يصل إلى مرحلة تقديم لائحة اتهام منذ 2020 سوى ملفي تحقيق يتيمين. صحيح أن القتلى في معظمهم من الفلسطينيين، لكن ثقافة تدوير الزوايا هي ثقافة إسرائيلية خالصة.
يستمر الاستخفاف والإهمال في ظل غياب الردع والعقاب القاسي. هكذا، سنظل نسمع عن عمال بناء في عمر 19، 30، 50 سقطوا وماتوا من الأبراج الفاخرة التي تتكون من خمسين طابقاً، التي سيعيش فيها سكانها المستقبليون بهدوء وراحة، وكأن شيئاً لم يحدث، وكأنه لم تجب هناك أرواح بشر.
حياة عمال هذا الفرع مهمة أكثر من برج آخر فاخر في تل أبيب. ولكن العمال يوافقون على العمل في ظروف متدنية وخطيرة لأنه لا خيار لهم، يعرفون أن حياتهم ستكون مهملة، وهم في نهاية المطاف عرب يبنون لصالح اليهود. ما العمل إذاً؟ موت العرب، مهما كان مأساوياً، لا يزلزل الأرض، بل بصعوبة يحرك السقالات المتهالكة أصلاً. نعم، يعرفون كل ذلك، ومع ذلك هم بحاجة إلى المال. عليهم كسب الرزق. وعليهم توفير معيشة عائلاتهم.
في الحقيقة، ليست قصة كبيرة جداً؛ ما الفرق إذا سقط عرب وماتوا في الوقت الذي كانوا يبنون فيه برجاً يتكون من خمسين طابقاً في حي بابلي الفاخر، أو ماتوا جراء رصاص حي في مظاهرة؟ أو برصاص حي يطلقه جنود الجيش الإسرائيلي، إذا كانوا من الضفة الغربية؟ أو من خطأ في التشخيص من قبل منظمة جريمة سيطرت على قريتهم؟ الموت بسبب سقوط من علو قد يثير القليل من الشفقة في أوساط اليهود، وهذا يمثل شيئاً ما.