هـل هـي مـجـرد طـبـول حـرب؟ صادق الشافعي

السبت 05 فبراير 2022 01:01 م / بتوقيت القدس +2GMT



إعلامياً وباقتران مع بعض تحركات محدودة ذات طابع عسكري، فإن العالم ينام ويصحو على مخاوف وطبول حرب بين روسيا من جهة وبين دول حلف الناتو ومعها الولايات المتحدة، وبقيادتها.
وعنوان المخاوف والطبول بكل تفاصيلها تقريباً، هو دولة أوكرانيا والتهم التي توجه الى روسيا بالحشد العسكري بنية غزوها، او القيام بعمل عسكري ضدها.
ورغم ان طبول الحرب ومعها التهديدات ترتفع باطراد، مقترنة بتصريحات توازيها في الارتفاع، فان العالم بأغلبيته ما زال يراهن على عدم الانجرار والذهاب الى اعمال حرب رغم علو صوت الطبول التي تقرع.
رهان العالم قائم على العلم والمعرفة بما حققته أدوات ووسائل التدمير من تطور وانتشار، ومن تقدم لا يوصف في قدرتها التدميرية بالمقارنة مع ما كانت عليه حالها في الحرب العالمية الثانية مثلاً، او الحروب المحدودة التي لحقتها.
والرهان قائم أيضاً، على ان اعمال الحرب والتدمير إذا ما وقعت فإنها ستقع هذه المرة في عقر دار الدول الأوروبية وعواصمها ومدنها. وهو ما لا يريدونه ولا يقدرون عليه.
ان طبول الحرب تستحضر الى الذاكرة ازمة الصواريخ التي نصبها والأسلحة المتقدمة التي كدسها الاتحاد السوفييتي في أراضي الدولة الكوبية في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية وفي عقر دارها وسواحلها ومدن رئيسية فيها. وتستحضر حال الاستنفار الذاتي والقاري والعالمي الذي أعلنته الولايات المتحدة، والضوابط التي مارستها والتهديدات التي أعلنتها حتى فرضت سحب تلك الصواريخ والأسلحة من الأراضي الكوبية وإعادتها الى مصدرها.
وإن طبول الحرب وبكل ما يرافقها من تفاصيل تعيد تأكيد حقيقة استمرار انقسام العالم، حتى الآن، قائم بين قطبين رئيسيين فقط: قطب دولة الولايات المتحدة ومعها وتحت قيادتها حلف الأطلسي (الناتو) بكل دوله ومؤسساته، يقابله ويناقضه قطب دولة روسيا، وريثاً وبديلاً حصرياً لما كان يعرف بحلف وارسو، وما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي. لم يغير من هذه الحقيقة ان الولايات المتحدة تعززت قوتها كقطب عالمي وهي تضع في جيبها حلف الأطلسي بالدول التي يضمها. وكلها دول أوروبية غربية معظمها غنية بذاتها واقتصادها وعلاقاتها التحالفية، وقوية بقدراتها العسكرية. خصوصاً مع ما شهدته قدرات هذه الدول الذاتية من تطور ملحوظ في جميع المجالات والعسكرية منها بالذات. ولم يغير من هذه الحقيقة ان حلف وارسو الذي كان النقيض والمعادل لحلف الأطلسي على المستوى الدولي قد انتهى كحلف اتحادي بمكوناته من الدول الملتفة حول روسيا كمركز للحلف وقيادة له، وانتهت كل مؤسساته. ولم يبق من مكوناته الا الدولة الروسية منفردة.
مع حقيقة ان قلة من الدول التي كانت مكونة لحلف وارسو حافظت على علاقات تحالف او تعاون مع الدولة الروسية. ولا يغير من هذه الحقيقة، ان الاتحاد السوفياتي نفسه قد انتهى كدولة اتحادية، ولم يبق منه سوى الدولة الروسية. حتى الحركة الشيوعية العالمية التي كانت تشكل رديفاً عالمياً مسانداً للاتحاد السوفياتي ولحلف وارسو قد تفككت عرى وحدتها العالمية وضعف دورها المساند.
ومع كل ما تقدم ذكره، وحتى مع الإقرار بتقدم القطب الذي تقوده الولايات المتحدة، لجهة القوة التحالفية بالذات، فان العالم مازال منقسماً ومحكوماً الى درجة كبيرة نسبياً بالتناقض بين القطبين المذكورين: دولة الولايات المتحدة الأميركية، ودولة روسيا الاتحادية.
وماذا عن الصين في هذا المجال؟ بالتأكيد فإنه لا يجوز عدم رؤية التقدم الذي تحققه الصين سواء في مجال بناء القوة الذاتية بمكونيها، الاقتصادي والعسكري بالدرجة الأولى. ثم بخروجها الى العالم ونسجها علاقات متطورة قوية مؤثرة ومتسارعة مع دول عديدة ومتزايدة من دوله. وما يقود اليه كل ذلك وينتج عنه من زيادة دور وتأثير الصين في الوضع العام للعالم وفي العلاقات بين دوله وفي ثقل الدور الذي تلعبه في قضاياه العامة والأساسية منها بالذات. وهو دور تشير كل المقدمات انه مرشح للزيادة وقوة الفعل والتأثير.
صحيح ان علاقات الصين مع روسيا تبدو أكثر تقدماً وتطوراً واتساعاً من علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية ومع الدول الغربية. وأحدث الأمثلة على ذلك الزيارة النوعية التي يقوم بها الرئيس الروسي بوتين الى الصين. لكن دورها وتأثيرها العالمي المتصور لا يمكن ان يكتفي بهذا المستوى ويقف عند هذه الحدود. بل تبدو الآفاق مفتوحة أمامه ليصبح دوراً أساسياً وربما مقرراً في العالم وتوازناته وفي التعامل مع قضاياه.
فهل يقود هذا التطور في الدور الصيني على المستوى العالمي الى درجة تغير الوضع القائم حالياً على انحكام العالم الى معادلة القطبين الأميركي والروسي.